آراء

"قمة النقب" 2022 .. دلالات ومآلات

قبل ثلاثة أعوام، سعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وضع أسس لتشكيل "تحالف الاستراتيجي في الشرق الأوسط" (الناتو العربي)، على غرار حلف شمال الأطلسي بهدف "التصدي" لسياسات طهران.

وفي مشهد لم يكن من الممكن تخيله خلال العقود الأولى من وجود إسرائيل، وصل خمسة وزراء خارجية، منهم أربعة من الدول العربية (مصر والمغرب والبحرين والإمارات العربية المتحدة)، والخامس من الولايات المتحدة، إلى إسرائيل الأسبوع الماضي لحضور قمة تاريخية استمرت ليومين.

وقد عقدت القمة في ذكرى مرور 43 على السلام بين مصر وإسرائيل، في رسالة ذات مغزى ، حيث تريد واشنطن أن تبعث برسالة بأنها من قامت برعاية السلام، وستستمر في دعمه، رغم عدم تقديمها لجديد بشأن القضية الفلسطينية، أو طرح رؤية ومقاربة لحل الصراع العربي الإسرائيلي.

وقد شكل التجمع الذي استضافه قبل وزير الخارجية يائير لابيد في سديه بوكير، منزل وضريح رئيس الوزراء الإسرائيلي المؤسس لإسرائيل دافيد بن غوريون في النقب، في موقع ذي صدى كبير تأكيدا رمزيا إضافيا لشرعية إسرائيل وأهميتها الإقليمية من قبل الشركاء في “اتفاقيات إبراهيم”.

وفيما يتعلق باتفاقيات إبراهيم نفسها، ستكون المملكة العربية السعودية ذات الوزن السياسي الثقيل في المنطقة غائبة عن قمة النقب لكن ستحضر بروحها وقوتها من وراء الكواليس. تعمل القدس والرياض، على الرغم من أنهما ليسا حليفين من الناحية الرسمية، معا لتعزيز الوحدة الإقليمية ضد طهران – ليس خطابيا ولكن عمليا، من خلال مشاركة معلومات استخباراتية، وتطوير أنظمة اقتراب صواريخ وأنظمة دفاع، وأكثر من ذلك.

ولهذا فقد حضر القمة التي استضافها وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد، الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، البحريني عبد اللطيف بن راشد الزياني، والمغربي ناصر بوريطة، والمصري سامح شكري، ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن.

كما حملت المشاركة الأمريكية في قمة النقيب، رسائل ودلالات عديدة منها أن "الولايات المتحدة تبعث برسالة بأنها تسعى لبناء تحالفات أمريكية عربية متماسكة في المنطقة، وسط مخاوفها من تمدد عربي نحو المعسكر الروسي الأخر، لاسيما بعد الاتصالات التي أجراها قادة عرب مع موسكو مؤخرا".

وحول أهداف "قمة النقب" بمشاركة وزراء خارجية 6 دول، فقد حملت القمة التأكيد على ضرورة التعاون بين الدول الـست لتحقيق الاستقرار في المنطقة، ودعم التعاون الاقتصادي من أجل تجاوز تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، إضافة إلى الآثار المترتبة على وباء كورونا، كما أن الولايات المتحدة تسعى لتهدئة الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وعدم حدوث أي اضطرابات مفاجئة في المنطقة

واختتمت القمة التي وصفت بالتاريخية في منتجع سديه بوكر الصحراوي على نبذ الإرهاب وإحياء عملية السلام المتوقفة منذ فترة طويلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومواجهة التهديدات والمخاطر التي تتعرض لها المنطقة ، وأبرزها التهديد الإيراني وأذرعها في المنطقة، والإرهاب".

علاوة علي قمة النقب تعد حدث غير مسبوق"، حيث أن تدشن القمة يعد مقاربة عربية إسرائيلية تسعى لتجاوز خلافات الماضي إلى مرحلة جديدة من عمر النظام الإقليمي الحالي، ورغم تشكيل جبهة عربية إسرائيلية لمواجهة التهديدات، لكن من المبكر الحديث عن طرح جديد لـ"ناتو عربي"، حتى مع تحول القمة إلى انعقاد شبه دوري بشكل سنوي.

فقبل ثلاثة أعوام، سعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وضع أسس لتشكيل "تحالف الاستراتيجي في الشرق الأوسط" (الناتو العربي)، على غرار حلف شمال الأطلسي بهدف "التصدي" لسياسات طهران، وقام وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في مطلع 2019 بجولة في عدد من الدول العربية سعيا منه إلى التقريب بين الأعضاء المحتملين في هذا التحالف، والذي فشلت واشنطن لاحقا في تحقيقه.

علاوة علي أن قمة النقب أعطت لإسرائيل حضورا إقليميا؛ لكن يبقى الأمر مرتبطا بالتنسيق العربي – العربي بشأن القضية الفلسطينية، في ظل عزوف تل أبيب عن الدخول حتى الآن في عملية السلام أو تسوية، وإعطاء أولوية لإيران.

كما حملت المشاركة الأمريكية في قمة النقيب، رسائل ودلالات عديدة منها أن "الولايات المتحدة تبعث برسالة بأنها تسعى لبناء تحالفات أمريكية عربية متماسكة في المنطقة، وسط مخاوفها من تمدد عربي نحو المعسكر الروسي الأخر، لاسيما بعد الاتصالات التي أجراها قادة عرب مع موسكو مؤخرا".

