آراء

هل هناك فرص توافق بين الأسلاميين والعلمانيين

اياد الزهيريمن الواضح أن أحد أسباب الصراع السياسي بين الأسلاميين والعلمانيين هو الأختلاف العقائدي بينهم، وهو بالحقيقة أختلاف حاد، حتى أن هذا الأختلاف تحول الى خلاف أمتد لفترة طويلة من الزمن، ويمكننا تحديد بداياته في الوطن العربي منذ خمسينات القرن الماضي ولايزال ليومنا هذا، وهذا الأختلاف الذي تطور الى خلاف أتخذ أشكال مختلفة، يتراوح بين الحرب الأعلامية التي لا هواده فيها، والتي تضمنت التشهير والتسقيط والتدليس وتزوير المواقف، مما ساهم بحدوث فجوة واسعة بين طرفين كبيرين في الساحة السياسية في عالمنا العربي والأسلامي، والذي أدى الى نشوب صراعات ومناكفات وصلت في بعض الأحيان الى الصدام الدموي بين أبناء الشعب الواحد والذي أدى الى أنقسام شعبي أنعكس على السلام المجتمعي سوءً، هذا الصراع الأيديولوجي كلف شعوبنا الكثير، وهنا أود أن أقدم مقترح قد يساهم في فك هذا الأشتباك المزمن بين الطرفين، والذي يمكن أن يوفر فرص كبيرة من التعاون بينهم لصالح بلدانهم، وهذا المقترح يتلخص بفك أرتباط هذه الاحزاب العلمانية مابين برامجها السياسية والأقتصادية وبين تصوراتها الأعتقادية والكف عن مهاجمة عقائد الناس وتسفيهها والنيل منها، حيث أن موقف العلمانيين هذا لا يقل خطورة عن موقف المتشددين الدينيين، الذين ينطلقون من أطلاقية أفكارهم، وهو لا شك موقف متعصب وغير حضاري . هذا التغير أن حصل فسوف يساهم بتقريب وجهات النظر بين الأحزاب الأسلامية وبين الأحزاب ذات الطابع العلماني، كما يمكن أذا خف التوتر بينهم  أن تتوفر فرصة للحوار البناّء بينهم،وقيام شراكات جبهوية لأدارة البلد،وخلق فرص للوئام الوطني الذي هو ركيزة لوحدة البلد وزيادة قوته، أذن فلتكن هناك حكومات خدمات وتنافس برامج خدمية تركز على خدمة المواطن وحماية البلد، وأن يحتفظ كل حزب بمعتقده ويعتبره خصوصية فردية لا أحد له سلطان عليها، حيث تعتبر العقائد والتصورات الفكرية من أبواب الحرية الشخصية، كما أن الأسلام أحترم هذه الخصوصية العقدية،وقد بينتها آيات القرآن الكريم (لكم دينكم ولي ديني) و(لا أكراه في الدين) و(لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد…)، فالتنافس في أختيار الأحزاب سيكون على أساس ما يقدمه ذلك الحزب من خدمة للمجتمع، كما يمكن للمرء أن  يختار عقيدته التي تلبي قناعاته الفكرية والعقائدية في جهة أخرى حزبيه أو غير حزبيه، ومن هنا سيتفكك الأشتباك بين ما هو عقائدي وما هو سياسي، ويخلص الفرد والمجتمع من معانات طالما أتعبت الأشخاص كما أتعبت الأحزاب لفترة غير قصيرة من الزمن، وستكون الأحزاب التي أتسم فكرها بالكفر والألحاد،سيكون لها مقبولية على مستوى الشارع، وأن تبنى جسور الثقة والود والصداقة مع  التيارات والأحزاب والمؤسسات الدينية وأن لا تنبذ حتى من فقهاء الدين نتيجة فض هذا التشابك بين ما هو أعتقادي،وبين ما هو سياسي وأقتصادي . أن هذا الأقتراح يمكن أن يجد فرص نجاح كبيرة بالنظر لتوفر الأرضية التي تسمح لهذا التوافق بين العلمانين والأسلاميين والذي يمكن تلمسه في النصوص المقدسة، من أمثال ( ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات) و(ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) و(فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر ...) . من خلال هذه الآيات القرآنية نرى أن الذات الألهية منحت الأنسان الأرادة الكاملة في أختيار نوع أيمانه، وأن عاقبة هذا الأيمان ستكون بين الله والأنسان في يوم الحساب، ويحق لمخلوق أن يُحاسب مخلوق آخر على أعتقاده ومتبنياته الفكرية، وأن  الأنسان هو الكائن الوحيد الذي يمتلك هذا التفويض، ولعل سائل يسأل لماذا أمر الله المسلمين في بداية الدعوة الأسلامية بمقاتلة الكفار كما في الآية الكريمة (فأذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم وأقعدوا لهم كل مرصدفأن تابوا وأقاموا الصلاةوآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ان الله غفور رحيم)، هذه اية لا تتعارض مع ماذكرنا أعلاه، لأن مقصد هذه الآية وقتي ولحالة معينة حصلت بعد الفتح مباشرة وهو أجراء أحترازي لظروف أستثنائية، كما أنها نزلت لمعالجة أمر خطير يهدد الثورة الفكرية الجديدة، خاصة وهي محاطة بمجاميع عدوانية من اليهود وقريش وبقية القبائل العربية في الجزيرة العربية، وهي قبائل بدوية متخلفة وتمتاز بالشراسة والعنجهية، وبعيدة