آراء

احمد عواد الخزاعي: شباب العراق وغياب الأمن الثقافي

احمد عواد الخزاعيالثقافة هي مرآة عاكسة للواقع المعاش الذي أفرزته حقب تاريخية وصراعات سياسية وفكرية واقتصادية، أفضت إلى هذه الهوية الغير قابلة للتغيير، إلا بنسبة ضئيلة، تبعا للتأثير المادي وحركة التاريخ، فلكل شعب ثقافته تبعا لعوامل، الجغرافية والدين والتراث، كما عبر عن ذلك الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران بخطاب له عن الوحدة الأوربية (إن الرهان على الاستثناء الثقافي، هو رهان على وحدة امتنا، الحق لكل شعب ان تكون له ثقافته وحرية إبداعه واختيار صوره) .

على امتداد العقود الخمسة الماضية والتي تمثل ذروة التمظهر الحضاري والفكري لعالم الحداثة وما بعدها، بقي العراق يعاني من تعكز هويته المعرفية والثقافية على ثقافة السلطة وما ينتجه فكرها الشوفيني، الذي تدرج بين القومية والعشائرية والقائد الأوحد، وغُيبت وأقصيت بالقوة كل محاولة لطرح ثقافة موازية أو بديلة .. وهذا دأب معظم شعوب دول المنطقة التي رزحت تحت نير الدكتاتورية والاستبداد، وبعد زوال الصنم لم تستطيع المؤسسات الثقافية والمنظومة الفكرية، التي يدور في فلكها المثقف العراقي على اختلاف توجهاته ومشاربه أن ينتجا امناً ثقافياً وثقافة بديلة، يمكن أن يساهما في لملمة شتات الأمة العراقية، ويعملان على صناعة فكر جديد قادر على مواجهة المرحلة الحالية، بكل إسقاطاتها وإرهاصاتها الخطيرة والمصيرية على وجودنا وقيمنا الإنسانية، فكل منتجنا الثقافي على امتداد سنوات التغيير لم يتجاوز عقدة الماضي القريب، ولم يخرج عن الحيز الذي رسمه التعالق بين الماضي المليء بالحروب والانتكاسات والحاضر الفوضوي، الذي هيمن على العقل الجمعي لمجتمعنا العراقي، فمازالت رؤيتنا للمستقبل وللعالم المتحضر خاضعة لهذا التعالق السلبي، والغير قادر على مواجهة طوفان الثقافات الوافدة عبر وسائل الاعلام الغربية ومواقع التواصل الاجتماعي، التي تمثل خطرا حقيقيا على شبابنا، المفتقدين لأي حصانة فكرية او اعتبارية لمواجهة هذا الغزو، الذي يساهم بشكل كبير في رسم ملامح شخصيتهم وحراكهم وعطائهم المادي والانساني، ومازال كل منتجنا الثقافي سببياً يجتر التاريخ بحرفية مقيتة، لا تنتج غير الفرقة والتشظي والجمود الفكري، هذا الانزواء الفكري اثر سلباً على الواقع الاجتماعي والسياسي العراقي، وبالمحصلة على فئة الشباب الذين يمثلون النسبة الأكبر من الشعب العراقي، وكان مدعاة لان يلجؤوا للبحث عن منظومات فكرية بديلة تستطيع ان تمنحهم بعص الرؤى والتصورات عما يحصل من حولهم، ومن هذه الخاصرة الرخوة استطاعت بعض القوى التي لا تريد الخير للعراق، من استهدافهم فكريا وثقافيا ومعرفيا، شبابنا اليوم في مهب الريح يبنون آرائهم وتصوراتهم عن عالمنا المعاصر وعن معتقداتهم وثوابت مجتمعهم وجميع القضايا السياسية الدولية والعربية والمحلية من وجهة نظر الاَخرين، متأثرين ببروباغندا اعلامية تخلط الغث بالسمين، ومدونين يعملون لصالح اجندات داخلية فاسدة او خارجية معادية، او برامج سياسية تعتمد الفكاهة والتسطيح والابتزاز في تعاطيها مع الواقع العراقي .. نحن اليوم بحاجة إلى امناً ثقافياً ينتج وعيا جمعيا عابرا للطائفة والقومية والمناطقية، وعياً قادرا على تشخيص الخلل الحاصل في البنية السياسية والاجتماعية العراقية وله القدرة على التعاطي معها، وايجاد الحلول المناسبة لها، وعيا ًمستنداً على ثقافة نابعة من معاناتنا كشعب خاض ويلات الحروب والحصار والاحتلال والنزاعات الاثنية والعرقية، ثقافة واعدة تنظر إلى المستقبل نظرة غائية، تعنى بصناعة الإنسان وجعله القيمة الأسمى، تحاكي الواقع برؤية وسطية براغماتية صادقة مع نفسها، بعيدة عن التناقض والنكوص، فلكل شعب خصوصيته وبيئته المعرفية التي تملي عليه حراكه وعطائه الإنساني.. فلا ثقافة التغريب هي الحل، ولا الدين بمفهوميه (البكائي والصحراوي) هو الآخر حلاً.

 

احمد عواد الخزاعي

 

في المثقف اليوم