آراء

بوتين: الغرب لا يستطيع إقصاء دولة ما من السياسة العالمية

كريم المظفرأصبحت عمليات التكامل مع أقرب الشركاء الجغرافيين في منطقة أوراسيا في مواجهة صعبة بين الغرب وروسيا أكثر أهمية، والموضوع الرئيسي للمنتدى الاقتصادي الأوروبي كان قضايا التفاعل الأعمق في البيئة الصناعية والطاقة والنقل والمالية والرقمية، بمشاركة أكثر من 2000 ضيف، بمن فيهم رئيسا وزراء أرمينيا وبيلاروسيا، ورؤساء روسيا وكازاخستان وقيرغيزستان.

الجلسة العامة للمنتدى الاقتصادي الأوراسي الأول، الذي تم إنشاؤه بقرار من المجلس الاقتصادي الأعلى للمنطقة الأوروبية الآسيوية، ويتزامن مع اجتماع SEEC، من أجل زيادة تطوير التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية الأوراسية، كان الموضوع الرئيسي للمنتدى في عام 2022 والذي عقد في العاصمة القرغيزية بيشكيك هو "التكامل الاقتصادي الأوروبي الآسيوي في عصر التغيير العالمي، والفرص جديدة للنشاط الاستثماري، ومناقشة الاتجاهات الواعدة للتطوير الاستراتيجي للتكامل وتعميق التفاعل في البيئة الصناعية والطاقة والنقل والمالية والرقمية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان حاضرا وبقوة بكلمته عبر تقنية الفيديو، شدد فيها على أن دول الغرب الجماعي لن تكون قادرة على عزل الاتحاد الروسي وأقرب شركائه عن الاقتصاد العالمي، علاوة على ذلك، فإن سياسة العقوبات، بحسب الرئيس الروسي، تضر بتلك الدول التي تطبق إجراءات تقييدية، وفي الوقت نفسه، فإن الدول التي تخضع للقيود، بما في ذلك روسيا، التي تم بالفعل فرض أكثر من 10.000 عقوبة عليها، على العكس من ذلك، أصبحت أقوى.

وخاطب الرئيس الروسي الغرب بأنه لا يستطيع إقصاء دولة ما من السياسة العالمية والاقتصاد والرياضة، وأن روسيا تعتزم الحفاظ على موقعها في الاقتصاد العالمي، على الرغم من محاولات عزلها، وقال: "ندرك المزايا التكنولوجية الهائلة في التقنيات العالية في الاقتصادات المتقدمة، لن نقطع أنفسنا عن ذلك، إنهم (الغرب) يريدون الضغط علينا قليلا، لكن في العالم الحديث هذا ببساطة غير واقعي، ببساطة مستحيل. إذا لم نفصل أنفسنا بنوع من الجدار، فلن يتمكن أحد من فصل دولة مثل روسيا"، وعن انسحاب بعض الشركات الغربية من السوق الروسية، وأكد بوتين بأن انسحاب شركات من روسيا هو جيد، إذ ستحل مكانها شركات محلية (روسية).

أوراسيا الكبرى هي من وجهة نظر روسيا، وبدون مبالغة، مشروع حضاري عظيم، والفكرة الرئيسية هي خلق مساحة مشتركة للتعاون المتكافئ للمنظمات الإقليمية، حيث تم تصميم الشراكة الأوروبية الآسيوية الكبرى لتغيير الهيكل السياسي والاقتصادي، لتصبح ضامنًا للاستقرار والازدهار في القارة بأكملها، وبالطبع مع مراعاة تنوع نماذج التنمية والثقافات والتقاليد لجميع الشعوب، واعرب بوتين عن تأكيده انه من الواضح جدًا أنه سيكون مركزًا سيثير اهتمام الكثير من الناس، لذلك قال الرئيس، إنه لم يعد يوجد أي "شرطي عالمي" يمكنه أن يمنع البلدان من انتهاج سياسة مستقلة، وضرب بوتين بقبضته على الطاولة خلال حديثه عن الولايات المتحدة التي وصفها بـ "الشرطي العالمي"، مضيفا انه في مواجهة المشاكل داخل بلدانهم، سيدركون أن هذا لا آفاق له على الإطلاق، وان " سرقة ممتلكات الآخرين لم تجلب سابقا لأحد الخير"، محذرا في الوقت نفسه الدول الغربية من مصادرة الممتلكات الروسية في الخارج.

إن التجاهل لمصالح الدول الأخرى في المجال السياسي والأمني، كما أصبح واضحًا، يؤدي إلى الفوضى والاضطرابات الاقتصادية، وهذا يؤثر على العالم عالميًا، وفي الدول الغربية، هم على يقين من أن أي شخص مرفوض لديه وجهة نظر خاصة به ومستعد للدفاع عنها يمكن حذفه من الاقتصاد العالمي والسياسة والثقافة والرياضة، لا شيء من هذا القبيل يحدث بالفعل، ومن المستحيل تحقيق ذلك، كما قال بوتين.

وفي إطار الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، تم تشكيل خارطة طريق للتصنيع، ولديها أكثر من 180 مشروعًا بإجمالي استثمارات تزيد عن 300 مليار دولار، وقد تم إعداد برنامج لتطوير الصناعة الزراعية يضم أكثر من 170 مشروعًا بقيمة 16 مليار دولار، كما وأنشأت بلدان "الخمسة" الأساس لتشكيل فضاء رقمي مشترك، بما في ذلك نظام موحد لتتبع البضائع، ويتم تطوير حلول المنصات المختلفة بنشاط، على سبيل المثال، نظام البحث "العمل بلا حدود"، وهو مهم جدا لجميع بلدان الاتحاد، على الرغم من كل ظواهر الأزمة على ما يبدو المرتبطة بالوضع السياسي الحالي، فإن حجم استقطاعات العمالة المهاجرة من روسيا إلى بلدانهم لا يتناقص عمليًا، بل إنه يتزايد في بعض البلدان .

