آراء

بسبب شحة المياه..

عصام الياسريالاراضي الزراعية في العراق تتحول الى اراضٍ قاحلة، فمن المسؤول؟  

ليس الحدود الجغرافية للعراق، ارضا وجوا وبحرا، تتعرض للاستباحة فحسب. بل ان مياه كافة، تتعرض من قبل دول الجوار تركيا وايران والكويت على مدى ستة عقود للاغتصاب، وتحل به الكوارث البيئية دون موقف وطني حازم، بسبب ضعفه العسكري وافتقار الحكومات المتعاقبة للمشروع الوطني وتناحر القوى والاحزاب السياسية على السلطة بدل الارتقاء بالمسؤولية الوطنية، والدفاع عن حقوق العراق بما فيها المياه، التي لم يتجرأ احدا حتى نهاية الحكم الوطني لثورة تموز 1958، التجاوز عليها وتعريض العراقيين للعطش وتحول الواحات الزراعية الى صحارى.

ديالى أبرز مثال على العطش الكبير الذي يهدد العراق. البلد، الذي يغذيه نهرين عظيمين "دجلة والفرات"، اللذان عليهما قامت منذ آلاف السنين حضارة وادي الرافدين التي عرفت بأول حضارة بشرية. 

سنة بعد أخرى من الجفاف القاتل للانسان والارض شارك باحداثه جارين للعراق، بطريقة تتنافي مع قواعد حسن الجوار والعهود والمواثيق والقانون الدولي، ناهيك الى كونه يشكل وسيلة للابتزاز. ان استمرار المشاركين بالجفاف، يعني، بانه سوف لن تكون هناك كمية كافية من المياه بمتناول اليد. فكل من تركيا وايران عملا على بناء السدود وتحويل مجرى الانهر والروافد التي تغذي ما يقارب 60% من مناسيب نهري دجلة والفرات تاركين العراق في ازمة شح مياه حادة. بيد ان التدفقات المائية القادمة من تركيا بهبوط مستمر وصل الى معدل الثلثين، ومن ايران انخفضت بمعدل العُشر عما كانت عليه. وبدل ان تتعاون ايران مع العراق، فقد قامت بتحويل مجرى الأنهر لداخل أراضيها، الامر الذي ادى الى اتساع بقعة الجفاف". ويبدو ان الدول التي تسببت بالاضرار وتعريض العراق لازمة المياه، غير معنية، لا بل غير مهتمة لاجراءات  العراق برفع شكوى قضائية ضد ايران امام محكمة العدل الدولية. ولم تنفع مناشدات جيران العراق للمساعدة في تخفيف الازمة. على الرغم من توقيع العراق اتفاقية مع انقرة يفترض من خلالها ضمان قيام تركيا باعطاء العراق حصة عادلة من المياه لتغذية دجلة والفرات اللذان يعانيان من تدني منسوب المياه بشكل مقلق لمستقبل النمو الزراعي. وفي طهران جوبهت المناشدة العراقية بالصمت.

ورافقت شحة المياه تحولات أوسع في المجال البيئي، ارتفاع درجات الحرارة في العراق، وكشفت منظمة، بيركلي ايرث Berkeley Earth، الأميركية المعنية بعلوم التغيرات المناخية بان درجات الحرارة في العراق ازدادت بمعدل الضعف عن المستوى العالمي. ويحتل العراق المرتبة الخامسة ضمن قائمة الأمم المتحدة للبلدان الأكثر تعرضا لتأثيرات التغير المناخي. ويشير البنك الدولي في تقرير له انه بحلول العام 2050 ستزداد معدلات درجات الحرارة بمعدل درجة مئوية واحدة مع انخفاض معدلات هبوط الامطار بنسبة 10% مما قد يؤدي بالعراق لفقدانه خمس موارده المائية المتوفرة. ووفقا لهذه الظروف، فان ما يقارب من ثلث أراضي العراق الزراعية ستحرم من المياه.

