آراء

كريم المظفر: أوكرانيا بين النموذج "الفنلندي" و"الفيدرالية"

كريم المظفرالمفاوضات التي تجري خلف الأبواب المغلقة بين موسكو وكييف بطريقة " الفيديو كونفرس "، والتي لم تسفر حتى الان عن نتائج ملموسة توقف العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، والتي تجري بحسب التصريحات الروسية وفق المنهج المخطط لها، فان المفاوضات التي جرت بينهما في 8 مارس الجاري في Belovezhskaya Pushcha، سربت بعض ملامح الاتفاق ومطالب الطرفين .

الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي " المتردد " في تصريحاته و " المتلون " في مضامينها، ففي الصباح عندما يكون الغرب لازال مغطا بالمنام، يعرب زيلينسكي عن استعداده للتفاوض مع روسيا، لكنه عندما يستقيظ الغرب من منامه، أي في مساء أوكرانيا (بحسب فارق الوقت) يعود بتصريحات وتهديدات، وصرخ وعويل، مصاحبة بحركات تمثيلية وتغيرات في ملامح وجهه وحركات يديه، ينشد فيها استعطاف لمساعدته، ومطالبته لحلف الناتو التدخل العسكري الفوري لمواجهة روسيا، الامر الذي يرفضه الحلف جملة وتفصيلا، لأنه (أي الغرب) وكما قال زيلينسكي، خائف من أن يكون في خط المواجهة مع روسيا مباشرة، ويستمر الامر على هذا المنوال بالنسبة للرئيس الاوكراني يوميا .

ما تسرب عن المفاوضات في المدينة البيلاروسية (بالمناسبة، ان الرئيس الروسي رفض في البداية رفضا قاطعا ارسل وفده الى التفاوض الى بيلاروسيا، باعتبار ان الأخيرة شاركت في " العدوان " على بلاده، لكنه عاد لرشده وارسل وفده الى هناك)، هو ان " سيادة الرئيس " لا يؤيد التفاوض مع روسيا بشأن شبه جزيرة القرم و دونباس، وفي مقابلة مع ABC News، قال إنه لن يستجيب لمطالب موسكو بالاعتراف باستقلال جمهورية دونباس ولوغانسك والاعتراف بشبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي، لكنه عاد من جديد وأعلن استعداده للحوار بشأن هذه القضايا ومنح تلك المدن وضعية خاصة (وبالمناسبة أيضا، سبق وان رفض زيلينسكي هذه الصيغة قبل بدء العمليات العسكرية) "لكننا لسنا مستعدين للاستسلام".

وبهذه الطريقة، اعترف رئيس أوكرانيا بأن المحادثات في Belovezhskaya Pushcha يمكن أن تنتهي بالنسبة للجانب الأوكراني باتفاق مع روسيا - بالاستسلام، وإن لم يكن "غير مشروط"، ولكن بشروط، و صحيح أنه في الوقت الحالي، كما اعترف زيلينسكي، فإن الجانب الأوكراني ليس "جاهزًا" بعد لهذا النوع من الاستسلام، فالوضع العام للأمور، كما يعتقدون في كييف، لا يؤدي إلى ذلك، ثم وجاء حزب خادم الشعب الحاكم في أوكرانيا تحت عنوان "لا نقبل الإنذارات! لا شك في أن وحدة أراضي أوكرانيا "يمكن أن تنص على ما يلي:نحن لا نفكر حتى من الناحية النظرية في إمكانية إعادة النظر في أراضينا أو التنازل عن أي جزء من أراضينا، إنه غير مقبول، وأوكرانيا لدينا هي دونيتسك ولوغانسك وشبه جزيرة القرم ".

ثم عاد زيلينسكي الى طرح بعض من " مخيلاته "، ففي مقابلة مع ABC News، قال الرئيس زيلينسكي إنه في المستقبل يجب أن يكون لأوكرانيا اتفاقية أمنية جماعية مع جميع جيرانها وبمشاركة الدول الرائدة في العالم - الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وتركيا، وهكذا، أكد الرئيس زيلينسكي مرة أخرى بالفعل استعداد كييف للتخلي عن المسار الثابت دستوريًا في البلاد للانضمام إلى الناتو لصالح نوع من نظام موثوق به للضمانات الأمنية لأوكرانيا مستقلة وذات سيادة، والتي يمكن أن تصبح روسيا جزءًا منها، وفي أعقاب هذا الخطاب الذي ألقاه رئيس أوكرانيا، ميخائيل بودولاك، مستشار رئيس مكتب رئيس أوكرانيا، سرد الشروط التي بموجبها ستكون كييف مستعدة لمناقشة التخلي عن عضوية الناتو. ووفقا له، فإن كييف مستعدة "لمفاوضات بناءة بشأن النقاط الرئيسية".

ممثل روسيا في المحادثات، فلاديمير ميدينسكي، أشار إلى أن توقعات الجانب الروسي من المفاوضات مع أوكرانيا لم تتحقق بعد، لكن حتى في الجولة الثانية، اتفقت أوكرانيا وروسيا على التفاوض خلف الأبواب المغلقة لذا تستمر المفاوضات حول الناتو ووضع أوكرانيا، لمناقشة المقترحات الرئيسية التي حددها الكريملين وهي اجراء تغييرات في تشريعات وضع الدولة من غير الانضمام الى الحلف، والاعتراف باستقلال LNR-DNR عن أوكرانيا ، والاعتراف بشبه جزيرة القرم كأراضي روسية، وتنفيذ "نزع النازية"، ومن الواضح أن أي اتفاقية مستقبلية محتملة تزيل حزب "خدام الشعب" الأوكرانيين من فئة "النازيين"، ووصف الكرملين المحادثات على النحو التالي: بأنه "تم التعبير عن الاستعداد لمواصلة الحوار، بشرط الوفاء غير المشروط بالمطالب الروسية المعروفة، والشيء الرئيسي هو أن على الجانب الأوكراني أن يتعامل بجدية مع تحقيق الاتفاقات، التي يعتبر تنفيذها مهمًا لوقف الأعمال العدائية ".

