آراء

الطيب بيتي: الصراع الجديد شرق / غرب

الفكرالاستراتيجي العالمي والطريق المسدود !فماذا بعد؟

بكل تأكيد لم نعرف منذ قرون فراغا إيديولوجيا كهذا، لقد تعودنا منذ القرون الوسطى على أنه منذ نهاية أية رؤية للعالم يتم تعويضها بأخرى، لكن مع إنهيار الشيوعية فإننا نقترب من درجة الصفر للإيديولوجيا من كتاب Le nouveau Moyen Age (عصر القرن الأوسط الجديد)- الصفحة 205- الصادرعام 1993 للمفكر الستراتيجي الفرنسي:

ألان مانك: المستشارالستراتيجي الأسبق لساركوزي.

مقدمة تمهيدية لا بد منها:

ما هذه المصطلحات؟: الحرب الروسية على أوكرانيا؟، نهاية الشيوعية والسفيتة،؟ تصاعد البوتينية القيصرية الأرثوذوكسية،؟تعملق التنين الصيني؟ نهاية الإستثنائية الأمريكية و تنامي ما بعد الأمركة؟العودة الأكيدة للشعبوية الترامبية: (البروتستانتية-التوراتية)؟. الأزمات الدولية؟ أزمة الحضارة؟،..أوليست أمثال هذه المفاهيم إلا العبارة الواحدة لأمرواحد ووحيد؟وهو صول الفكر الإنساني على جميع الأصعدة إلى الصفر؟وأن هناك اليوم صراعا شرسا حقيقيا بين الشرق والغرب؟ولا يعرف أحد إلى أين العالم ذاهب؟

ولذا، أفلايلزم بنا الأمر، والحالة هذه، ألاً نذهب بتفكيرنا إلى كل السبل وألا نتبع كل مذهب، وأن يقبل الجميع التحاور حول خلفيات هذا الصراع الجديد /شرق /غرب ! لأن الحروب والأزمات لاتسقط على حين غرة من السماء، بمعنى:

- عدم التعجيل بأقاويل التأويلات لفرضيات القراءات، والقراءات المضادة، والتنافس في التفسيرات العلموية scientiste، والتباري في عرض فرضيات السيناريوهات البوكاليبسية فيما هو كائن وآت.بنهج طرق القفزعلى أصول المعضلات، وتخفيضها بطرق الإختزالات والإنتقائيات الممنهجة..ثم خلط شتات كل هذه الأخلاط بعلوم الستراتيجيات في مجالات الجيو-سياسة !.لقول المفكر الستراتيجي الفرنسي Ramonet Ignacio إيناسو راموني في شهرجانفيي من عام 1992 في مقال نشره في Monde diplomatique، حين كتب: عالمنا المعاصرهوعالم اللاستقرار.واللايقين أصبح بُعداً جديداً لفهم رهانات الأوضاع السياسية الراهنة في العالم.ولذا فان اللايقين: هوذلك المبدأ المطلق الذي يحكم سيرالعالم–مستقبلا-منذ الآن فصاعدا .وذلك-إثرأول حرب حضارية تدميرية على الشرق عبربوابته ولؤلؤته العراق !

وللتفصيل، خذوا بنا بداية، إلى التذكيربأن التفكيرالفلسفي (وخاصة في فلسفة السياسة) في أي عصرمن العصورهوعلى الدوام أكثرتعقيدا مما يبدو للوهلة الأولي. !ومن هذه الزاوية، فإن عوالم ما قبل الحرب الروسية الأوكرانية لم تكن يقينا وردية وسعيدة، ولم تكن قط عوالم فلسفات المثاليات. وخاصة منذ القرن التاسع عش الذي بزكل القرون السالفة في الضخامة والتنوع والتعقيد في رؤاه الفلسفية (الذي كان عصرالإيديولوجيات والثورات والكولونياليات، وعصرالتمدد الغربي ليصل في عام 1880 إلى الإستحواذ على حوالي أكثر من 80% من اليابسة.وطغى عليه القرن العشرون بإنجاز فظاعات الحربين الكبريين والقنابل النويية لناغازاكي وهيروشيما، وإستنبات النازية والفاشية والكيان العبري، والحروب الأمريكية الإستباقاية اللانهائية منذ الخمسيانات، وما إلى ذلك من الفظاعات التي تميز بها القرن الفائت، مما حذا ب جورج أورويل -ذلكم المفكرذوالرؤية المستبصرة البعيدة المدي اللامحدودة- أن يسمي القرن السابق بعصرالسياسة.مما يجعل النظرة الجمالية المجردة الي هذه العالم العالمي المجنون: المنهاروالمشوش والمربك: الفاقد للمرجعيات الجديدة الدالة على المقاصد والمعنى و الغاية الذي لخصه لنا الفيلسوف وعالم الاجتماع إدغارموران، الذي يعتبرأن مأساتنا الكبرى هي أن البشرية تُجرف في سباق متسارع نحو الهاوية، دون أي طيارعلى متنها ! .

