آراء

المرحلة التاريخية العراقية الحالية من يكتب عنها؟

عبد الجبار العبيديحفل عصر الرسالة المحمدية بالكُتا ب والمؤرخين المخلصين الذين نقلوا لنا كل خبر بأمانة وصدق المؤمنين من أمثال أبان بن عثمان بن عثمان (ت 95) وهو محدث وكاتب ومؤرخ في المغازي نقل عنه كل صحيح.ويليه عروة بن الزبير (ت94) وهو فقيه ومحدث ومؤرخ ويعتبر من مؤسسي دراسة المغازي، يمتاز بأسلوبه البسيط البعيد عن الانشائية، نظرته واقعية وصريحة وخالية من المبالغات المعروفة عند بعض المؤرخين.ويليه الزهري (ت 124) ويعتبر من طراز المؤرخين الآول لكتاباته الموثقة في روايات المدينة وأحاديثها ويعتبر شاهدا حياً على ما كتب. ان ما كتبه الثلاثة تظهر أهمية التجارب التاريخية التي مرت بها الامة.

ويلي هؤلاء من عمالقة مدرسة المدينة التاريخية هو موسى بن عقبة (ت141)  وقد استفاد من كتابات استاذه الزهري بالاضافة الى الوثائق والروايات الشفهية، لكن ابن اسحاق (ت 151ه) مثلَ الخطوط الجديدة في التطور افي الكتابات التاريخية .وقد وصلنا من ابن اسحاق اقدم سيرة نبوية تكاد تكون محفوظة ومتكاملة، وقد تالفت من ثلاث مباحث هي المبتدأ ما بين التكوين والمبعث، والمبعث لرسول الله (ص) والمغازي. وقد حاول ابن هشام تحريفها عن مسارها الصحيح بدوافع شخصية وسياسية لكنه فشل في ذلك .

وهناك من مدرسة العراق التاريخية التي ضمت جملة من المؤرخين، نبدأ بأبي محنف (ت157هجرية) وهو اخباري كوفي الاصل، له من المؤلفات ما تجاوزت الثلاثين في الردة والفتوح والخوارج والامويين.

استخدم اسلوب الاسناد في ذكر الروايات لكنه كان متسامحا في بعضها دون تدقيق.. كان منحازا لبلده العراق تجاه الشام، واميل للعلويين دون الامويين، وهنا يفقد صفة الاعتدال في نقل الخبر التاريخي، لكن المؤرخين يعدونه غير متحيز بمعنى الكلمة.

ومن مؤرخي العراق عوانة بن الحكم (ت180هجرية) ، متخصص في روايات الشعر والانساب حتى عدوه نساباً.ومن يرغب في معرفة تنازل الامام الحسن بالخلافة لمعاوية يجده في كتابه (كتاب التاريخ) . ويوصف بالاعتدال في نقل الخبر التاريخي.

ومنهم سيف بن عمر (ت180ه) . رواياته معتمدة من قبل الطبري لكنه ركيك ينقل دون سند.واغلب رواياته تميمية الاصول.

ويليه نصر بمن مزاحم (ت212ه) وهو كوفي شيعي النزعة والميول واحسن من كتب عن مقتل حجر بن عدي ورفاقه المناهضين للدولة الاموية.ويوصف بالمؤرخ الذي يعطي نبض الحياة والحيوية للحوادث التاريخية.

لكن المدائني (225ه) يمثل اعلى درجة من اسلافه في البحث والدقة. وفي رواياته الكثير من روايات البصرة وفتوح خراسان وبلاد ما وراء النهر.لكن الذي يميزه هي الدقة في كتابة النص وسند الرواية .

ولمدرسة التاريخ في العراق جذورها العميقة على عهد المؤرخين الاوائل امثال الزهري وابن الكلبي وعوانة بن الحكم واليعقوبي والبلاذري وابن قتيبة وغيرهم، وقد انصب اهتمامهم على العناية بشئون الامة وفكرة الدولة وترابط المصير العربي المشترك، وهي مبادرات سبقت التصور القومي بازمان بعيدة. لكن اهميتها الأكبر انها خرجت من العراق.

