آراء

كريم المظفر: لماذا فشل أجتماع لافروف وكوليبا في انطاليا؟

كريم المظفروسط إجراءات أمنية مشددة، عقد في أنطاليا، أول لقاء بين وزراء خارجية روسيا سيرغي لافروف ونظيره الاوكراني ديمتري كوليبا، وبحضور وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، على هامش المنتدى الدبلوماسي الذي عقد في المدينة التركية، وسط إنتشار ملفت للنظر للقناصة على اسطح المطار المحلي وفندق ريجنوم كاريا، مع انتشار كثيف لمفارز الشرطة حيث كان في كل 500 متر على طول طريق الوفود الرسمية كانت هناك دوريات للشرطة.

واستمر الاجتماع الأول لوزراء خارجية روسيا وأوكرانيا لمدة ساعة ونصف، ولم يكن هناك اختراق واضح في المفاوضات، وقد صرح الجانبان بذلك، فقد الوزير لافروف أن المفاوضات في أنطاليا لا تعني التوصل إلى اتفاقات لوقف إطلاق النار، وان الاجتماع الوزاري لا يهدف إلى استبدال "مسار المفاوضات" الذي تجريه موسكو وكييف في بيلاروسيا، في حين أشار الأوكراني كوليبا إلى أنه لم يكن من الممكن الاتفاق على نظام صمت لمدة 24 ساعة وممر إنساني من وإلى ماريوبول.

وكما هو معروف فقد سبق اجتماع رئيسي وزارتي الخارجية الروسية والأوكرانية في تركيا ثلاث جولات تفاوضية جرت على الأراضي البيلاروسية، و خلال هذه الاجتماعات على مستوى الوفود الخاصة من موسكو وكييف، واستنادا إلى كلمات ممثلي البلدين، كان من الممكن إيجاد نقاط لمواصلة الحوار، ومن الناحية النظرية، كان من المفترض أن تعزز المحادثات الوزارية هذه النجاحات المتواضعة بل وتطورها، ولكن هذا لم يحدث.

وبحسب الوزير لافروف، فإن الجانب الأوكراني أُعطي اعتبارات "محددة للغاية" في شكل مسودة وثيقة قانونية، "أخذتها كييف بعين الاعتبار"، وعلى الرغم من أن الأطراف تحدثت لصالح مزيد من الاتصالات على مستوى وزراء الخارجية، أشار الوزير الروسي إلى أنها لن تكون نوعًا من المسار الموازي للصيغة الرئيسية الاتصالات بين وفدي البلدين في بيلاروسيا، التي عقدت ثلاث جولات من المفاوضات في الأسابيع الأخيرة.، معربا عن اعتقاده أن الجانب الأوكراني سيكون مهتمًا بمثل هذا المسار الموازي، لأنهم "يفضلون دائمًا استبدال عمل محدد بشأن تنفيذ الاتفاقيات بإيجاد صيغ جديدة، والتي يجب أن تحتل بالضرورة المكانة الرئيسية في الأخبار".

ووفقا للمصادر الروسية، فقد تمت مناقشة إمكانية إجراء مفاوضات بين رئيسي روسيا وأوكرانيا، وهو ما تطلبه كييف باستمرار، لكن موسكو لا ترى النقطة في الاتصالات على المستويات الأخرى إلا إذا "كانت لها قيمة مضافة"، وبهذا الشأن اكد وزير الخارجية الروسي أن موسكو تريد مقاربة الحوار "بجدية "، وليس الخروج من بعض الأوراق غير الرسمية، ولكن الاتفاق على تلك الأمور التي، بالاعتراف المشترك، ينبغي حلها في سياق تسوية شاملة للأزمة الأوكرانية وضمان الأمن في القارة الأوروبية.

وفي شرحه مرة أخرى لموقف موسكو من هذه القضايا، أكد لافروف أيضا أن روسيا، مصرة على عدم توسيع الناتو وحياد أوكرانيا، وقال " ولا تريد إنكار أمن الدولة والشعب الأوكراني"، لذلك، فإن موسكو مستعدة لبحث الضمانات الأمنية للدولة الأوكرانية، إلى جانب ضمانات أمن الدول الأوروبية، وبالطبع أمن روسيا، معربا عن تفاؤل معين بسبب حقيقة أن في خطابات رئيس أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي "يبدأ في شق طريقه" بفهم هذا النهج.

في الوقت نفسه، يعتبر تخلي أوكرانيا عن عضوية الناتو بالنسبة لموسكو شرطًا ضروريًا ولكنه غير كافٍ، وقد أشار لافروف إلى أن "عسكرة أوكرانيا" أمر غير مقبول بالنسبة لروسيا، بغض النظر عن عضويتها في الحلف، لأنه "بدون أي حلف شمال الأطلسي، من الممكن وضع أنظمة هناك ستبقي أراضينا تحت تهديد السلاح"، مشددا في الوقت نفسه على أن "نزع السلاح ونزع السلاح من أوكرانيا ضروري، ولا يمكن تأجيل ذلك"، وتؤكد موسكو أن الدول الغربية تدفع كييف إلى هذا المسار، ووفقًا لوزير لافروف، فهم بحاجة إلى شيء واحد فقط من أوكرانيا - أنه يعمل باستمرار ضد روسيا، ضد كل شيء روسي.

