آراء

كريم المظفر: هل يأخذ زيلينسكي بنصيحة لوكاشينكو

تواصل موسكو وكييف مفاوضاتهما للتوصل الى اتفاق دائم لوقف اطلاق النار، ورغم بطأ المفاوضات الى ان الطرفين اكدوا ان هناك تفاهات قد حصلت في بعض النقاط، الا ان هناك نقاط لازال يرفضها المفاوضون الأوكران، في وقت تتمسك موسكو بهذه المطالب وتعتبرها المفتاح الرئيس للتوصل الى اتفاقات شاملة .

ومع انتهاء الجولة الرابعة للمفاوضات الروسية – الأوكرانية، والتي استمرت ثلاثة أيام عبر تقنية الفيديو، تبقي روسيا على أولوياتها، والتي تتمثل، في نزع السلاح من أوكرانيا، ووضعها المحايد وغياب التهديدات لروسيا ، في حين تركز أهداف أوكرانيا على وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الروسية والمزيد من الضمانات لأمنها، ولكن تبقى أكثر القضايا إشكالية هو ذلك المتعلق بوضعية شبه جزيرة القرم، والتي ( تشدد موسكو على ضرورة اعتراف كييف وبشكل نهائي بعائدتيها الى روسيا، وتعتبره امرا لا مجال للتفاوض حوله ) وكذلك الاعتراف باستقلال جمهوريات الدونباس المعترف بها جزئيًا ، وفي الجهة المقابلة تستمر العمليات العسكرية الروسية الخاصة، وفي آخر التطورات، ووفقا لتصريحات وزارة الدفاع الأوكرانية، بأن روسيا قطعت الطريق امام القوات الأوكرانية الوصول الى بحر آزوف، بعد إحكام سيطرتها بالكامل على ميناء ميروبول الاستراتيجي ، ويعني ذلك ان موسكو حصلت على دفعة جديدة قوية في مفاوضاتها مع كييف.

أطراف المفاوضات لا تخبأ صعوبة سير العملية التفاوضية، وشدد رئيس الوفد الروسي، والمستشار الرئاسي فلاديمير ميدينسكي، على ان المفاوضات تسير بشكل صعب وبطيء وبالطبع "نود أن يحدث ذلك بشكل أسرع بكثير، " ويبدو له أن المهمة الرئيسية لمجموعة التفاوض هي إيجاد من بين العدد الهائل من القضايا المعقدة تلك التي يمكن التوصل إلى اتفاق بشأنها ، ووفقًا ميدينسكي، فإن لروسيا الأهداف التالية في هذه المفاوضات: "تحقيق السلام على أرض أوكرانيا، دولة مسالمة ومحايدة وودية تجاه روسيا ، وهي ليست موطئ قدم للناتو، وهي ليست موقعًا لتلك القوات التي تريد لإلحاق الأذى " ببلدنا "، في حين وصف عضو الوفد الأوكراني، مستشار رئيس مكتب الرئاسة، ميخائيل بودوليك، على تويتر، الأمر بـ "الصعب للغاية "، ويرى أن هناك تناقضات جوهرية، ولكن هناك بالتأكيد هناك " مجال للتسوية ".

وإذا كان الوفد الأوكراني قد أبلغ في وقت سابق علنًا عن مسار المفاوضات، فقد بدأ الجانب الروسي الآن في تقديم مدخلات جديدة ، والكلمة الأساسية في تصريحاته هي الحياد ، وهو ذا الامر الذي أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ، من إن الهدف من المحادثات هو الوضع العسكري المحايد لأوكرانيا في سياق الضمانات الأمنية لجميع المشاركين في هذه العملية، ونزع السلاح من البلاد، "حتى لا تأتي أي تهديدات للاتحاد الروسي من أراضيه" "وضع حد لسياسة التشهير"، مما يعني إلغاء جميع القيود التمييزية المفروضة على اللغة الروسية والتعليم والثقافة ووسائل الإعلام .

وقد يكون خيار نزع السلاح من أوكرانيا على غرار النمسا أو السويد، والذي يتم النظر فيه الآن في المحادثات، بمثابة حل وسط معين ، وفضل السكرتير الصحفي لرئيس الاتحاد الروسي دميتري بيسكوف، عدم الخوض في التفاصيل، ووفقا له، في ظل ظروف المفاوضات الجارية، من المستحيل تقديم مزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع ن في غضون ذلك أكد رئيس الوفد الروسي المفاوض إن أوكرانيا تقترح عدة خيارات لدولة محايدة منزوعة السلاح، بما في ذلك خيار على غرار النمسا أو السويد بجيشها الخاص، و أشار إلى أن المفاوضات تمضي بجد وببطء، لكن الاتحاد الروسي يسعى بصدق للتوصل إلى سلام معهم. 

رئيس الوفد الاوكراني في المفاوضات يشدد على ان بلاده تريد ان يكون نموذج الحياد "يمكن أن يكون أوكرانيًا "فقط مع ضمانات أمنية مؤكدة قانونًا ، وفي الوقت نفسه، لم يدحض ميخائيل بودوليك المعلومات التي تفيد بمناقشة بعض خيارات الحياد، ووفقا للخبراء، فإنه عندما يتعلق الأمر بالوضع المحايد، تنطبق المعايير الفردية على كل دولة على حدة، ويوضح ألكسندر نوسوفيتش، رئيس تحرير البوابة التحليلية RuBaltic.ru، انه مع الافتراض أن حيادية النمسا وفنلندا قد حددتها نتائج الحرب العالمية الثانية ، وحيادية سويسرا تقليد منذ قرون، بسبب الموقع الجغرافي للبلد وتنوع سكانها وثقافتها ، اما حيادية السويد هي اختيار واعي للبلد، تم إجراؤه بعد محاولات لبناء إمبراطورية على بحر البلطيق، والتي انتهت باستنفاد كامل للموارد.

