آراء

الأفاعي البشرية وفلسفة الإنسان الإنتهازي - الوصولي

محمود محمد عليتعد الانتهازية الوصولية من السياسات والممارسات الواعية للاستفادة الأنانية من الظروف – مع الاهتمام الضئيل بالمبادئ أو العواقب التي ستعود على الآخرين. وأفعال الشخص الانتهازي هي أفعال نفعية تحركها بشكل أساسي دوافع المصلحة الشخصية. وينطبق المصطلح على البشر والكائنات الحية والجماعات والمؤسسات والأساليب والسلوكيات والتوجهات، والوصولي: هو الإنسان الذي يسعى لتحقيق أهدافه، والوصول لغاياته ومصالحه، ولو كانت على حساب الآخرين، باستخدام جميع الوسائل القذرة والمنحطة والدنيئة، حتى لو وضع يده بيد الشيطان، وشعاره دائما: الإطراء والمبالغة بالمدح بما لا يستحق أحد صفات الشخص الوصولي، وانتقاص الآخرين وخصومتهم وبغضهم، والتحريض ضدهم والاستعلاء عليهم، والغاية تبرر الوسيلة.

هذا المبدأ سواء قبلنا به أم رفضناه، يُعاش في كل لحظة وفي كل ظرف، ويُستخدم لكل هدف، مع اختلاف جوهري وأساسي هو أن الوسيلة تؤثّر بشكل كبير على الغاية وتنحي بها باتجاه سلبي أو إيجابي، والانتهازي يخطّط بشكل جيد لهدفه وينتهز الفرص المناسبة للمباشرة بتنفيذ مخططاته ثمّ يقوم بإضعاف الذين ساعدوه من خلال الضغط عليه لتقليص دورهم لئلاّ يبقى رهينة لهم، علاوة على استفادته من الفرص المتاحة له أو يخلقها بغض النظر عما إذا كانت تؤذي الآخرين .

ولهذا فالإنسان الانتهازي هو شخصية وصولية، وهذه الشخصية هي أحد الشخصيات الغير محببة والتي ظهرت في مجتمعاتنا العربية خلال السنوات الماضية، فهي تعتبر أحد الشخصيات التي تبدو في ظاهرها كشخصية محبة وودودة ولكن في باطنها بداخلها الكثير من المكر و النفاق، وفي الغالب يتم كشف تلك الشخصية بعد أن تكون وصلت إلى أهدافها من أخذ دون عطاء .

ويتسم أصحاب الشخصية الوصولية بأنهم يبيحون لأنفسهم استخدام جميع الوسائل من أجل اعتلاء أعلى المراكز، وان كان ذلك على حساب الآخرين، ويتسم هؤلاء الأشخاص في البداية بالظهور بمظهر الطيبة والاحترام بقدر كبير حتى يتم الوثوق بهم، فتجعلنا نتساهل معهم في الكثير من الأمور ونمنحهم كل ما لدينا، وفي الغالب تبدأ هذه الشخصية بالضعف حتى تقوى مع مرور الوقت.

وفي علم النفس تم تعريف الشخص الوصولي على أنه الشخص الذي يضع نفسه في المقدمة دون تردد أو شعور بالذنب، كما يقوم بالتملق الدائم من أجل الوصول إلى أهدافه، وقد حذرنا القران الكريم من هذا المرض الخطير، وخصص للمنافقين سورة كاملة هي سورة المنافقون أن عبارات المديح قد تفقد مصداقيتها وبالتالي فعاليتها إذا تكررت بشكل مبالغ فيه حتى لو قيلت لشخص تميز في عمله بالفعل وبذلك تختل معايير الإثابة والعقاب بشكل عام.

كذلك الإنسان الوصولي هو ذلك الشخص الذي يسعى للتعرف على الأشخاص الذين يتمتعون بمزيد من القوة والعلاقات المؤثرة، أو أشخاص يعرفون أو لديهم إمكانية الوصول إلى العديد من مجالات العمل ذات الإمكانات العالية؛ علاوة على أن الإنسان الوصولي يكرس جل وقته للوصول إلى مآربه الشخصية، وإن كان على حساب الآخرين.