روسيا المرحبة بالوساطات الغربية، تبدي استعدادها وبشك فوري على وقف عملياتها العسكرية الخاصة، اذا أعربت أوكرانيا عن استعدادها لتنفيذ المطالب الروسية، لكنها وفي الوقت نفسه وكما أكد الرئيس فلاديمير بوتين للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في محادثاته الهاتفية، أن مهام العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا ستتم على أي حال، وأن محاولات الجانب الأوكراني لكسب الوقت من خلال إطالة أمد المفاوضات لن تؤدي إلا إلى مطالب إضافية تظهر في الموقف التفاوضي الروسي كييف، أي أن المحاولات من قبل كييف لإطالة أمد المفاوضات لن تؤدي إلا إلى توسيع موسكو قائمة مطالبها.

وهنا يتساءل الكثيرون، ماذا بعد كل هذه التحركات الدبلوماسية والعسكرية؟ وأين سيصل الخط التفاوضي بين موسكو وكييف ؟ وما هو مستقبل الحلول اللازمة؟ وما التالي في قادم الأيام ؟، أسئلة مشروعة يريد الجميع الوقوف عندها بعد انتهاء المرحلة العسكرية من الصراع، فمن الواضح أنه نتيجة " الاستسلام بشروط"، فإن الكريملين سيمكن نظام زيلينسكي على حصول أوكرانيا على صفة الوضع "الفنلندي" المحايد، ويتم مناقشة هذا بشكل رسمي في المحادثات في المفاوضات الجارية الان بين موسكو وكييف، و يمكن أن يقبل الرئيس زيلينسكي الاستسلام بشروط بعد تنفيذ الحصار المخطط له حاليًا لأكبر مجموعة رئيسية من القوات المسلحة لأوكرانيا - تلك الموجودة في دونباس.

المراقبون والمحللون السياسيون، هم الاخرون يدلون بدلوهم في الامر، ويقول ديمتري سيموشين، كان بإمكان الرئيس زيلينسكي اختيار بديل آخر - عدم قبول الاستسلام وترك البلاد لحكومة في المنفى، وهناك العديد من خيارات النهاية، ومع ذلك، في المحادثات في Belovezhskaya Pushcha، يركزون على الوضعية "الفنلندية" لأوكرانيا مع رفض الناتو، وهذا هو مضمون عملية المفاوضات الرسمية التي تقترحها روسيا حاليًا على أوكرانيا.

روسيا وعلى عكس ما يردده الغرب فإنها تصر روسيا وبعناد على أنها "لن تحتل أوكرانيا"، وتعلن بشكل مباشر وعلني من أنها ستغادر بعد انتهاء الأعمال العدائية، وهذا ما قالته المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في 9 مارس / آذار، من إن الكرملين لم يضع لنفسه مهمة الإطاحة بالحكومة الأوكرانية الحالية، وان "مهمة العملية ليست احتلال أوكرانيا، ولا تدمير كياناتها، ولا الإطاحة بالحكومة الحالية".

وكذلك وبعد اجتماع مع وزير الخارجية الأوكراني دميتري كوليبا في 10 مارس في تركيا، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إنه خلال الجولة التالية من المحادثات في بيلاروسيا، قدمت موسكو مقترحات ملموسة إلى كييف بشأن قضايا التسوية، ووفقا للوزير الروسي، "في الجولة الأخيرة من المفاوضات في بيلاروسيا، قدم الجانب الروسي اعتبارات محددة للغاية بالفعل في شكل مسودة وثيقة قانونية، وأكد الجانب الأوكراني، بعد أن أخذ هذه المقترحات في الاعتبار في كييف، أنه سيقدم إجابة محددة عليها في القريب العاجل ".

صحيح، قبل ذلك بقليل، قال رئيس الدولة الروسية، الرئيس فلاديمير بوتين، إنه إذا استمرت قيادة أوكرانيا في فعل ما تفعله الآن، فإن هذا سوف يثير التساؤلات حول مستقبل الدولة الأوكرانية وأكد "وسيتحملون مسؤوليتهم بالكامل".

وفي إطار سياسة نزع النازية في أوكرانيا، سيكون من الممكن إنشاء اتحاد فيدرالي تُمنح فيه منطقة ترانسكارباثيان (في الغرب الاوكراني) الاسم التاريخي الذي طلبه روسينس جيتسكو، حالة الحكم الذاتي، وأيضًا منح الهنغاريين المحليين في منطقة فينوغرادوفسكي السابقة في منطقة ترانسكارباثيان الحكم الذاتي المحلي وإعادة تعليمهم الوطني السابق لهم، ولكن كل هذا خارج عن اختصاص الجانب الروسي، الذي يعلن رسميًا أن الهدف من الأعمال العدائية الجارية في أوكرانيا ليس احتلال أوكرانيا، ولا تدمير دولتها، ولا الإطاحة بحكومتها الحالية.

ونذكر انه في 5 مارس، أعلن جهاز الأمن الأوكراني (SBU) قمع محاولة لخلق "تشكيل دولة غير دستوري" في غرب البلاد - جمهورية أوكرانيا الاتحادية - من خمس مناطق غربية، ولكن من الصعب الحكم على مدى واقعية هذه المحاولة، لكن من الواضح أن وحدة الاستخبارات الأمنية قد تصرفت ضمن الاختصاصات المعترف بها من قبل وزارة الخارجية الروسية.

 د. كريم المظفر 

في المثقف اليوم