لنأكد منها، أن العالم الغربي- المرشد للعالم -منخرط منذ عقود في عملية تم تنظيمها وتوجيهها بشكل ممنهج بواسطة الميكيافيلية، من قبل الأوليغارشية المالية الأنجلوساكسونية لجرالبشرية إلى الجنون العولمي، بدون الإنتباه إلى لأضرارالبشرية الناتجة. !

ومن جهة ثانية، فإن فرانسيس فوكوياما: كتب كتابه نهاية التاريخ والإنسان الكوني الأخير في عام 1992، حيث طور فيه رؤية أستاذيه هيجل وكانط -المثاليين- وماركس (الهيغلي المادي)، بإقتناع هؤلاء الفلاسفة العمالقة الثلاثة بوجود تاريخ كوني موحد للإنسانية التي طورتها أطروحات فهم العالم الجديد، وروج لها رفاق فوكويوما الهيغليين الأمريكيين الآخرين أمثال روربرت كابلان، وهينتيغتون، من الذين روجوا لخطابات النهايات: نهاية الإيديولوجية، نهاية الإنسان الجديد ، نهاية الحداثة، نهاية التاريخ وصدام الحضارات والفوضى العالمية الجديدة.

 وفضلا عن هذا وذاك، وبإختصار كبير، فإن نظرية فوكوياما-ورفاقه وأساتذته-تمثل كلها مبدأ نهاية العالم القديم ، والتشكيك في حقيقة تطويرالأفكارالديمقراطية التي تؤدي إلى اللحظة التي لا يمكن فيها تحسين المفاهيم: الكانطية-الهيغلية الكلاسيكية-(وهومفهوم الثيموس thymos الذي يتناوله أفلاطون)، فظلت تلكم المفاهيم الطوبائية تطرح-عبثا-لحوالي قرنين مفهوم العالم المثالي من وجهة نظرالإقتناع البشري بها. (وعلى ذاك النهج والسبيل سارت عليه التنظيرات الأكاديمية حتى اليوم) !

 غير أنه بعد نهاية الحرب الباردة وتفكيك السفيتة ، طرح الغرب -عبرجماعة التينك -طانك الأمريكيين من الهيغليين الجدد- حيث تم وضع اللمسات الأخيرة- لنهاية الحضارة - عبرأطروحات: نهاية التاريخ، صدام الحضارة والفوضى العالمية الجديدة.فأصبح الأمريتعلق- بكل وضوح وبطريقة عملية بل ومأساوية- بالتفكير في ما بعد الإنسانية جمعاء.

ومنه، فلم يتمكن الفلاسفة الجدد ولا المنظرون للأطروحات الجديدة الستراتيجية من وضع رؤى جديدة واضحة المعالم للعالم الذي أتي على أنقاض العالم القديم لما بعد السفيتة !

وقبل وبعد: يظهرالوضع السياسي الحالي العام من خلال ما جرى منذ نهاية الحرب الباردة حتى اليوم أن هياكل السلطة من متخذي القرا من اللاعبين الكبار في عوالم الأنظمة المتحكمة في لعبة الأمم ، ليست مهيئة– لأسباب متعددة جد معقدة-معرفيا وسياسيا وإيديولوجيا وحتى عسكريا، على مواجهة مخاطرما بعد الأزمة الأوكرانية.بل وعاجزة في نفس الوقت عن إدارة الإرث الثقيل للأسراروالأكاذيب المنتجة للأزمات والحروب الدموية التي مارسها الغرب طيلة أكثرمن 70 عاما.والأدهى من ذلك، أنه تم بناء تلك الرؤى الستراتيجية السياسية الفاشلة على التضليل والخداع والأكاذيب؟مع تبرير غياب العدالة الدولية الحقيقية الفعالة في حق الشعوب المضطهدة والدول المدَمًرة، الداعية إلى التشكيك في مصداقية ما يسمى ب المجتمع الدولي الحضاري !حيث يبدو أن هذا العالم المتحضر اليوم، كما لوأن مبنىً تم بناؤه على على ركائزمتينة، يُتبين أنه يقف فقط على أعمدة متهالكة ومهترئة، تلتهمها الطفيليات والحشرات الآكلة للخشب أثناء الفيضانات المائية.

بمعنى، أنه لم يتم إعتماد منظرو الستراتيجيات العالمية على الحكمة النسبية؟أم أنه يجب اليوم الإطاحة بالأوليغارشية العولمية لما بعد الحرب الباردة؟، أم أن على العالم اليوم أن يتابع مسيرته نحوالنهاية -بمعناها التوراتي-، الذي سيجعل الناجين يندمون على عدم موتهم مع الميتين؟-على حد تعبير ألبيركامو-

للموضوع صلة.

***

د. الطيب بيتي

في المثقف اليوم