وعلى الرغم من محدودية كفاءته إلا أنه لا يجد في نفسه الرغبة في تنفيذ متطلبات ما يبتغيه من منصب أو مكانة. فهو يفكر فقط في نفسه وهو عين الأنانية في أبشع صورها، وهذا الانتهازي مستعد للتزلف والتملق ويحاول الوجود في دائرة أصحاب القرار بأي ثمن ولو كان على حساب كرامته.

لذا فإن النسخة المتطرفة منه تشبه "البولدوزر" الذي يمكن أن يسحق أي جسم أو شخص يقف في طريقه، وفي حين أن الآخرين يرونه شخصاً وضيعاً، إلا أنه يعتبر سلوكه أرفع أنواع الذكاء! فهو استطاع أن يحقق مبتغياته بأقصر الطرق. وربما هذا ما دفع رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرتشل إلى القول بأن «كثيرين ارتقوا سلم المجد، إما على أكتاف أصدقائهم أو على جماجم أعدائهم».

ولهذا يُمكن وصف الإنسان الوصولي على لسان الكاتب الإيطالي الشهير نيكولو ماكيافيلي الذي ذكر في كتابه عن وصفات الشخصيات أن " الغاية تبرر الوسيلة" هو هدف كل شخصية وصولية تهدف دوماً إلى تحقيق طموحها بطرق غير شرعية بعيدة كل البعد عن الأخلاق والقيم والمبادئ التي يجب أن تنغرس في نفوس الكثير من الأشخاص، حيث إنه يضع النجاح نصب عينيه والوصول إلى مقاليد الحكم سواءً في مجال العمل أو محيط الأسرة بل ومع الأصدقاء مهما كلفه الأمر، حتى ولو كان ذلك يؤذي الآخرين من حوله ويُسبب لهم مشاكل نفسية أو مادية أو اجتماعية فيما بعد.

وقد أشار بعض العلماء أن ذلك السلوك الغير سوي يدفع الإنسان إلى الخيانة أو السرقة والغش ومختلف الرذائل الأخرى لكي يُحقق ما يصبو إليه بدون أن يمنعه ضميره من ذلك، بل على العكس يشعر بشيء ما داخله يدفعه لذلك ويبرر لنفسه دوماً تلك الأفعال لكي يقنع الآخرين بها إذا ما تم توجيه أي لوم أو نقد.

كما تُعدّ الأنانية من أهم الصفات التي يتسم بها الإنسان الوصولي حيث تظهر في كافة معاملاته واختياراته في الحياة، فهو يُكرس حياته بالكامل من أجل تحقيق نجاحاته وأهدافه بطريقة غير شرعية أو بدون الاكتراث بمشاعر الآخرين، حيث أن تحقيق الأهداف والتطور شيء سامي للغاية ولكنه يُصبح فعل مشين إذا اقترن ببعض الأحقاد وتحقيق الغايات على حساب الغير، أيضًا يعد التملق أو النفاق ضمن أبرز سمات الشخصية الوصولية، حيث يمدح دوماً الرؤساء أو المدراء في العمل أو أي شخص آخر أعلى منه في المكانة لكي يشعر بأهميت،ه حيث يستمد ثقته بنفسه من آراء الآخرين، فضلاً عن الاعتماد على ابتزاز الشخصيات الضعيفة عاطفياً من أجل الحصول على منفعة ما أو التقرب لشخص آخر يُساعده على تولي بعض المناصب.

ولذلك كثيرًا ما نجد أن تلك الشخصية الوصولية مُحاطة دوماً بأشخاص معدومي الثقة بالنفس وليس لديهم أي طموح أو أهداف لكي يُساعده ذلك على الشعور بمكانته وفرض سيطرته الكاملة عليهم، وغالباً ما نجد ذلك الشخص مهتم بمظهره الخارجي بصورة مُبالغ بها ويقتني أفخم الماركات من أجل التفاخر فقط والشعور بالثقة ويتحدث دوماً عن إنجازاته الواهية التي وصل إليها عن طريق الغش والتدليس والخداع.