الامر المثير للقلق ان المسؤولين العراقيين غير عابئين لما يجري على ارض الواقع في ديالى، وما سيؤدي تدهور  الزراعة فيها من نتائج سلبية خطيرة على المستوى الاقتصادي والمعيشي الذي تعاني منهما المجتمعات العراقية. الى جانب ذلك، تم حذف المحافظة من حصصها المائية ضمن خطة الحكومة الزراعية لمحاصيل الصيف، باستثناء مزارعي الحنطة والشعير الستراتيجية. مما اضطر مزارعون هناك للاعتماد على ما يقارب من 200 بئر لإرواء بساتينهم العطشى وكذلك ارواء عطشهم أيضا. وما يدعو للاستغراب ان الحكومة تقطع معوناتها الخاصة بالاسمدة والبذور ومادة الكاز الخاصة بتشغيل مضخات المياه. ورغم انها منعت استيراد أنواع معينة من المنتجات لحماية المزارعين العراقيين، لكنها مع وجود الرشوة عند المعابر الحدودية، فانها غير قادرة على التعرض لشاحنات محملة بالفواكه والخضروات القادمة من بلدان مجاورة مثل تركيا وايران والسعودية والاردن التي تشاهد في الاسواق يوميا، مسببة تدني في المنتجات الزراعية المحلية ذات الجودة التي تضاهي المحاصيل المستوردة.

شحة المياه توجه الضربة القاضية للمنتوج الزراعي المحلي

السنوات الثلاث الأخيرة كانت الأشد صعوبة على المزارعين العراقيين عموما سيما في المحافظات الجنوبية والوسطى، حيث أجبرت البعض على الحفر لعمق 140 قدما للحصول على مياه من الآبار والتي أصبحت اكثر ملوحة بسبب الضخ الزائد. بسببه تبدو محاصيل الفواكه جيدة من الخارج لكن من الداخل لم تكن فيها قطرة عصير. ويعاني المزارعون من كثرة المصاريف المالية لحفر الآبار ونصب المضخات ومد خراطيم المياه، لكن كل ذلك دون جدوى. مما زاد من معاناتهم من قلة انتاج المحاصيل والموارد لتأمين حياتهم ومستقبل اراضيهم. الامر الذي اضطرهم للتخلي عن الزراعة والهجرة للبحث عن مورد للعيش، فاصبحت العديد من القرى بدون سكان. وبسبب شح المياه وجفاف البرك المائية التي كانوا يعيشون قربها، وندرة العشب في الأرض التي كان اصحاب الغنم يرعي فيها وتجاوز درجات الحرارة الخمسين مئوية، فقد الرعاة الكثير من مواشيهم مما اضطرهم الى بيع المتبقي باسعار زهيدة، وباتوا بلا أي موارد او معونات.

ان هبوط منسوب المياه لسد دربندخان الذي يبعد بمسافة 80 ميلا شمال شرقي ديالى على امتداد نهر سيروان، تعكس ازمة المياه وصعوبة تنظيم تدفقات مياه النهر لمزارعين المناطق البعيدة نزولا الى البصرة جنوبي العراق. ومن المفترض ان يحصل العراق على ضعف الكمية من ايران، التي تسيطر على 70% من مخزون السد، والتي حفرت مؤخرا قناة بطول 29 ميلا لتحويل مجرى المياه عن نهر سيروان. ما أدى ذلك، فضلا عن قلة هطول الامطار، الى تراجع مناسيب السد بمعدل الخمس، والى تدني "منسوب مياه السد" بشكل لا يطمئن، وأثرعلى مستوى المياه التي كانت سابقا بشكل يدعو الى القلق ما لم تتخذ الاجراءات ويتحرك العراق بجدية للمطالبة بحقوقه المائية التي تنص عليها المعاهدات والقوانين الدولية.. المثير حسب رأي موظف إيراني يعمل في مجال الموارد المائية لدى وزارة الطاقة الإيرانية، قوله لاحدى الصحف الغربية، (لا اعتقد بان الشكاوي العراقية ودعواتهم لمقاضاة ايران هي عادلة. ليس لديهم موقف قانوني في المحاكم الدولية لان كل المشاريع التي نفذتها ايران شهدت تدفق مياه كافية داخل الأراضي العراقية). لكنه قال ان إيران "تتملص عن مسؤوليتها". فما الموقف الرسمي العراقي.. وما النتائج؟. والى متى يبقى العراق الطرف المفعول به؟. بسبب تضارب المصالح الداخلية والخارجية وفقدان الهوية  الوطنية والشعور بالمسؤولية؟.

***

عصام الياسري

 

في المثقف اليوم