آراء

قاسم حسين صالح: العراقيون بالحروز والحرمل يسيطرون على التشاؤم!

قاسم حسين صالحتحليل سيكولوجي
نعني بالتشاؤم هنا توقع الشر أو الخطر أو النحس او المرض أو الحسد، وكل ما يثير التطير لدى الإنسان من أحداث سيئة قد يخبؤها المستقبل، وعليه فأنه يحتاط لها بوسائل تؤدي إلى خفض القلق لديه، وتبعث في داخله حالة الشعور بالسيطرة على مصيره.
ولقد تابعت هذه الظاهرة عند العراقيين من سنين، فوجدت أن اكثر وسائل السيطرة على التشاؤم عندهم، تتنوع كالآتي:
1- الحروز
يتضمن الحرز أشكالا وطلاسم وحروفا متناثرة وآيات قرآنية، ويكتب بماء الزعفران ذي اللون الذهبي، ويكون عرض ورقة الحرز بحدود 5سم وطولها يتراوح بين طول ورقة واحدة الى أكثر من متر، ويلف بشكل محكم بقطعة قماش ناعم يفضل أن يكون من الحرير الأحمر، ويحمل في الزند أو في قلادة أو يوضع في الجيب أو داخل وسادة النوم أو في الشيء المراد حمايته، ويقوم بكتابة الحروز الرجال عادة: (سيد، أو شيخ، أو ملاّ...).
ومع أن الوظيفة الأساسية للحرز هي منح صاحبه الشعور بالأمان للوقاية من العين والمرض والخطر (والحرز لغة يعني التعويذة والمكان الحصين)، إلا أنه يستعمل أيضا " للجاهل " الذي يفز من نومه، وللمحبة مثل فتاة تريد أن يحبها شاب معجبة به، أو العكس، أو الزوجة التي تشك في أمر زوجها، كما يستعمل " الحرز " لجلب الرزق أحيانا".
ومن طريف ما حصل لي في الثمانينيات أنني اشتريت سيارة تويوتا جديدة من الشركة! موديل 1981، وذهبت بها لزيارة صديق لي لديه اهتمام بكتابة الحروز لا سيما للبنات اللواتي يردن الزواج، أو الزوجات اللواتي بدأ ازواجهن يضوجون منهن. وعندما ركبت سيارتي مودعا"، فتح صاحبي " الجقمقجة ــ الحافظة " داخل السيارة ووضع شيئا" صغيرا" بكبر الشخاطة ملفوفا" بقطعة حمراء، فسألته: ما هذا ؟. اجابني: حرز.. يحمي سيارتك ويهنيك الله بيها.
والأطرف من ذلك، انني احتفظت بالحرز في داخل سيارتي!
والمدهش في صاحبي هذا أنه كان يفك عقدة الرجل المصاب بالعنّة النفسية التي تحصل للعريس في ليلة عرسه. وأذكر أنه جاءه مرة موظف بدرجة مدير قاصدا اياه من بغداد، وهو في قرية قريبة من مدينة الشطرة، مصاب بهذه العقدة التي فشل في علاجه منها أطباء بغداد، على ما ذكر، فقام صاحبي بكتابة حرز ليضعه تحت الوسادة وآيات قرآنية كتبها بماء الزعفران ومرد اوراقها بالماء وامره ان يغتسل به هو وزوجته التي كانت معه، وبعد أن خرجا من الحمّام أجلسهما معا ووضع يده اليمنى على رأس الزوج واليسرى على رأس الزوجة وأخذ يقرأ عليهما آيات قرآنية ثم أدخلهما الى غرفة خاصة ليناما فيها..وفي الصباح كانت الهلهوله!!
كان ذلك في الثمانينات (وأدعو لصاحبي الطيب بطول العمر ان كان حيا) ولم أكن حينها أعرف تفسيرا علميا لها ثم فهمت أن أسباب العقدة هذه تكون نفسية خالصة وليس بمقدور اختصاصي بالطب العام أن يعالجها وأحيانا يفشل في علاجها حتى الطبيب النفسي، لأنها تقوم على مسألتين نفسيتين الأولى: الايحاء، والثانية ايمان المصاب بها بقدرة المقابل على حلّها، وكلتاهما قد حصل، فصاحبي كان يجيد بالفطرة فن الايحاء (بالمناسبة، ما كان يشترط مالا بل يتركه لكرم الشخص)، وأن شهرته التي وصلت من الشطرة الى بغداد تولّد الشعور بالايمان لدى المصاب بالعقدة بأن حلّها سيكون على يدي هذا الرجل الذي من أجله قطع المسافات.
