آراء

فنلندا: قوى المعارضة لحلف الناتو تواصل نشاطها

حتى اسابيع قريبة، عرفت فنلندا، بكونها البلد المسالم والمحايد في سياساته الخارجية، بل ان سياسة الحياد النشطة والمحبة للسلام، كانت أحد الأسباب التي جعلت من العاصمة الفنلندية، هلسنكي، المكان الأمثل لاستضافة مؤتمرات وقمم دولية تعني بالسلام العالمي، لكن الحرب الدائرة على الأرض الأوكرانية غيرت كل المعادلات، فلم تعد فنلندا البلد المعني ببناء الجسور بين الشرق والغرب، فلقد صوت البرلمان الفنلندي، ظهر الثلاثاء 17 أيار 2022، في تحول تاريخي في الموقف، على طلب الانضمام لحلف الناتو، بأغلبية 188 ضد 8 فقط. كان أبرز المصوتين، نواب حزب الاتحاد الوطني الفنلندي (يمين تقليدي) الذي طالما كان اشد المطالبين بالانضمام للناتو، وصوت أيضا نواب حزب الوسط، حزب الخضر والاشتراكي الديمقراطي، وكانت هذه الاحزاب لسنوات ماضية تعارض الانضمام للناتو وتشترك في الحكومة الحالية التي كان من أبرز نقاط برنامجها البقاء خارج التحالفات العسكرية، وينص ان (الهدف من السياسة الخارجية والأمنية لفنلندا هو منع فنلندا من أن تصبح طرفًا في النزاع العسكري. تنتهج فنلندا سياسة استقرار نشطة لمنع التهديدات العسكرية. لا تسمح فنلندا باستخدام أراضيها لأغراض عدائية ضد دول أخرى)، المفارقة ان حزب اتحاد اليسار، الذي دخل التحالف الحكومي باشتراط عدم الانضمام للناتو، شهد انقساما في صفوفه، فقررت قيادته ان البقاء في الحكومة يكون بمعزل عن الموقف من الناتو، ومنح نوابه الاثني عشر الحرية في التصويت، فصوت نصفهم بالضد ونصفهم مع.

وتبدو الصورة في فنلندا، من خلال وسائل اعلام الدولة، كأن الجميع، أحزاب وشعب موافقون على الانضمام إلى الناتو، ويمكن للمتابع بسهولة ملاحظة أن الأصوات المعارضة تكاد تكون غائبة عن وسائل الاعلام، وسبق لوزير الخارجية الأسبق أركي توميويويا، من قادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي المخضرمين، في حديث مع راديو NPR الامريكي أن انتقد الاعلام الفنلندي وطريقة إدارة النقاش قائلا (أن من ينتقد الناتو يتهم بكونه عميلا لبوتين)، والمفاجئ أنه صوت لاحقا بالانضمام للناتو.

ويرى الاقتصادي والكاتب السياسي أوريو هاكنينن، الرئيس السابق للحزب الشيوعي الفنلندي، في مقال منشور في مدونته بأنه تم دفن عدم الانحياز العسكري الفنلندي في البرلمان حين تمت الموافقة بالإجماع على مقترحات الحكومة واللجنة البرلمانية للشؤون الخارجية بشأن الانضمام إلى الناتو. مشيرا إلى أنه في البداية، وعد رئيس الجمهورية ورئيسة الوزراء بإعداد تقرير موضوعي للبرلمان يتم فيه تقييم الخيارات المختلفة بعدة طرق. ومع ذلك، تم إعداد التقرير لتبرير خيار واحد فقط، وهو الانضمام إلى الناتو، ويرى انه لم يتم التطرق إلى إمكانية وفوائد عدم الانحياز العسكري على الإطلاق في التقرير الذي وافقت عليه الحكومة بالإجماع. وبين بأنه عندما انضمت فنلندا إلى الاتحاد الأوروبي، كان هناك نقاش مدني واسع واستفتاء شعبي، والآن، حتى البرلمان لم يُمنح فرصة حقيقية لتقييم الخيارات المختلفة، كان دوره فقط مباركة حل تم إجراؤه في دائرة صغيرة.

وفي نفس الوقت يرى تجمع (اوقفوا الناتو)، المدعوم من الحزب الشيوعي الفنلندي ومنظمة السلام الفنلندية، إلى جانب منظمات وجمعيات ثقافية واجتماعية، والذي دعا إلى التظاهر في الرابع من حزيران الجاري، ان غالبية الشعب الفنلندي يواصل معارضة الناتو، وان استطلاعات الرأي المنشورة خدعة، وان الاستفتاء الشعبي هو الفرصة الوحيدة للجميع. ويعرض الموقع الرسمي للتجمع أسبابا عديدة تدعو إلى معارضة الانضمام للناتو اذ يرى انه يزيد من العنف والمعاناة وان (أفضل سياسة للسلام هي الاهتمام بدولة الرفاهية)، وينتقد الانجرار وراء سياسات الولايات المتحدة الامريكية، ويعتبرها الدولة الأكثر خطورة ونشاطا عسكريا في العالم، إذ كانت في حالة حرب مستمرة تقريبًا طوال فترة وجودها، ويذكر بان حدود فنلندا التي يبلغ طولها 1344 كيلومترًا مع روسيا ستكون الخط الأمامي لحلف شمال الأطلسي في مواجهة روسيا. وكان النائب ماركوس موستايارفي، من اتحاد اليسار قدم في البرلمان اثناء عملية التصويت، وجهة النظر المعارضة، التي شاركه فيها ستة من رفاقه والتي طالبت بأجراء استفتاء شعبي. وفي حديث خاص لطريق الشعب مع الشاعر والصحفي ماركو كورفولا، بين أنه لا يعتقد بأن أمر الاستفتاء سينجح، لأن النخب السياسة الحاكمة أعدت للأمر بسرعة وأيضا ان اتحاد اليسار، الذي عرف طويلا بمعارضته للناتو، يعاني حاليا انقساما في موقفه ولا يدعم موضوع الاستفتاء وانه للأسف يتجاهل أيدولوجيته اليسارية ويتصرف وفق موقف انتهازي لجني بعض المكاسب على المدى القصير. وردا على سؤال من طريق الشعب لمحرر موقع (اوقفوا الناتو) على فيس بوك، حول الجهود الواقعية المبذولة في قضية الاستفتاء، أجاب بأن من المحتمل تمامًا أن تركيا تبقي فنلندا بعيدًا عن الناتو لفترة كافية قبل الحصول على العضوية الكاملة حتى الانتخابات البرلمانية التالية، وفي هذه الحالة ستكون هناك إمكانية لإدراجه ضمن الأوراق الانتخابية.

وعمليا يبقى الحزب الشيوعي الفنلندي، القوة الأساسية المعارضة للانضمام للحلف، من خارج البرلمان، وجهوده منصبة على تحريض الشارع الفنلندي، ويرى الحزب في بياناته وافتتاحيات دوريته (Tiedonantajai) الأسبوعية بإن انضمام فنلندا إلى الناتو لن يجلب الاستقرار إلى المنطقة، بل المزيد من التوتر، إذ يؤدي تحويل الحدود الشرقية لفنلندا لحدود بين الناتو وروسيا إلى جلب المزيد من القوات المسلحة والنشاط العسكري. وأكدت بيانات الحزب بان فنلندا عندها، ستنجر إلى صراعات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وتذكر البيانات بأن تقرير الحكومة الفنلندية نفسه يشير إلى ان الدفاع المشترك للناتو يعتمد في النهاية على القدرة العسكرية والرادع النووي للولايات المتحدة.

***

هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز

في المثقف اليوم