آراء

كريم المظفر: الهجوم الروسي المقابل

في خطوة وصفت انها بداية الهجوم الروسي المقابل ضد الدول الغير صديقة (تضم معظم الدول الاوربية وامريكا وبريطانيا واليابان )، قررت موسكو وبناءا على تعليمات أصدرها الرئيس فلاديمير بوتين للبنك المركزي ومجلس الوزراء تحويل مدفوعات إمدادات الغاز نحو أوروبا إلى عملة الروبل في أسرع وقت ممكن، وتحديد إجراءات المعاملات مع أوروبا بالروبل الروسي في غضون أسبوع، لأن هذا الغرب الجماعي في الواقع برأي الرئيس بوتين " دمر الموثوقية في عملاته... لقد أعلنت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن عجز حقيقي في التزاماتهما تجاه روسيا"،

وشددت روسيا في قرارها على أنه لا معنى لتوريد السلع الروسية للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتلقي المدفوعات باليورو والدولار، وأكدت أنها اتخذت قرارها بالامتناع عن استخدام "عملات الدول غير الصديقة" في نقل الغاز، في غضون ذلك أكد الرئيس الروسي أن بلاده ستواصل توفير إمدادات الغاز بحسب العقود المبرمة، على الرغم من اتخاذ عدد من الدول "قرارات غير قانونية" بتجميد أصول روسيا.

كما أصدر الرئيس الروسي تعليماته للحكومة لإصدار تعليمات لشركة غازبروم بنقل الشركات من الدول غير الصديقة لدفع ثمن الغاز بالروبل الروسي، وقال الرئيس بوتين إن جميع الشروط الأخرى للعقود - صيغ الأسعار وأحجام العرض - لا تزال كما هي، مضيفا في الوقت نفسه أن عملاء غازبروم سيكونون قادرين على شراء روبل من السوق المحلية لروسيا وفق آلية يتعين على الحكومة والبنك المركزي تطويرها في غضون أسبوع.

ويأتي قرار الرئيس الروسي عشية قمة قادة الناتو في أوروبا، التي " يزحف " الرئيس الأمريكي جو بايدن لحضورها، وبحسب وسائل الإعلام الأمريكية، فقد يقترح على دول الاتحاد الأوروبي فرض حظر على موارد الطاقة من روسيا، لكنها تعارض ذلك، باستثناء دول مثل بولندا، ووفقًا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية، من بين الإمدادات الروسية التي تبلغ 150 مليار متر مكعب سنويًا، سيتمكن الاتحاد الأوروبي من استبدال ما لا يزيد عن الثلث هذا العام.

كما ويأتي هذا القرار، وموسكو بدأت البحث عن خيارات لإعادة توجيه إمدادات الطاقة من الغرب إلى الشرق إذا ما دعت الحاجة، وتعرب عن املها في أن تكون هناك مساحة كافية للمواد الخام الروسية في أسواق آسيا والمحيط الهادئ، وسط تحذيرات روسية من احتمال انهيار أسواق النفط والغاز العالمية في حال تم فرض عقوبات على صادرات الطاقة الروسية، حيث تدرس دول الاتحاد الأوروبي فرض حزمة خامسة من العقوبات ضد روسيا، والتي يمكن أن تتضمن فرض حظر على إمدادات النفط والغاز من روسيا، وقال نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، في كلمة أمام مجلس النواب الروسي، إن غياب موارد الطاقة الروسية من أسواق النفط والغاز العالمية سيؤدي إلى انهيارها، كما أن صعود أسعار الطاقة سيكون غير متوقعا.

وكما هو معروف تعد روسيا أكبر مورد لموارد الطاقة للأسواق العالمية، وتبلغ حصة صادرات الطاقة الروسية حوالي 20%، ولفت نوفاك إلى أن حجم الاستثمارات في مجمع الوقود والطاقة الروسي في العام 2021 بلغ 4.4 تريليون روبل (حوالي 44 مليار دولار)، وتعليقا على ارتفاع أسعار الوقود في الولايات المتحدة، أشار المسئول الروسي إلى أن الولايات المتحدة تحاول إلقاء اللوم بمشكلة ارتفاع أسعار الوقود لديها على روسيا، لكن لا علاقة لروسيا بهذه المسألة.