ولهذا معي لتلك الأقوال حيث قال وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد، إن "اجتماعات النقب اليوم تعدّ لحظة تاريخية"، مضيفا: "نسعى لخلق مستقبل مختلف، والبناء على أمل أفضل بالنسبة لأولادنا وأبنائهم".

وأوضح الشيخ عبد الله أن "إسرائيل جزء من هذه المنطقة منذ وقت طويل وحان الوقت لنعرف بعضنا"، مشيرا إلى أن "300 ألف إسرائيلي زاروا حدث إكسبو 2020 في دبي، مما يؤكد أهمية تعزيز العلاقات"...ودعا إلى ضرورة "تحدي خطاب الكراهية في المنطقة"، مؤكدا على أنه "من الواضح أن هناك إمكانيات كبيرة تنتج عن الاتفاقات مع إسرائيل".

وبدوره اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، أن تعزيز العلاقات بين إسرائيل والشركاء العرب سيردع إيران... وقال لابيد: "ما نقوم به هنا هو صنع التاريخ وبناء هيكل إقليمي جديد قائم على التقدم والتكنولوجيا والتسامح الديني والأمن والتعاون الاستخباراتي. هذه التركيبة الجديدة والقدرات المشتركة التي نبنيها، ترهب وتردع أعداءنا المشتركين وفي مقدمتهم إيران ووكلاؤها"، حسبما نقلت "رويترز"...واختتم المسؤول الإسرائيلي حديثه قائلا: "ندعو الفلسطينيين لاعتماد مسار مستقبل مشترك للازدهار والنجاح".

من جانبه، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إن "اتفاقات السلام بين إسرائيل ودول المنطقة لا تلغي ضرورة التوصل لاتفاق مع الفلسطينيين"... وأشار بلينكن إلى أن "اتفاقات في مجالات الطيران والتكنولوجيا والطاقة باتت تجمع إسرائيل بالبحرين والمغرب"..كذلك أعلن المسؤول الأميركي عن إطلاق "عمل التعايش الديني لتعزيز التسامح ونريد توسيع دائرة الأصدقاء".

أما وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني، فاعتبر أن اجتماع النقب "يشكل فرصة لازدهار المنطقة وتحقيق طموحات شعبها"، مشددا على أن البحرين "تستمر في الدعوة للتفاوض على حل يضمن حماية مصالح إسرائيل والفلسطينيين معا"... ولفت الزياني إلى أن "الهجمات الحوثية على منشآت مدنية ومنشآت للطاقة، تؤكد ضرورة تعزيز قيم التسامح والتعايش".

ووصف وزير الخارجية المصري سامح شكري المسار الذي وضعته مع إسرائيل منذ 43 عاما بأنه "كان مثمرا ويبيّن أهمية الاستقرار في المنطقة. نسعى لتعزيز مجالات التعاون بما يعود للنفع على المنطقة"... وشدد شكري على "أهمية حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين على أساس حدود 1967".

والسؤال الآن: لماذا غاب الأردن عن "قمة النقب" في إسرائيل؟

اعتقد أن الغياب المتعمد للأردن هو رسالة للأطراف العربية حول مدى الترابط الجيوسياسي والديموغرافي الأردني مع الضفة الغربية، وأن أي محاولات لتحييد الأردن جانباً عن أي تفاهمات تخص الوضع القائم في القدس والأراضي الفلسطينية لن تكون مقبولة.

ومن جهة أخرى يعتقد مراقبون أن غياب الأردن عن قمة النقب وحضوره في رام الله، يعزز حضوره لاعباً أساسياً، حينما يتعلق الأمر بتحريك عملية التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وضمان عدم تأزيم الأمور بينهما.

ولهذا تسعى عمّان لتأكيد إعادة إنتاج الدور الأردني، وضمان عدم التوصل إلى أي اتفاق مستقبلي على حساب الأردن وضمن الشروط الإسرائيلية. مع تأكيد رفضها حلف "أبراهام" وما ينتج عنه من اتفاقات.

ولهذا السبب حضر الأردن بشكل لافت في الأراضي الفلسطينية في الوقت نفسه، عبر زيارة استثنائية قام بها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى رام الله، وهي الأولى له منذ عام 2017، والتقى خلالها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، معلناً تفكيك العزلة السياسية التي دشنت إقليمياً منذ سنوات حول السلطة الفلسطينية.

***

أ. د. محمود محمد علي

أستاذ الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

..........................

المراجع:

1- طارق ديلواني: لماذا غاب الأردن عن "قمة النقب" في إسرائيل؟، مقال منشور يوم الثلاثاء 29 مارس 2022 1:34

2- أحمد فتحي: قمة النقب السداسية.. دلالات ومآلات "حدث غير مسبوق"، العين الإخبارية - الثلاثاء 2022/3/29 06:45 ص بتوقيت أبوظبي.

3- تقرير: قمة النقب.. ماذا يعني وجود وزراء خارجية مصر والبحرين والإمارات في إسرائيل؟..الأحد 27/مارس/2022 - 10:19 م

4- دافيد هوروفيتس: قمة النقب تظهر شرعية إسرائيل والمصلحة المشتركة للتعامل مع إيران، 08:54 ,2022 مارس 27 

في المثقف اليوم