آراء

إطمأنوا.. روسيا لن تفلس

كريم المظفرفي خطوة فاجأت أسواق البورصات والمال العالمية، قلص البنك المركزي الروسي، في بيان له  الجمعة، سعر الفائدة الرئيسي بواقع 3 نقاط مئوية إلى مستوى 14% سنويا، وجاء القرار مفاجئا للأسواق التي توقعت خفضا إلى مستوى 15% - 15.5%،  وقال المركزي، في بيان عقب اجتماع مجلس إدارته، إن قرار المنظم بشأن سعر الفائدة الرئيسي وحول البرنامج الحكومي للإقراض الميسر سيحد من حجم التراجع في النشاط الاقتصادي، وألمح المركزي الروسي في الوقت نفسه  لتنفيذ تخفيضات أخرى لسعر الفائدة الرئيسي خلال العام الجاري، وجاء في البيان "يرى بنك روسيا (المركزي) أن هناك مجالا لخفض سعر الفائدة الرئيسي في عام 2022، وسيكون السعر الرئيسي في المتوسط لعام 2022 في حدود 12.5% - 14%". .

وكان البنك المركزي قد تحدث عن إمكانية إجراء مزيد من التخفيضات على أسعار الفائدة. في 20 أبريل، قال نائب رئيس البنك المركزي أليكسي زابوتكين في مجلس الدوما أن المنظم مستعد لخفض المعدل إلى 7-7.5٪ سنويًا عندما يعود التضخم إلى المستوى المستهدف البالغ 4٪، وبحسب زابوتكين، فإن السعر سيتحرك "على طول مسار الجاذبية الكافية للودائع بالنسبة للروس"، وذكر تقرير الهيئة الرقابية لعام 2021 أن البنك المركزي يتوقع تحقيق هدف التضخم البالغ 4٪ بحلول عام 2024.

ومن المتوقع أن يكون التضخم في روسيا خلال العام الجاري في نطاق يتراوح ما بين 18% و 23%.  ، كذلك انخفاض الاقتصاد الروسي في العام الجاري وفقا لمعطيات البنك المركزي  بنسبة 8% - 10%، وفي العام المقبل 2023 في حدود 3%، على أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي لروسيا في العام 2024 بنسبة 2.5% - 3.5%. ، وسيتخذ البنك المركزي قرارات أخرى بشأن السعر الرئيسي، مع الأخذ في الاعتبار ديناميكيات التضخم الفعلية والمتوقعة بالنسبة إلى الهدف، وعملية إعادة الهيكلة الاقتصادية، وكذلك تقييم المخاطر من الظروف الداخلية والخارجية ورد فعل الأسواق المالية عليها، إذا تطور الوضع وفقًا لتوقعات خط الأساس، يرى المنظم مجالًا لخفض سعر الفائدة الرئيسي في عام 2022.

وسينخفض الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا للتنبؤات الأساسية لبنك روسيا، بنسبة 8.0-10.0٪ في عام 2022، وسيعزى الانخفاض بشكل أساسي إلى عوامل جانب العرض،  وفي عام 2023، سينتقل الاقتصاد الروسي إلى النمو التدريجي في سياق التعديل الهيكلي،  وسيكون الناتج في الربع الرابع من عام 2023 أعلى بنسبة 4.0-5.5٪ من مستوى نفس الفترة في عام 2022. وفي الوقت نفسه، سيكون التغيير في الناتج المحلي الإجمالي بشكل عام لعام 2023 في نطاق (-3.0) -0.0٪ بسبب التأثير الأساسي في الربع الأول من عام 2022. في عام 2024، سينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.5 - 3.5٪.

وتأتي خطوة تقليص سعر الفائدة في وقت يواصل فيه الروبل الروسي تعزيز مواقعه أمام الدولار واليورو،، وجرى تداول العملة الأمريكية يوم الجمعة دون مستوى 71 روبلا للمرة الأولى منذ 8 أبريل الجاري،  وتراجع سعر صرف الدولار بنسبة 1.5% إلى 70.99 روبل، فيما تراجع سعر صرف اليورو بنسبة 0.67% إلى 74.87 روبل، وفقا لبيانات بورصة موسكو.

والخط التصاعدي للعملة المحلية الروسية، جاء بعد تراجع حاد سجلته في مارس الماضي، إذ تجاوزت مستوى 140 روبلا للدولار، لكنها عادت للتعافي في ظل إجراءات أعلن عنها البنك المركزي الروسي الشهر الماضي لتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي في روسيا، ومن أبرز الإجراءات، التي أطلقها المركزي الروسي، هو إلزام المصدرين في روسيا بيع 80% من عائدات النقد الأجنبي في بورصة موسكو، كذلك رفع سعر الفائدة الرئيسي إلى مستويات قياسية.