عن المراكز الحضارية المجاورة لها، مما جعلها أقرب للتوحش، وهي قبائل ذات طابع وثني، ومشبع بالخرافة، لذا بات لزاماً على الدين الجديد أن يستعمل ما يُعرف اليوم بمصطلح العنف الثوري، وهو أسلوب تتجه له بعض الثورات لأقامة عهد جديد على أنقاض عهد قديم يكون من الصعب تغيره الا بأسلوب العنف الثوري الذي ذكره نص الآية، خاصة وأن هذه المجاميع القبلية هي من تتربص بالمسلمين، وهم من يتخذون موقف الهجوم أتجاه المسلمين . فمهمة بنار الأنسان الجديد تتطلب عملية أنقلاب أجتماعي لا تخلوا من الغلظة والشدة، خاصة وأنهم يمثلون خطر على الجبهة الداخلية لدولة فتية وحديثة التكوين . أذن الأمر هو معالجة أستثنائية، ولم يكن قاعدة لحكم شرعي والدليل أن هناك الكثير من الآيات يكون منطوقها النصي يتسم بالتسامح، وأن الأنسان مفوض وحر بأتخاذ قراراته في تشكيل أعتقاداته، وخير مثال الآية الكريمة (لست عليهم بمسيطر) و(ما على الرسول الا البلاغ المبين)، وفي هذا الصدد كذلك يمكننا أن نورد بعض المقتطفات للأراء بعض الفقهاء والمفكريين السياسيين المحسوبين على الأسلام السياسي والتي تنحو منحى التوافق والرغبة في مد الجسور مع العلمانيين وغيرهم من غير الأسلامين، فمثلاً يقول الفقيه الشيرازي في شأن تكفير الآخر المختلف والذي أنضم الى حزب غير أسلامي أجاب: (مجرد الأنضمام لا يوجب الكفر، وأن كان حراماً)، كما هناك رأي للقيه بحر العلوم يقول فيه ( واذا كلنا نؤمن بالتعددية السياسية، فمن مظاهرها الأساس حرية تأسيس الأحزاب...بصفتها مظهراً من مظاهر التعبير والرأي التي يجب أن يتمتع بها كل المواطنين على أختلاف أديانهم ومذاهبهم وأيديولوجياتهم- بشرط أن تخدم الوطن، وتدعم وحدة الأمة) ولم يتوقف الأمر على بعض فقهاء الشيعة بل حتى الشيخ القرضاوي وهو فقيه سني حيث يقول (انه لا يوجد مانع شرعي من وجود أكثر من حزب سياسي داخل الدولة الأسلامية، أذ أن المنع الشرعي يحتاج الى نص، ولا نص، بل ان هذا التعدد قد يكون ضرورة في عصرنا الراهي، لأنه يمثل صمام أمان من استبداد فرد أو فئة بالحكم، وتسلطها على سائر الناس)، كما يمكنني أن أذكر رأي للدكتور العوا وهو من منظري الأسلام السياسي حيث يذكر في هذا الصدد أنه لا تثريب اليوم على دولة أسلامية (ان هي سمحت بتعدد الأحزاب فيها، وأنها يجوز لها، بل يجب عليها، أن تشترط على هذه الأحزاب الالتزام بقيم الأسلام وأحكامة، ثم تدعها بعد ذلك وما تدعو اليه منبرامج سياسية واقتصادية واجتماعية أو غيرها، وليس هذا ما يخالف أحكام الأسلام أو نصوصه القطعية) . فالأجتهادت في هذا المضمار كثيرة وأكثر مما يمكن جمعها في هذا المقال، وأخيراً وليس آخراص يمكنني أن أنقل رأي أكبر تيار أسلامي في الساحة الأسلامية وهو المرشد العام للأخوان المسلمين السيد محمد حامد أبو المصر بقوله( نحن نعتقد أن الحكم الأسلامي لابد أن يسمح بتعدد الأحزاب السيلسية لأنه كلما كثرت الآراء وتنوعت كلما كثرت الفتئدة، ونحن نعتقد أيضاً أنه لابد أن يمنح الحكم الأسلامي حرية تشكيل الأحزاب حتى للتيارات التي قلت عنها أنها تصطدم بالأسلام كالشيوعية والعلمانية....)، كما يمكننا أن نأخذ بتجربة عملية حدثت بالساحة العراقية، عندما تحالف التيار الصدري، وهو تيار محسوب على الأسلام السياسي مع الحزب الشيوعي العراقي. يتضح من كل ذلك أن النصى الديني (الأسلامي9 مع الأجتهاد الصادر من العلماء والمفكرين الأسلاميين يصب في امكانية وجود أفق للتعاون والتحالف والتحاور، والتنافس مع الأحزاب العلمانية بكل تشكيلاتها من أقصى اليمن الى أقصى اليسار ولكن بشروط ذكرنا أعلاه، والتي منها احترام ثوابت الشريعة والنساق القيمية للأمة، وهنا فأن الأسلاميين، وقد رموا الكرة في ساحة الأحزاب العلمانية، والتي ينبغي عليها أن تترك المنهج العدائي واللاسلمي أتجاه الأديان عامة والأسلام خاصة، وأن يركزوا على برامجهم السياسية والأقتصادية بعيداً عن العقائد المتصلة  بالغيبيات والقيم الدينية، وأن يبحثوا عن المشتركات التي تربطهم بواقعهم الأجتماعي، وأن يفهموا جيداً أن لواقعهم المحلي خصوصيةً، وأن ليس دائماً الأفكار التي منبعها الغرب هي صالحة لكل البئات والظروف، فهي لا شك نتاج ظروف وردة فعل لمشاكل مختلفة عما يحصل في بلادنا، كما هي نتاج طريقة تفكير بعيدة عنا، وما يصلح لشعوبهم ليس بالضروة يصلح لنا كمسلمين، وشعوب شرق أوسطيه، لها ظروفها ومشاكلها وحاجاتها الخاصة بها.

***

أياد الزهيري

في المثقف اليوم