وكما تتوسع ممارسة التسويات بالعملات الوطنية، وهو أمر مهم للغاية، كما يراها الرئيس بوتين، ولاحظ أن حصتها في التجارة المتبادلة لدول الاتحاد قد وصلت بالفعل إلى 75 في المائة، وسيتواصل العمل على الاقتران والاستخدام المتبادل لأنظمة الدفع الوطنية والبطاقات المصرفية، واعتبار أنه من المهم تسريع الحوار حول موضوع آليات مالية والتسوية الدولية، بما في ذلك الانتقال من نظام SWIFT إلى اتصالات المراسلة المباشرة بين بنوك الدول الصديقة، بما في ذلك من خلال نظام الرسائل المالية للبنك المركزي الروسي كما نقترح تعزيز التعاون مع المراكز المالية الرئيسية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

لقد حان الوقت من وجهة نظر الرئيس الروسي، لصياغة استراتيجية شاملة لتطوير شراكة أوروآسيوية كبيرة، وينبغي أن تعكس التحديات الدولية الرئيسية التي تواجهها، وكذلك تحديد الأهداف طويلة الأجل، وتحتوي على أدوات وآليات لتحقيقها، ومن الضروري النظر في مزيد من الخطوات لتطوير نظام لاتفاقيات التجارة والاستثمار، بما في ذلك مشاركة منظمة شنغهاي للتعاون، ورابطة دول جنوب شرق آسيا ودول البريكس، كما ويمكن التحدث عن تشكيل اتفاقيات جديدة تعمل على تطوير واستكمال قواعد منظمة التجارة العالمية، والتي من المهم فيها الانتباه ليس فقط إلى التعريفات، ولكن أيضًا إلى إزالة الحواجز غير الجمركية، والتي يمكن أن يكون لها تأثيرات أكثر أهمية دون تعريض الاقتصادات الوطنية للمخاطر.

ومع تطور الاحداث العالمية سواء في أوكرانيا أو حول الصين، فإن علاقات روسيا مع الصين لا تعني السعي إلى إقامة تحالف عسكري ضد طرف ثالث، كما يقول وزير الخارجية سيرغي لافروف " نحن لا نشكل تحالفات أبدا ضد أي طرف، ولا نصنع صداقات مع أي شخص ضد أي شخص آخر"، لأن لموسكو شبكة كاملة وشبكة واسعة من المنظمات الشريكة، تم إنشاؤها منذ سنوات عديدة، والحديث يدور عن الهياكل التي تشكلت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وان توقيع اتفاقية بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وجمهورية الصين الشعبية، تعني من وجهة نظر الدبلوماسية الروسية أن الاقتران في كل عمليات التكامل، يغطي المزيد والمزيد من المناطق، والاشارة على سبيل المثال إلى أنه بالإضافة إلى التفاعل بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمة شنغهاي للتعاون، فإن هذه المنظمات لديها مذكرات تعاون مع الآسيان، وبالتالي، هنا مشروع ما يسمى بأوراسيا الكبيرة، الشراكة الأوروبية الآسيوية الكبيرة، والتي ينبغي أن تغطي القارة الأوراسية بأكملها، ويجري تشكيل هذا المشروع في أساس العمليات الحقيقية على الأرض " وله بعد أوراسي بشكل علني " حسب تعبير الوزير لافروف .

كما أن العديد من دول العالم العربي تبدي اهتماما بإقامة شراكات مع منظمة شنغهاي للتعاون، حيث يتم تمثيل جميع المناطق الفرعية الرائدة الأخرى في القارة الشاسعة المشتركة، وأوضح رئيس الدبلوماسية الروسية أن هذه العمليات لبناء تحالفات بناءة وإيجابية، وليس تحالفات عدائية، وهي غير موجهة ضد أي طرف آخر، وتكتسب تدريجيا طابعا عالميا، ويتجلى في تطوير دول البريكس "الخمس" - البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب افريقيا، في وقت تبدي اهتماما في أن تصبح عضوا كامل العضوية في بريكس، مثل السعوديون، ودولة مثل الأرجنتين، وأشار لافروف إلى أنه كجزء من القمة المقبلة لهذا "الخماسي"، سيتم عقد تنسيق للتواصل تشارك فيه اثنتا عشرة دولة، معظمها من الدول النامية.

وتشدد روسيا على أن الوضع يظهر مرة أخرى، في أن التفكير الاستعماري والعادات الاستعمارية " للزملاء " الغربيين لروسيا لم تختف في أي مكان، وأن كلا من الولايات المتحدة بأسلوبها وأوروبا بأسلوبها التاريخي لا يزالان يفكران بأساليب استعمارية، عندما يكون لديهم الحق في الإملاء على أي شخص آخر، والذي وصفه الوزير لافروف بالأمر السيء والمحزن، وهذا يتعارض مع العملية التاريخية، التي تكمن موضوعيا في حقيقة أن عالم متعدد الأقطاب يتم تشكيله الآن، ولديه عدة مراكز للنمو الاقتصادي، والسلطة المالية، والنفوذ السياسي، سواء في الصين أو في الهند، وان الجميع يفهم بالفعل أن هذه هي، بالطبع، الاقتصادات الأسرع نموا والبلدان المؤثرة، وبالطبع، كذلك البرازيل ودول أمريكا اللاتينية الأخرى.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

في المثقف اليوم