وكان الوضع الإنساني في أوكرانيا أحد الموضوعات الرئيسية للمحادثات، فقد أكد وزير الخارجية الروسي أن مبادرة موسكو بفتح ممرات إنسانية يومية على الأراضي الأوكرانية لا تزال سارية، وحول مسألة ما إذا كان التوتر الحالي يمكن أن يتصاعد إلى حرب نووية، أجاب لافروف وبشكل قاطع: "لا أريد أن أؤمن بها ولا أصدقها"، وأشار إلى أن هذا الموضوع "طرح في الخطاب" حصريًا من قبل ممثلي الغرب، وفي مقدمتهم حلف شمال الأطلسي، وهو أمر "ينذر بالخطر".

كما حذرت روسيا الدول التي تزود أوكرانيا بـ "أخطر الأسلحة"، بما في ذلك منظومات الدفاع الجوي المحمولة، من أنها "تخلق تهديدات هائلة لأنفسها"، وفقًا للوزير الروسي، لا يستطيع الاتحاد الأوروبي نفسه الآن الإجابة على سؤال حول كيفية التحكم في حركة منظومات الدفاع الجوي المحمولة التي يتم نقلها إلى أوكرانيا في المستقبل، محذرا من أنه "لسنوات عديدة، ستخلق مخاطر وتهديدات للطيران المدني في سماء أوكرانيا، ويمكن أن تنتشر في جميع أنحاء أوروبا".

ويشير رد الفعل المحموم للدول الغربية على الصراع الأوكراني، إلى أن هناك بالفعل معركة حياة أو موت من أجل حق روسيا في أن تكون على الخريطة السياسية للعالم مع الاحترام الكامل لمصالحها المشروعة، واعرب وزير الخارجية الروسي عن ثقته من أنه على الرغم من الحرب الاقتصادية التي أعلنها الغرب، فإن روسيا قادرة على رعاية اقتصادها، ووفقا له، فإن روسيا ستحرص بشكل نهائي على أنها لا تعتمد على الشركات الغربية، حتى لا يهدد "أي عم سام" بتدمير "اقتصادنا"، وشدد على ان موسكو لا تنوي إقناع الغرب بشراء النفط والغاز الروسي إذا رفضتهما لأسباب سياسية، وقال لافروف "لم نستخدم النفط والغاز كسلاح قط، ستكون لدينا أسواق للبيع، إنها موجودة بالفعل."

وترى موسكو ان مفاوضات الوزير لافروف ونظيره الاوكراني، ليس لاستبدال مسار التفاوض الذي أنشأه رئيس روسيا ورئيس أوكرانيا والذي يتكشف على الأراضي البيلاروسية، فهناك تتم مناقشة القضايا العملية، وهناك يتم شرحها بأكثر الطرق تفصيلاً ما يجب القيام به لإنهاء هذه الأزمة، هذا هو نزع السلاح، ونزع السلاح، وضمان الوضع المحايد لأوكرانيا، وعدد من الأشياء الأخرى، وأشار سيرجي لافروف أيضًا إلى أن الجانب الأوكراني في المحادثات في بيلاروسيا صرح بأنه سيقدم قريبًا ردًا ملموسًا على مقترحات موسكو المكتوبة. لم يتم استلامه بعد.

روسيا ارادت من اجتماع لافروف و كوليبا، بان تؤكد من خلاله بانها لا تريد عسكرة أوكرانيا، ولا تريد استمرار الميل لبناء دولة نازية جديدة في أوكرانيا، بل تريد أن تكون أوكرانيا محايدة، معربة عن استعدادها لمناقشة الضمانات الأمنية لأوكرانيا إلى جانب الضمانات الأمنية للدول الأوروبية وروسيا، وأنها (أي موسكو) لم تهاجم أوكرانيا لكنها اضطرت للتحرك لصد تهديدات مباشرة لأمنها، كما انها لاتخطط لمهاجمة دول أخرى، وانه ورغم التحذيرات والنصائح والمناشدات التي أطلقتها على مدى سنوات عديد، لم تجد" آذانا صاغية" بحسب تعبير الوزير الروسي .

أما الوزير الأوكراني كوليبا، الذي قال إن المفاوضات التي جرت على الأراضي التركية كانت صعبة، لم يتم التوصل إلى حلول اختراق، فقد حاول طرح مواضيع لا تعتبر مهمة ومستوى المباحثات، ويمكن حلها او مناقشتها في مستوى المفاوضات الجارية بين وفدي بلديهما في بيلاروسيا، لكنه أشار الى ان الأطراف اتفقت على حل المشاكل الإنسانية على الأرض، لكن لم يكن من الممكن الاتفاق على نظام وقف إطلاق نار مؤقت على الأقل، وعلقت الأجواء أيضا الآفاق التي نوقشت على نطاق واسع بشأن اجتماع محتمل بين رئيسي روسيا وأوكرانيا. 

من المرجح أن ينخرط الجانب الأوكراني في العلاقات العامة أكثر من استعداده لمناقشة الحلول الحقيقية، وكان هناك تلميح واضح للغاية مفاده أن أوكرانيا ليس لديها عقوبات من القيمين عليها في الخارج لاتخاذ قرارات أساسية، وتنازلات كبيرة، وإجراءات وسط، أما بالنسبة لمواصلة عملية المفاوضات البيلاروسية، فيعتقد الكثيرون أنها ستستمر على الأرجح، ولكن مع تعديل لموقف أوكرانيا، مما "يبطئها بكل قوتها، ويطيل الوقت، من خلال مقترحات الهدنة، وهكذا: يبقى الأمل في كييف أن الغرب سيظل يساعد ". لذلك أوكرانيا تلعب عن عمد للحصول على الوقت، وتنتظر المساعدة من الغرب "ربما تود السلطات الأوكرانية نفسها إنهاء عذاب شعبها، لكن في هذه الحالة ليسوا في الواقع طرفًا في النزاع، هذا الدور تلعبه الولايات المتحدة".

 

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

في المثقف اليوم