وفي الوقت الذي تنفي فيه موسكو الاتهامات الامريكية وتحاول إلقاء اللوم بمشكلة ارتفاع أسعار الوقود لديها على روسيا، والاشارة الى ان موسكو لم تستخدم أبدا موارد الطاقة كسلاح، كما أنه يجري حاليا تنفيذ إمدادات الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا وفقا للعقود المبرمة، فإن البيانات العالمية تشير الى أن مخزونات الديزل الأوروبية عند أدنى مستوى لها منذ عام 2008، وبالتالي فإن الغاز هو الاخر مهدد بالصعود إلى 4000 دولار (لكل ألف متر مكعب)، وقال نوفاك إن سعر الغاز الطبيعي في أوروبا عند مستوى 4000 دولار لكل ألف متر مكعب ليس هو الحد الأقصى لصعود سعر المادة، إذ أن حجم الغاز الطبيعي المخزن في مرافق التخزين الأرضية أقل بكثير من العام الماضي.

رئيس لجنة مجلس الاتحاد لحماية سيادة الدولة في روسيا أندريه كليموف، يرى أن قرار روسيا بيع الغاز المصدر للدول غير صديقة بالروبل الروسي سيعزز العملة الوطنية ويوسع استخدامها، وأعرب النائب الروسي عن تأييده لقرار الرئيس فلاديمير بوتين بسداد ثمن الغاز الروسي المصدر للدول غير الصديقة بالروبل الروسي، وأضاف، أنه إذا لم يرغب أحد ما بشراء الغاز بالروبل فلديه فرصة للحصول عليه من أماكن أخرى وبأسعار أخرى، وقال "بلادنا تظهر سلوكا نموذجيا كشريك تجاري واقتصادي".

وتصريح فلاديمير بوتين بأن الدول غير الصديقة لروسيا ستدفع ثمن الغاز بالروبل، أثر على الأسواق فور نشره، وعزز الروبل موقعه امام العملات الأجنبية الأخرى، وارتفعت تكلفة الغاز والنفط بشكل حاد، وفي اوقت الذي يناقش الغرب بنشاط خفض واردات الطاقة الروسية وحتى فرض حظر، لكن المراقبون يؤكدون ان مثل هذا الامر لن يحصل في السنوات المقبلة، ولن يكون الغرب قادرًا على رفض الإمدادات من روسيا.

وبحسب بورصة موسكو، فانه بعد أعلان الرئيس الروسي أن الدول غير الصديقة ستتحول إلى مدفوعات الروبل مقابل الغاز، ارتفعت العملة الروسية بنسبة 4٪. بحلول الساعة 17:00 بتوقيت موسكو، وتم تداول الروبل مقابل الدولار بمعدل 99 إلى 1، في غضون ذلك، حدثت تغييرات أكثر جدية في بورصة لندن ICE، و ارتفعت أسعار إمدادات الغاز من أكبر مركز في أوروبا TTF في أبريل بنسبة 20٪ دفعة واحدة - إلى حوالي 1350 دولارًا لكل ألف متر مكعب، كما ارتفع سعر نفط بحر الشمال برنت بنحو 5٪ - ما يصل إلى 120 دولارًا للبرميل، في حين تجاوز سعر الغاز الطبيعي في أوروبا، خلال تعاملات يوم الأربعاء، مستوى 1500 دولار لكل ألف متر مكعب، وذلك لأول مرة منذ أوائل مارس، ووفقا لوكالة وكالة "تاس" فإن "سعر العقود الآجلة لشهر أبريل ارتفع إلى 1504 دولارات لكل ألف متر مكعب اعتبارا من الساعة 17:44 بتوقيت موسكو".

ويتلقى الاتحاد الأوروبي ما قيمته 350 مليون دولار من الغاز من روسيا كل يوم، وسيؤدي تحويل المعاملات إلى الروبل إلى تعزيز العملة الروسية، بالإضافة إلى ذلك، قد يجبر الاتحاد الأوروبي على تطبيع العلاقات المالية مع روسيا، كما أشار إيغور يوشكوف، المحلل البارز في الصندوق الوطني لأمن الطاقة (NESF) والخبير في الجامعة المالية التابعة للحكومة الروسية، الى انه وفي ظل العقوبات الحالية، قد يكون من الصعب على الشركات الأوروبية شراء روبل بهذا الحجم من شخص ما في روسيا، ومن الناحية النظرية، ينبغي عليهم القيام بذلك في البنك المركزي، الذي قادوه هم أنفسهم تحت وطأة العقوبات، لذلك، قد تكون الفكرة الرئيسية أن يسحب الأوروبيون أنفسهم البنك المركزي من العقوبات، حتى تتاح لهم الفرصة لشراء الروبل بكميات كافية "، كما أشار الخبير إلى أن عملات الدفع في العقود الحالية هي الدولار واليورو، وليس من الواضح تمامًا كيف ستتمكن غازبروم من تغيير العقود.