يذكر انه على خلفية عملية خاصة في أوكرانيا وفرض عقوبات غربية، رفع البنك المركزي سعر الفائدة الرئيسي بشكل مفاجئ من 9.5٪ إلى 20٪. وأوضح البنك المركزي في ذلك الوقت أن "قرار اليوم يعكس تغييراً في ميزان مخاطر تسارع نمو أسعار المستهلك وتباطؤ النشاط الاقتصادي ومخاطر على الاستقرار المالي" في 18 مارس، تركت الهيئة التنظيمية السعر دون تغيير، بينما خفضته في 11 أبريل إلى 17٪.

وعلى صعيد تداولات الأسهم، ارتفع مؤشر بورصة موسكو للأسهم المقومة بالروبل MICEX بنسبة 2% إلى 2431.2 نقطة، فيما صعد المؤشر للأسهم المقومة بالدولار RTS بنسبة 4.25% إلى 1086.15 نقطة ، والارتفاع جاء بعد رسالة الاطمئنان لرئيسة البنك المركزي الروسي، إلفيرا نابيولينا، أسواق المال بشأن وفاء روسيا بالتزاماتها المالية، والتأكيد بأن روسيا لن تتخلف عن سداد التزاماتها المالية، وقالت نابيولينا " ان  وزارة المالية الروسية تمتلك  جميع الموارد (المالية) اللازمة للوفاء بالتزاماتها، لذلك ليس هناك أي شك في أي تقصير (حدوث تخلف عن السداد)"، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن المركزي الروسي يدرس تخفيف القيود المفروضة في سوق العملات المحلية قبل الموعد المحدد لانتهائها، وأوضحت أن قرار رفع سعر الفائدة الروسي إلى مستوى 20% كان إجراء اضطراريا لتوفير الاستقرار المالي والاقتصادي في روسيا.

من جهتها أشارت وزارة المالية الروسية في بيان اليوم، إلى أن روسيا أوفت بالتزاماتها المالية بالدولار الأمريكي بموجب سندات دولية "يوروبوند"، إصدار "روسيا 2022" و"روسيا 2042"، وقالت وزارة المالية الروسية، إنها سددت 649.2 مليون دولار بموجب السندات، 564.8 مليون دولار لإصدار "روسيا 2022" و84.4 مليون دولار لإصدار سندات "روسيا 2042".

وتحدثت وسائل إعلام عن احتمال إنشاء مجموعة مصرفية ضخمة في روسيا بالمستقبل القريب، وذلك من خلال اندماج 3 مصارف وهي: "في تي بي" (VTB) وبنك "أوتكريتيا" و"أر كا أن بي"، وذكرت صحيفة "كوميرسانت" الروسية (المقربة من الكريملين)، نقلا عن مصادر، أن أندريه كوستين رئيس مجلس إدارة بنك "في تي بي  (VTB)،  تقدم باقتراح لرئيس الحكومة الروسية ميخائيل ميشوستين بدمج "في تي بي"، الذي تمتلك الحكومة الروسية حصة فيه، وبنك "أوتكريتيا" و"أر كا أن بي" في مجموعة مشتركة.

ووفقا لأحد المصادر فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أيد الخطوة، وأشار إلى أن ذلك سيسمح للبنوك بتقليص التكاليف والنفقات على الأفرع والموظفين، كذلك سيفسح المجال أمام المجموعة المشتركة لبدء العمل في شبه جزيرة القرم الروسية، التي تخضع لعقوبات الغرب   مشيرا إلى أن توحيد الأصول المالية للدولة في لاعب قوي في القطاع المصرفي هو قرار سليم اقتصاديا وسياسيا، والذي سيساعد في تحسين الإنفاق في الميزانية لتحقيق الاستقرار في القطاع المصرفي والحفاظ على سوق خدمات مالية تنافسية، ومن جهته أيد البنك المركزي الروسي خطوة اندماج المصارف الثلاثة في كيان واحد.

وكان لدى "أوتكريتيا"  في نهاية 2020 نحو 3.1 مليون عميل نشط، فيما امتلك "أر كا أن بي" حوالي 2.2 مليون عميل نشط، ووفقا لتقديرات تصنيف لمؤسسة "Interfax-100"  فإن أصول البنوك الثلاث بلغت بحلول 1 يناير 2022 مستوى 22.9 تريليون روبل.

