آراء

الصهيونية وراء التفرقة بين السنة والشيعة

قاسم خضير عباسإنَّ علياً بن أبي طالب عليه السلام بمبادئه القرآنية، وصفاته وخصاله الإيمانية، وعدله ومنهجه السياسي، يعد قدوة لنا في حياتنا المعاصرة سنة وشيعة. خصوصاً ونحن كرجال قانون ومثقفون ملتزمون ندعو للتعايش السلمي واحترام التراث والآداب العامة وتطبيق القانون وسيادته على الجميع، بدون تمييز بسبب العرق أو القومية أو الدين، في مرحلة ومنعطف تاريخي خطير يتميز بالأزمات الفكرية والتعصب ورفض الآخر بسبب الجهل والغلو ونشوء التيارات التكفيرية والإرهاب.

لقد كان علي عليه السلام نموذجاً رائعاً للتسامح، واحترام الرأي الآخر، وحل مشاكل الناس والتعايش السلمي بينهم جميعاً مسلمين وغير مسلمين. وقد اتفقت الروايات من الفريقين سنة وشيعة على فضائله عليه السلام، وعلو شأنه، وعظمة شخصيته التي تؤهله أن يكون في القمة. ولذا يمكن أن نتخذه مرتكزاً لوحدة المسلمين، لا مجالاً للفرقة والتناحر، ناهيك عن أنَّ الأمم المتحدة قد اتخذت هذا الرجل مصادقاً لها في التعايش السلمي وحقوق الإنسان واحترام الرأي الآخر عندما أصدرت تقريرها عام 2002.

ومن المعروف أنَّ أعداء الإسلام قد استغلوا الفرقة بين المسلمين لتمرير مؤامراتهم الدنيئة، ويُذكر أنَّ الصهاينة في فلسطين قد تبنوا مشروعاً لتفتيت العالم الإسلامي والعربي، من خلال بث الفرقة بين السنة والشيعة، وإغراء الأقليات على الانفصال. وزاد تخطيطهم خبثاً بعد الإعلان عن صفقة القرن، وتفتيت الدول العربية كسوريا والعراق وليبيا ومصر والسودان، بمساعدة بعض دول الخليج المطبعة مع العدو الصهيوني، التي شجعت وعاظ السلاطين على إصدار فتاوى التكفير للآخر ووصفه بأشنع الأوصاف.

والمخطط الصهيوني ليس جديداً بل تم دراسته والتهيؤ له منذ مدة طويلة، وقد نشرت مجلة (معاريف) اليهودية في 18 ديسمبر 1981 مقالاً لـ(آريل شارون) قال فيه: (إنَّ سياسة التفتيت يمكن لإسرائيل من الوصول بمجالها الحيوي إلى أطراف الاتحاد السوفيتي شمالاً، والصين شرقاً، وأفريقيا الوسطى جنوباً، والمغرب العربي غرباً، فهذا المجال عبارة عن مجموعات قومية وأثنية ومذهبية متناحرة).

وهنا لا بد من التوقف قليلاً والتأكيد على أنَّ التعددية في المجتمع الإسلامي شيء ايجابي، التعددية لا بد أن تكون في إطار جامع، ضمن منهج يستوعب الجميع، وإلا ستكون تشرذماً وتفتتاً يستغلها أعدائنا وهم يخططون لصفقة القرن وحماية الكيان الصهيوني. وهنا من الضروري لكي تتعمق المعرفة نقول إنَّ مسألة الخصوصية والتميّز والتعددية تكون في إطار الإسلام، لفرق ومذاهب يجمعها مبادئ القرآن العامة، هو تنوع ايجابي تظلله مرجعية التصور الإسلامي الجامع، وهو خصوصيات متعددة في إطار ثوابت الوحدة الإسلامية.

وجامع الإسلام هذا لا يقف عند دائرة الاعتقاد الديني وحدها، فيكون مانعاً لغير المسلمين من الوجود والتميّز في إطاره، وإنما هو شامل لدوائر الحضارة والثقافة ومنظومة القيم الإيمانية التي تجمع غير المسلمين في هذه الدوائر المتعددة والمترامية الأطراف، الأمر الذي يجعل هذه التعددية نمواً وتنمية للخصوصيات، مع احتفاظ كل فرقائها وأطراف الخصوصيات، وأفراد التنوع بالروح الإسلامية والمزاج الإسلامي العام.

ولذا فإنَّ الشهيد المفكر الإسلامي المبدع محمد باقر الصدر الذي نعيش ذكرى استشهاده هذه الأيام قد خاطب الجميع سنة وشيعة بقوله: (وإني منذ عرفت وجودي ومسؤوليتي في هذه الأمة بذلت هذا الوجود من أجل الشيعي والسني على السواء، ومن أجل العربي والكردي على السواء، حيث دافعت عن الرسالة التي توحدهم جميعاً، وعن العقيدة التي تضمهم جميعاً، ولم أعش بفكري وكياني إلا للإسلام: طريق الخلاص، وهدف الجميع).

الواقع أننا بحاجة إلى منهجية جديدة لقراءة التاريخ لا تهادن الحكام الظلمة والفاسدين، وبحاجة إلى فتح الحوار مع جميع المذاهب وفق أسس أدب الحوار، وبحاجة إلى أسلوب ناهض في العمل الإسلامي يجمع الجميع سنة وشيعة، في عملية التغيير المطلوبة لمواجهة مؤامرات النظام الدولي الجديد وصفقة القرن، والتحديات المصيرية وتبدل الموازين الدولية بعد اجتياح روسيا لأوكرانيا.  نحن بحاجة إلى جرأة فقهية من العلماء الشرفاء من الفريقين للوقوف بوجه الفتاوى التكفيرية، لأنها وسيلة المتخلفين والجهلة، فالمبادرة للتكفير (إنما تغلب على طباع من يغلب عليهم الجهل) كما قال العلامة أبو حامد الغزالي في كتابه فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة.

إنَّ الاجتهاد واختلافه من مذهب إلى آخر، لا يعد خروجاً عن الدين، ومبرراً لتكفير الآخر، لأنَّ الجميع يستند ويرجع إلى قواعد إسلامية عامة، لا تجيز الاجتهاد في القضايا المنصوص عليها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، لأنه لا يجوز الاجتهاد قبال النص. وعليه فإنَّ الترابط الحي بين العام والخاص؛ بين النص الشرعي العام والفتوى؛ بين المبادئ العامة والفكر الإسلامي الإنساني الخاص هو شيء طبيعي، طالما انطلق الجميع من الحرص على الإسلام والمسلمين، ومن فهم الدليل الشرعي.

وضمن هذا المجال تتلاقح الأفكار وتتحاور، دون تكفير للآخر، ومصادرة أفكاره، وممارسة عملية إقصاء، وتعصب غير مبرر يفتقد للحجج الشرعية... عندها سنكون بحق نفهم ما يخطط لنا في دوائر الاستخبارات العالمية والأميركية من مؤامرات ودسائس، ونفشل المخطط الصهيوني بتفتيت الدول العربية والإسلامية، ويكون لنا دور ناهض في العلاقات الدولية وتأثير في القانون الدولي العام والمنظمات الدولية.

***

الدكتور قاسم خضير عباس

كاتب سياسي وخبير القانون الجنائي الدولي والمحلي

في المثقف اليوم