وينقسم الأشخاص الأصوليون إلى مراتب. فمنهم العجول الذي يدرك بأن منصب من يحاول التزلف إليهم زائل. فهو يسعى بخطى حثيثة نحو أن يظفر بأكبر قدر من الغنائم ولو على حساب غيره. فهو أشد حدة عندما يتعلق الأمر في مصالحه الشخصية، ومستعد لأن يضرب مصالح المؤسسة التي أؤتمن عليها بعرض الحائط في سبيل أن ينال مطلبه بأسرع وقت ممكن.

وهناك الإنسان الوصولي «بعيد النظر» فهو أرفع منزلة من العجول، لأنه مستعد للانتظار لشهور وربما لسنوات طويلة في دائرة أصحاب القرار في منظمته، ويسعى إلى تنفيذ أجندة لا تتماشى مع القيم النبيلة في سبيل أن يثمر تزلفه «لاحقاً» بمنصب أو حفنة مكافآت لا يستحقها، وهناك أيضا "الوصولي التائه" فهو لديه الاستعداد الذاتي لأن يدوس على كل القيم واللوائح والأعراف في سبيل تحقيق مراده، لكنه لا يعرف كيف! فيبقى في حالة ترقب لجوقة الوصوليين من حوله ثم لا يملك سوى تقليدهم. بعضهم ينجح لكنهم أقرب إلى الوقوع في أخطاء فادحة لأنهم «لا يعرفون من أين تؤكل الكتف» حسب قاموس الانتهازيين. وما أكثرهم في بيئات العمل.

وللإنسان الوصولي العديد من المظاهر والأشكال والهيئات والتوصيفات، تختلف من بيئة لبيئة، ومن زمن لآخر، وبحسب الأحوال والمعطيات، واقتناص الفرص والمتغيرات، وقد يشترك بأكثر من مظهر ويفترق مع غيره بهيئات أخرى، يحدد ذلك طبيعة الوسائل والمصالح والمطامع المنشودة، وبحسب الطموحات وتسلق المناصب والوجاهات.

علاوة علي أصحاب الشخصية الوصولية يتسمون بأنهم يبيحون لأنفسهم استخدام جميع الوسائل من أجل اعتلاء أعلى المراكز، وان كان ذلك على حساب الآخرين، ويتسم هؤلاء الأشخاص في البداية بالظهور بمظهر الطيبة والاحترام بقدر كبير حتى يتم الوثوق بهم، فتجعلنا نتساهل معهم في الكثير من الأمور ونمنحهم كل ما لدينا، وفي الغالب تبدأ هذه الشخصية بالضعف حتى تقوى مع مرور الوقت.

ولذلك يقال تتمتع تلك الشخصية عادة بذكاء خارق وهي تحسن اختيار ضحاياها من الضعفاء الذين يخافون المنافسة والتحدي فيفضلون الإنسحاب، تلك الشخصية عادة ما تقترب منك لكي تدخل إلى قلبك وتوهمك بأنها الأفضل، معتمده على أسلوب المنافق رغبة في استمالتك إلى جانبها والأخذ منك وليس إعطائك، ولو داست على الأخلاق والمبادئ،

في النهاية أرجو أن نكون قد قدمنا عرضا جيدا فيما يتعلق بصفات الشخص الوصولي سواءً من حيث التعريف أو الأسباب التي دفعته لذلك مع شرح سمات تلك الشخصية وطرق التعامل الصحيح معها سواءً كانوا زملاء في العمل أو أحد أفراد الأسرة وكذلك الأصدقاء المقربين، لكي يُسهل التعامل معهم وتفادي حدوث أي آثار سلبية على النفس.

***

د. محمود محمد علي

أستاذ الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

.....................

المراجع:

1-أمل اللقاني: الشخصية الإنتهازية الوصولية، مقال منشور في 6-5-2022.

2- حنين محمد: كيف تتعامل مع الشخص الوصولي الذي لا يهتم إلا بأهدافه الضيقة؟، تسعة، يوليو 3, 2019.

3- د. محمد النغيمش: مراتب الوصوليين، البيان، مقال منشور في 10 أكتوبر 2019.

4- رساله الحسن: الإنسان الإنتهازي الوصولي، الزمان، مقال منشور في 6-7-2021.

في المثقف اليوم