في سياق آخر نفت روسيا ا، أن تكون الحكومة الروسية ناقشت مسألة ربط سعر صرف الروبل بالذهب، وذلك مع انتهاج موسكو سياسة تهدف للابتعاد عن الدولار، وقالت  رئيسة البنك المركزي الروسي إلفيرا نابيولينا عقب اجتماع لمجلس إدارة المركزي الروسي، إنه لم تتم مناقشة مسألة ربط الروبل بالذهب، ويأتي هذا النفي بعد أن أشار سكرتير مجلس الأمن الروسي نيقولاي باتروشيف، إلى أن المجتمع العلمي في روسيا اقترح مشروعا لإنشاء نظام نقدي ومالي في البلاد، والذي من خلاله سيتم دعم الروبل الروسي بالذهب وسلع أخرى، والتأكيد أنه من أجل تحقيق سيادة أي نظام مالي وطني في العالم، يجب أن يكون لأدوات الدفع قيمة جوهرية إلى جانب وجود استقرار في الأسعار، وليس ربط النظام بالدولار.

وعملت روسيا خلال السنوات الماضية على تعزيز احتياطياتها من المعدن النفيس وتقليص الاعتماد على العملة الأمريكية، وتمتلك روسيا خامس أكبر احتياطي من المعدن الأصفر في العالم، ووفقا لبيانات مجلس الذهب العالمي تمتلك موسكو 2298.5 طن (بيانات مارس 2022)، حيث انتقل البنك المركزي الروسي، في العام 2014، إلى سعر صرف عائم للعملة الوطنية، وذلك وفقا لاستراتيجية جديدة تستهدف التضخم، وذلك انطلاقا من أن سياسة تثبيت سعر صرف الروبل تبدد احتياطات البلاد من الذهب والعملات الأجنبية.

أما وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف، فقد أكد بدوره ، إن الأوروبيين لن يتمكنوا من التخلي عن الغاز الروسي بسرعة، ولن يؤثر انخفاض استهلاكهم له على الموازنة الروسية، وستتحول الإمدادات إلى دول أخرى، "إلا أننا سنأخذ في الاعتبار خفض الاستهلاك من قبل الشركاء الأوروبيين عندما نخطط للموازنة المستقبلية، كما نتوقع زيادة الشحنات (من الغاز الروسي) في اتجاهات أخرى"، وأضاف ردا على سؤال بشأن قدرة الموازنة الروسية على تحمل خفض استهلاك الغاز الروسي من قبل الدول الأوروبية "سوف تقدر (الموازنة) بكل تأكيد، وسوف نضع الموازنة مع مراعاة التغيرات في الوضع".

وفي سياق متصل، أكد رئيس الخزانة الفدرالية الروسية، رومان أرتيوخين، بأن الموازنة الفدرالية سيتم تنفيذها هذا العام على أعلى مستوى، وقال بالإمكان القول باطمئنان إنه قد تم تنفيذ الموازنة هذا العام على أعلى مستوى بالمقارنة مع السنوات القليلة الماضية ، وانه وبحلول بداية هذا العام، كان قد تم التعاقد على 70% من الأسقف المتاحة، ويبلغ مستوى التنفيذ، استنادا للخزانة حاليا، أكثر من 30%. ، مشيرا إلى أن الحكومة قد وافقت على خطة لمواجهة الأزمة، حيث تقضي هذه الخطة بتخفيض فترة تحصيل المدفوعات بموجب العقود الحكومية إلى 7 أيام فقط، وذلك بفضل "آلية دعم الخزانة، والأنشطة الإلكترونية المنظمة"، وتابع: "سنبدأ في تنفيذ هذه المهمة مع بعض مناطق رائدة بعينها، حتى تطبيق نظام المعلومات الموحد بالكامل".

ويخطط البنك المركزي للوصول إلى هدف التضخم البالغ 4٪، ولكن، كما لاحظت إلفيرا نابيولينا، رئيس مجلس إدارة بنك روسيا،  لن يحدث هذا حتى عام 2024، وتعرب نابيولينا عن اعتقادها أن الأمر يستحق خفض التضخم بسلاسة، فقط من خلال زيادة إنتاج السلع والخدمات، ولكن إذا كانت المشاكل اللوجستية والإنتاجية بسبب العقوبات، فإن تحفيز الطلب بطرق أخرى سيؤدي إلى زيادات في الأسعار،  ووفقًا لها، ستبني الشركة قنوات وإمدادات جديدة، لكن تكلفة الواردات والخدمات اللوجستية الأكثر تكلفة ستضغط على التكاليف، لذلك سيبقى التضخم فوق هدف البنك المركزي لعدة سنوات أخرى.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

في المثقف اليوم