2. التبخير بالحرمل
وذلك بحرق بذور الحرمل في البيت وقت المغرب عادة، وتستخدم لتوقي الإصابة بالحسد وابعاد الشر. أما لماذا وقت المغرب، فأظن إنها تتعلق بالاعتقاد بأن الجن يأوي إلى البيوت مع غياب الشمس، وهذا يعني أن التبخير بالحرمل يستعمل لطرد الأرواح الشريرة. وتعمد بعض الأمهات في حالة مرض ابنها فجأة إلى أن " اطكله حرمل " اعتقادا" منها بأن الروح الشريرة " الجني أوالعفريت " سيهرب منه إذا اشتم رائحة الحرمل، أو أن المحسود سيذهب عنه شرّ حاسده.
3. لبس المحابس (الخواتم)
يضع بعض العراقيين في أصابع أيديهم (بينهم متعلمون) محابس بلون شذري أو بخرزة زرقاء أو بفص من العقيق إما للتبرك أو لتوقي الإصابة بالعين أو لجلب الرزق. فاللون الأزرق أو الشذري وظيفته ابطال الحسد، والعقيق بلون القريب من الجوزي وظيفته التبرك، وألون خواتم أخرى يقرأ عليها (السيد) آيات قرآنية وظيفتها المحبة وجلب الرزق.وقسم يضع المحبس تحت وسادته مع قطعة نقود معدنية وقطعة خبز صغيرة وينام، فاذا استيقظ في الصباح يكون قد رأى حلما في المنام بخصوص القضية التي نوى (الاستخارة) بخصوصها.وتستخدم هذه الطريقة عندما يكون الشخص حائرا بين أمرين.
ولقد لاحظت مؤخرا عددا من السياسيين العراقيين يلبسون الخواتم التي يغلب على فصوصها اللون الأزرق أو الشذري، ولا أعلم ما اذا كان الغرض منها دفع الحسد لوصولهم الى مراكز قيادية في الدولة ما كانوا يحلمون بها، أم للحماية من الأخطار مع أن كل واحد منه لديه فصيل من الحماية المدججين بالسلاح وبأحدث الأجهزة الالكترونية.
4. الآيات القرآنية
يكثر العراقيون من وضع الآيات القرآنية في بيوتهم، لاسيما المعوذتين وآية الكرسي، ويفضلون أن تكون مكتوبة باللون الشذري، وغالبا" ما يعلقونها في غرف الاستقبال، أو في مدخل البيت. ويبدو أن الغرض السيكولوجي منها هو الوقاية من حسد الزائرين، ودفع الشر عن أهل البيت، وليس للتبرك كما يقول البعض، إذ لو كان الأمر كذلك لوضعوا آيات أخرى من القرآن، لكن هذه الايات بالذات تستعيذ بالله من الحسد ومن كل مخلوق مجبول على إيذاء الآخرين أو تمني السوء لهم.
5. نعيق الغراب وصوت الططوه
يتطير العراقيون من نعيق الغراب لا سيما إذا كان اسودا" ويرمونه بالحجر إذا نعق قريبا" من الدار لاعتقادهم بأنه نذير شؤم. ويتطيرون أيضا" من صوت طائر صغير يسمونه " ططوه" له صوت مزعج كما لو كان صراخ امرأة مفجوعة يحملهم على الاعتقاد بأن هذا الطائر يحمل لهم خبرا" بأن أحد أفراد البيت سيموت أو انه معرض للخطر، ولهذا تردد العراقيات الشعبيات حين يسمعن صوتها عبارة (سجينه وملح) لتخويف الطير بالهرب والنجاة بريشه.
في الحلقة الثانية..ستكون (النذور وخبز العباس..)

أ. د. قاسم حسين صالح
مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

 

في المثقف اليوم