الحياد هو ليس مجرد كلمة واحدة، إنه جزء من تاريخ البلاد ، كما قال فلاديمير شفايتسر، رئيس قسم البحث الاجتماعي والسياسي في معهد أوروبا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، ففي النمسا، وفي منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، تم اقتراح نسخة سويسرية فعلية ، وذكَّر الخبير بأنه يشمل عدم الانضمام إلى الكتل العسكرية، وعدم استضافة القوات المسلحة الأجنبية، وعدم المشاركة في النزاعات ، واعترفت النمسا طواعية بهذا الحياد، على الرغم من وجود اتصالات كثيرة في هذا الشأن مع الاتحاد السوفياتي ، في الوقت نفسه، لم ترفض الدولة المشاركة في كتل أخرى - على وجه الخصوص، في الاتحاد الأوروبي ، علاوة على ذلك، وعندما انضمت إلى هناك في عام 1995، أدخلت بندًا في دستورها، ينص على أن النمسا لا تتهرب من إجراءات الاتحاد الأوروبي (بما في ذلك العقوبات).

وسائل الاعلام الغربية التي تتابع المفاوضات الروسية- الأوكرانية بأهتمام كبير، وكشفت عن أحراز روسيا وأوكرانيا "تقدمًا كبيرًا"، وقد اشارت صحيفة فاينانشيال تايمز، نقلاً عن ثلاثة مصادر مشاركة في المفاوضات، أن الطرفين قد صاغا اتفاقًا من 15 نقطة، وبحسب المنشور، فإنهم يقترحون، على وجه الخصوص، انسحاب القوات الروسية من أراضي أوكرانيا المحتلة بعد بدء العملية العسكرية في 24 فبراير، و رفض كييف التطلع إلى حلف الناتو وعدم نشر قواعد عسكرية وأسلحة أجنبية ، في الوقت نفسه، يُسمح لأوكرانيا بالاحتفاظ بقوات مسلحة محدودة، وإن المشكلة الأكثر إشكالية هي قضية الأراضي - الاعتراف بشبه جزيرة القرم على أنها روسية والموافقة على استقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين المعترف بهما جزئيًا، ووصف فلاديمير ميدينسكي هذه الموضوعات بالمفتاح.

من الخطأ التصور غياب الحضور الغربي في المفاوضات بين موسكو وكييف، فعادة ما يطلب الوفد الاوكراني في المفاوضات فترة استراحة في قمة المناقشات، وذلك فسرها الكثيرون، على انها لحظات لتشاور رئيس الوفد ميخائيل بودوليك، مع المفاوضون الغربيون المتواجدون في مكان ما خارج منطقة التفاوض، لذلك، حمل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف واشنطن المسؤولية في التأثير على الحكومة الأوكرانية في المحادثات المتواصلة بين موسكو وكييف والتي تهدف لوقف العمليات القتال في أوكرانيا.

الكريملين من جانبه لم يدحض المعلومات المتعلقة بالاتفاق، قائلاً إنه من السابق لأوانه الآن الكشف عن الاتفاقات، في حين أعلنت القيادة الأوكرانية بدورها عن إعداد الوثائق التي ستشكل أساس القمة الروسية الأوكرانية، وبحسب ميخائيل بودوليك، فإن لقاء الرؤساء وتوقيع الوثائق "قد يتم قريباً"، وتعليقًا على مادة الفايننشال تايمز، أكد المندوب الأوكراني النقاط التالية: "وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الروسية وضمانات أمنية من عدد من الدول".

نداءات الاستغاثة التي يطلقها الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، للغرب، واقتراح إجراءات عسكرية ضد روسيا، والتي يرفضها الغرب والناتو، لأنها ستجعلها في مواجهة روسيا مباشرة، وبالتالي ذهاب الحرب الى " منزلق " لا تحمد عقباه، تجعل من الرئيس الاوكراني، في "مأزق " كبير، فهو قدر رسم لنفسه خطا، وضع في كل جانب منه احدى قدميه، فهو في الوقت الذي " يحث " ويضغط على العالم الغربي، بحركاته " التمثيلية " التي لم تعد تنطوي حتى على الغربيين انفسه، فانه يضع في الجانب الاخر من هذا الخط، قدمه الايسر، ينادي روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين لعقد لقاء مباشر لتسوية الازمة بينهما، لكنه في الوقت نفسه يستخدم عبارات قد لا تسعفه في الأيام القادمة، مثلا في نداءه الأخير خاطب زيلينسكي روسيا بالقول، " أن "الوقت حان" للبحث في "السلام والأمن" وإلا فإن العواقب بالنسبة إلى روسيا ، ستبقى آثارها لأجيال عدة"، ومثل هذه اللغة لم تعد " تعجب سيد الكريملين "، فالجلوس على طاولة المفاوضات مع الرئيس بوتين، هي للتوقيع على الاتفاقات النهائية، لا لضياع الوقت في نقاشات " فارغة "، حسب تعبير الكريملين ، فهل زيلينسكي مستعد لذلك ؟ ودعوة الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، لنظيره الاوكراني، للتوقيع على اتفاق سلام بأسرع وقت، وبعكسه سيضطر زيلينسكي للتوقيع على ورقة استسلام قريبا.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر 

في المثقف اليوم