كما كان اهتمامهم في فكرة الحوار بين الجبرية كما روجها الامويون وفكرة حرية الارادة كما تراها الاحزاب المعارضة .وكان للصراع بين الشعوبية والتيارات العربية مكانا كبيرا في ذلك التاريخ، كما كان للتفاخر بالانساب وضمن القبيلة الواحدة، فلغة الحوار هي الاخرى خرجت منهم.

لكن احسن ما يميز كتاباتهم في فكرة الاستمرار الثقافي بمفهوم الوحدة الثقافية في تاريخ العرب، ورغم ابتعاد الغالبية عن الميول السياسية، لكن بعضهم كان له نصيب فيها كما في هشام بن الكلبي الذي كانت ميوله علوية واضحة. واهتماماته السياسية بينة بما كان يجري بين العلويين والامويين.

ولن تتخلف المدرسة التاريخية العراقية عن وحدة خبر الامة واتصالها ببعضها البعض والنظرة العالمية للتاريخ وقد ظهرت هذا الاتجاه عند البلاذري في كتابه الفتوح.الذي تكلم عن كل الاصقاع بلغة الاعتدال دون تمييز.

ان ظهور هؤلاء المؤرخين كان بداية لنهاية عهد الاخباريين وبداية ظهور خطوط علم التاريخ عند العراقيين، بعد ان تم تركيز الافكار التاريخية في المدرسة العراقية.

فالمدرسة العراقية لم تكن مدرسة اخبارية عادية، بل كانت مدرسة منهجية تعد لمستقبل التاريخ والمؤرخين، حياتهم، كتاباتهم، مناهجهم، تريدها ان تكون وفق وحدة الهدف للامة الواحدة، فهل اقتفى مؤرخونا اليوم على هديهم ؟

ولو عدنا لمؤرخينا اليوم فهل احتضنوا التاريخ كتابة ومنهجاً على ما بدأت به المدرسة التاريخية العراقية القديمة؟ سؤال بحاجة الى تحقيق؟

فمؤرخينا الكبار الذين أحتضنوا تاريخ الوطن، من امثال عبد الرزاق الحسني وجواد علي وعبد العزيز الدوري وطه باقر وكمال مظهر احمد وفوزي رشيد وحسين امين وفيصل السامر واحمد صالح العلي وسامي سعيد الاحمد وعبد الامير محمد امين وناجي معروف وعبد الجبار الجومرد ومحمود شيت خطاب وكامل مصطفى الشيبي ومحمد باقر الصدرو[جعفر آل ياسين وبدري محمد الفهد وعماد عبد السلام  وعبد الله الفياض وعبد الحسين مهدي الرحيم ومحمد حسين الزبيدي ونبيلة عبدالمنعم داود وعباس عطية وخليل شاكر الزبيدي وجهادية القره غولي وغيرهم كثير .في غالبيتهم كانوا منهم رغم التباين في درجة الالتزام.

ان الذين كتبوا ودونوا اراؤهم في التاريخ الحديث يقف في مقدمتهم الدكتور عبد الرزاق الحسني في سفره الكبير الثبت (تاريخ الوزارات العراقية) والثورة العراقية الكبرى ولم يكتب المؤرخون الا بدوافع قومية ووطنية، حين غابت عن فكره الطائفية والعرقية والنرجسية.ويليهم الدكتور كمل مظهر احمد وطه باقر .

نحن ندعوا كل المؤرخين العراقيين اليوم لينبروا تحت راية الحق والعدل ومصلحة الوطن ليكتبوا تقييماً محايدا عن الفترة العراقية من 1958- 2003 وما بعدها وما حل بالعراقيين من خيانات وطنية ومآسي اجتماعية، لتتصفح الاجيال تاريخ العراق الذي مرغ بالوحل من الغرباء واهل الوطن وحتى نتعرف على المنهج الصحيح الذي يجب ان يكتب بلا طائفية او عنصرية او محاصصة وظيفية يغيضة كبل فيها الوطن من جراء تثبيت المصالح الشخصية واستبعاد المصلحة الوطنية.

نحن اليوم نطالب بانتخابات جديدة لأتحاد المؤرخين العراقيين لعل الاتحاد يحضى بشرعية التمثيل، وان لا يبقى عصا غليضة يتعكز عليها الاخرون..في وقت سادت الطائفية والمذهبية وعنصرية التدوين في عراقنا الحبيب كما سادت في القرن الربع والخامس الهجريين ..والتي ولدت لدينا نكبة السنين.

