آراء

احذر المنافسة الاجتماعية!

محمود بكارالمنافسة بين الكائنات من إنس وحيوان، بل حتى الحشرات، شيء طبيعي في هذا الوجود، وهو يخضع لمنطق التدافع على نيل الحيز والمكانة أو المقام والرتبة بحسب غرض كل منافس وموقعه في هذا الوطن أو ذاك ، في هذه القرية أو هذه المدينة. كما أن المنافسة الاجتماعية قد تأتي في الدرجة الثالثة من التكوين الغرائزي للإنسان بعد غريزتي حب البقاء والنوع ،.وهذا يقتضي ضرورة تحليل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وكذا السياسية على ضوء المعطيات النفسية الداخلية للإنسان قبل النظر فيما يجري من غليان وفعل ورد فعل لا يمكن رصد مستوياته ولا خلفياته.

وفي ظل الوضع الاقتصادي الصعب تظل المنافسة الاجتماعية أحد انواع المنافسة بين البشر والتي قد تضره ماليا واجتماعيا دون ان يشعر. الكثير في هذة الايام لا يعرف قيمة النقود ولا يعرفون كيفية الحصول عليها وحتي أن تمكن من الحصول عليها لا يمكنهم المحافظة عليها. تلك الظاهرة تدفعنا للقول أن هناك عادات وسلوكيات تدفع بك إلي منحني إجتماعي منخفض وبدرجة كبيرة حدوث ذلك لا علاقة لها بحجم الاموال التي تكسبها ولكن علاقتة الاكبر في ماذا يفعل الشخص بهذة الاموال والدليل ان بعضنا يرث ملا يين ولا يستطيع الحفاظ عليها.

الكثير من الناس يقع في أخطاء شنيعة من خلال انفاق جزء كبير من الدخل علي إشباع رغباتها التي من الممكن الاستغناء عنها وبالتالي لا يتبقي من دخلة شئ سواء بغرض الادخار او الاستثمار وفي الغالب حدوث ذلك ليس له علاقة بمستوي الدخل سواء كان مرتفعا او منخفضا.

هذا يدفعنا الي تساؤل هام ما الذي يدفع البعض إلي إنفاق جزء من الدخل علي حاجات غير اساسية؟. الاجابة قطعا ستكون بسبب ما يسمي (بالاستهلاك التفاخري) فالبعض في كثير من الاحيان ينفق جزء كبير من أمواله علي شراء سلع مرتفعة الثمن وغير ضرورية لمجرد التباهي او التفاخر فقط.

في الوقت الحالي نعيش في ظل اقتصاد المحرك الاساسي له هو الاستهلاك وبالنظر الي المشاريع او الشركات الناجحة في العالم ستجد انها تجتمع علي هدف وهو حثك كمستهلك علي انفاق الجزء الأكبر من الدخل علي السلعة او الخدمة  التي يقدمها بصرف النظر عن الاهمية الفعلية لتلك الخدمة او السلعة بالنسبة لك كمستهلك . لذلك هناك فئة  ليست بالقليلة تحظي بوضع مالي سئ بسبب إنفاق أموالها علي سلع استهلاكية مدعين أن تلك السلعة او الخدمة ضرورية بالنسبة لهم. وبالتالي فهي حاجة أكثر من رغبة لدي ذلك المستهلك.

ما لا يدركة هذا النوع من المستهلكين ان هناك خيط رفيع بين مفهوم الحاجات والرغبات علي سبيل المثال وسائل المواصلات والانتقال من والى مكان العمل هي حاجة أساسية ولكن في نفس الوقت قد يكون بها جزء من الرغبة إذا قررت كمستهلك الانتفال من وإلى العمل باستخدام (اوبر مثلا) في نفس الوقت الذي تتوافر فيه مواصلات أرخص وتؤدي نفس الغرض تقريبا.وحقيقة الامر ان كلًا منا لدية القدرة علي أقناع نفسه والآخرون انه لا ينفق اموالة الا علي الاشياء الضرورية فقط .

في ورقة بحثية نشرت عام 2016 من خلال أحد اساتذة ادارة الاعمال في جامعة هارفارد أشارت ان اغلب المستهلكين عندما يبررون سبب شرائهم لمنتجات او خدمات غير ضرورية يقدمون ما يسمي (بالأعذار الوظيفية ) علي سبيل المثال  إذا سالت  احدهم لماذا تنتقل من إلي العمل باستخدام (اوبر) في حين  ان وضعك المالي لا يتحمل ذلك يبرر ذلك بأن المواصلات الخاصة بها درجةاعلي من الخصوصية هذا الإدعاء في أغلب الاحيان هو عذر وظيفي يختبأ خلفة حتي لا يشعر بالذنب أنه انفق امواله علي أشياء غير ضرورية.

المحرك الرئيسي للسلوك الاستهلاكي لاغلب الاشخاص في الوقت الحالي هو رغبتهم في الظهور  امام الاخرين في مكانه اجتماعية معينة وبالتالي حتي يتمكن الفرد من الظهور في هذة المكانة ويغطي الفجوة الموجودة بين دخلة وكثرة مصروفاتة بسبب سلوكة الاستهلاكي يقع في خطأ أكبر وهو استسهال الاقتراض حتي يتمكن من اقتناء سلعة لا تتناسب مع مستوي الدخل.

وعليك كمستهلك ان تسأل نفسك هل دخلك الحالي يكفي لتغطية مصروفاتك فاذا كان لا يكفي فالطبيعي ان تلجا الى حلين اما ان تبحث عن مخرج لزيادة الدخل أو تحاول تخفيض الانفاق. ولكن البعض يلجأ الي حل ثالث وهو الاقتراض او السلف  وإذا حدث ذلك إعلم انك وضعت عنقك في ساقية الديون التي قد تستمر في الدوران بها الي نهاية حياتك.

وبالتالي لا يمكن للمستهلك قياس قيمتك الذاتية أو مكانتك الاجتماعية او نجاحك بالمبالغة في استهلاك السلع الكمالية والا فالنتيجة الحتمية تكون تقصير في المهم شرائة وارتفاع في حجم ديونك  وبالتالي تدمير حياتك المالية.

وفي النهائية وفي ظل الارتفاع المخيف في مستوي الاسعار وزيادة مستوي التضخم   عليك كمستهلك الا تنجرف وراء عروض التقسيط لاشباع رغباتك ، حيث تزدهر اعمال شركات التقسيط في اوقات الازمات الاقتصادية فالاندفاع وراء عروض التقسيط يدفعك كمستهلك للوصول الي ما يسمي بالشراء الاندفاعي (القيام بعمليات شراء للسلع بدون التخطيط لها ودون الحاجة اليها) نتيجة تعرضك لمحفز خارجي دفعك لذلك دون تفكير وتذكر دائما أن القسط ما هو الا دين واجب السداد.فلا تندفع لمنافسة الاخرون اجتماعيًا الا اذا كنت تستطيع ذلك دون التأثير علي وضعك المالي.

***

د. محمود بكار عبد التواب

مدرس مساعد بقسم ادارة الاعمال – كلية التجارة – جامعة بني سويف

 

في المثقف اليوم