صحيفة "فاينانشيال تايمز"، قالت في تقرير لها، أن روسيا تمثل حوالي 40% من واردات الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي، وحوالي ثلث واردات النفط الخام، وتعتمد المملكة المتحدة والولايات المتحدة على روسيا بدرجة أقل بكثير، وتبلغ حصة روسيا في الحجم الإجمالي للنفط الذي تستورده المملكة حوالي 8%،  لذلك حذر الكريملين من أن تداعيات فرض بروكسل حظرا على النفط الروسي ستكون على الدول الأوروبية أكبر من الولايات المتحدة، كون الأخيرة منتجة للنفط، وقال المتحدث باسم الكريملين ديميتري بيسكوف "من الواضح أن الأمريكيين سيبقون مع نفطهم، ووضعهم سيكون أفضل بكثير من الأوروبيين، الذين سيواجهون أوقاتا عصيبة، قرار مثل هذا (حظر على النفط الروسي) سيضرب الجميع".

ردود الفعل السياسية الغربية على ما يبدو بدأت " تتبلور " حتى عشية قمة الناتو، فمثلا أكد وزير الخارجية الهنغاري، بيتر زيجارتو، متحدثا في مقر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إن بودابست لن تدعم القيود والعقوبات المفروضة على إمدادات الطاقة من روسيا، لأن هذا من شأنه أن يشكل تهديدا لأمن الطاقة في هنغاريا، والتشديد على ان القيود المفروضة على إمدادات الطاقة من روسيا إلى أوروبا، أو العقوبات في هذا الصدد، سيكون لها تأثير ضار على حق الشعب في تأمين إمدادات الطاقة، لذلك لن " ندعم مثل هذه القرارات " مشيرة إلى أن الغاز والنفط من روسيا يلعبان دورا كبيرا في إمدادات الطاقة لـ "هنغاريا وأوروبا الوسطى والقارة بأكملها".

أما المانيا التي تستورد ما يقارب ( 60) بالمئة من الغاز من روسيا، فكان لها هي الأخرى موقف بهذا الشأن، حيث رفض المستشار الألماني أولاف شولتس، مرة أخرى الدعوات إلى مقاطعة إمدادات الطاقة الروسية في أعقاب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وأعتبر شولتس، العقوبات التي فرضت بالفعل على روسيا تضر حقا باقتصادها وسيصبح الأمر أكثر دراماتيكية بمرور الأيام، وذكّر شولتس، أن دولا أخرى في أوروبا تعتمد على النفط والفحم والغاز من روسيا أكثر من ألمانيا، مبينا أن "ألمانيا تعمل على تنويع إمداداتها من الطاقة، وعلى الرغم من أن هذا سيستغرق وقتا، فسيكون له في النهاية نفس تأثير المقاطعة"، ومحذر في الوقت نفسه من أنه "إذا لم نحصل على مزيد من الغاز للشتاء المقبل وإذا قطعت الإمدادات من روسيا، فلن يكون لدينا ما يكفي من الغاز لتدفئة جميع المنازل وتشغيل جميع الصناعات".

وفي فرنسا، حرصت باريس ان تقول رأيها بكلمات قالها رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية ريتشارد فيران لم تعجب الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، الذي ألقى فيما بعد كلمة أمام البرلمان الفرنسي عبر الفيديو الأربعاء، ورأى فيران، خلال مقابلة مع قناة "فرانس إنتر"، أن فرض حظر على الغاز والنفط الروسي، "غير ممكن"، وفي نظر الرجل الذي يرأس أيضا لجنة حملة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، "تستخدم العقوبات للتأثير على القوة السياسية الروسية، وليس لمعاقبة الفرنسيات أو الفرنسيين أو الأوروبيين الآخرين"، في حين أن موضوع القوة الشرائية، لا سيما الطاقة، هي واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في الحملة الرئاسية، وقال "في كل مرة يمكننا فيها تقوية مركزنا للتأثير على القوة الروسية، علينا أن نفعل ذلك، لكن الأمر لا يتعلق بتجفيف أوروبا وفرنسا والصناعة فجأة، وكل ما يجعلنا نعيش"،

ويشدد المراقبون على إن قرار فلاديمير بوتين أيضًا راجعا إلى حقيقة أن الغرب يواصل فرض عقوبات جديدة على روسيا، ولا يوقف توريد الأسلحة إلى أوكرانيا، وفي الواقع، يحاول تأخير العملية الخاصة لروسيا في أوكرانيا.

***

بقلم: الدكتور كريم المظفر

في المثقف اليوم