ان العراق والعراقيين اليوم تعاد عليهم نكبة كربلاء الجديدة، فما ينبغي عليهم ان يحزنوا ويلطموا على الحسين الذي استشهد قبل 1450 سنة وان يعزلوا باسم كربلائي مدمر عقول الشباب بتخريفات المعممين، بل على الف حسين جديد قتل غدرا في شوارع العراق من المفكرين والعلماء، ان يحزنوا ويلطموا على مليون طفل مشرد من الابوين، ان يحزنوا ويلطموا على ملايين النساء المرملات بلا من يحميهن من عاديات الزمن، ان يحزنوا ويلطموا على علمائهم واطبائهم ومفكريهم وضباطهم الذين قتلوا دون سبب وبتدمير من جيش هولاكو الجديد، ان يحزنوا ويلطموا على الاعراض المنتهكة في شوارع عمان ودمشق ودبي والعالم وهي تباع دون رقيب، ان يحزنوا على اموالهم المهدورة عند زنادقة السرقات والتهريب المتسكعين في شوارع عمان ودبي ولندن، ان يحزنوا على  دجلة والفرا ت التي لوثت مياههما بالسموم،  ان يلطموا ويحزنوا على الوطن الذي يباع اليوم في سوق النخاسة بالجملة ، وعلى القضاء الفاسد الذي يترأسه المزورون ..ان يحزنوا على شهداء شبان تشرين الابرار الذي قتلتهم يد الاشرار ولا من يسأل عنهم، ان يحزنوا على المال المهدور في شركات الحماية الوهمية، ان يحزنوا على سفاراتنا المستلمة بيد الضعفاء والمتخلفين والنهابة الذين بيعت فيها وثائق الوطن .

هل سيحزنون على بلدهم الذي اصبح ملكا للاخرين من الغرباء، والذي تنمروا عليه حتى جرابيع العرب، فهل سيتجه العراقيون الى مصيبة الحسين الجديدة ليجعلوا من مصيبة الحسين القديمة تاريخاً لهم؟ ام سيبقون يهرولون وراء السراب واوهام عمائم الدين المزيفة والمخرف الرادود .. ليعرضوا لهم مشاهد مقاتل الحسين الكاذبة في يوم الطف العظيم، وليسخروا الصبية في زناجيلهم وقاماتهم يلطمون، وهم في فجورهم وسرقاتهم يعمهون؟ هؤلاء الذين باعوا الوطن والثوابت الوطنية واليوم يدعون التحرير

من يتبنى مشروعهم الوطني اتحاد المؤرخين الخائب الضالع في انحرافات الزمن ام المؤرخين الذين ايتلاهم الله بالذهب الاصفر فتركوا الله والحسين معاً واتجهوا لحكام الباطل في العصر الجديد؟ والا هل معقولة ان يستبدل محمد باقر الصدر رئيس حزب الدعوة الذي مات الشباب من اجل مبادئه مع زعيمهم ليحكم الدكتاتور السارق للوطن والشعب باسم الدعوويين..؟

هل سيظهر فينا ميرابو الخطيب ليقول لزنادقة العصر الجديد، نحن هنا لن نبرح مكاننا هذا الا على اسنة الحراب؟ هل سيظهر فينا شعب فرنسا الذي تحدى لويس السادس عشر وماري انطوانيت عندما طالبها الشعب بالخبز فردت عيهم فليأكلوا البسكت، لكن الشعب اصر ونفذ حتى ذهب بهما الى مقصلة باريس الشهيرة.فهل التاريخ يعيد نفسه اليوم مع كل من نسى الله والقسم والامانة والضمير؟ ليذهب بهم الى مقصلة الكاظمية مرة اخرى؟نحن لمنتظرون؟

لقد علمنا التاريخ ان الف هولاكو ظهر ..لكن خيول العراق وفرسانها سحقت كل الهولا كيين..فليتعضوا من يسكنوا الخضراء اليوم هم وجيوشهم المرتزقة ذيول الأخرين..فهذه المرة سيكون سحقهم ابديا بلا عودة ولا مناصرين..

***

د.عبد الجبار العبيدي 

 

في المثقف اليوم