آراء

داعش وتفتيت المنطقة

محمد محفوظعلى مستوى المآلات والمقاصد السياسية والموضوعية، يمكن القول: أن ثمة علاقة موضوعية تصل في بعض الفترات إلى مستوى التخادم الموضوعي غير المباشر بين تنظيم داعش الإرهابي ومشروعات الولايات المتحدة الأمريكية .

فالمشروعات الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة قائمة على مركزية المشروع الصهيوني في المنطقة ومده بأسباب التفوق النوعي على عموم الدول العربية والإسلامية، وتضعيف الدول المركزية في المنطقة العربية ودفع الأمور على المستويين السياسي والميداني، باتجاه تفتيت هذه الدول وتشجيع المكونات والتعبيرات الفرعية صوب بناء واقعها السياسي بمعزل عن شركاء الوطن. وهذا ما تشهده بعض المدن والقوى الاجتماعية والسياسية في العراق وسوريا ..

فكل المعطيات تدفع بشكل لا لبس فيه أن الإدارة الأمريكية تشجع بطريقة أو أخرى على  تفتيت الدول العربية عبر إدخالها في أتون الصراعات الداخلية التي تصل إلى مستوى كسر العظم والسعي عبر أقنية عسكرية وأمنية عديدة لاستهداف الجيوش العربية والتي هي أحد عناصر الوحدة الوطنية في العراق وسوريا. فحينما تتشظى المؤسسة العسكرية، فإن الطريق لعملية التفتيت تبقى سالكة ومريحة لكل الارادات  الإقليمية والدولية والتي تستهدف وحدة المنطقة. وثمة وثائق أمريكية وغربية عديدة، تثبت وجود هذه الرؤية والمخطط لتصحيح اتفاقية سايكس بيكو وتنفيذ خطة برنارد لويس القاضية بتقسيم 18 دولة عربية إلى مجموعة دويلات وإمارات صغيرة .ومن ضمن هذه الوثائق التي نشرتها مجلة القوات المسلحة الأمريكية بعنوان حدود الدم، والتي وضعها الجنرال المتقاعد رالف بيترز عام 2006. وتشير هذه الوثيقة إلى أن بلوغ هذه الغاية سيتم عبر سلسلة نزاعات محلية وإقليمية، يؤدي عنفها في النهاية إلى التخلص من حدود 1916م. إضافة إلى وثائق ومشروعات أخرى، كلها تتفق حول ضرورة إخضاع العالم العربي إلى تقسيم جديد. ويبدو من طبيعة الأحداث، أن تفجير الأوضاع العربية من الداخل كما تمارسه جماعة داعش الإرهابية، هو أحد الطرق الأساسية لتحقيق التقسيم الجديد للمنطقة.

ولو تأملنا في مشروع داعش السياسي والميداني، نج د أنه يلتقي موضوعيا مع الرؤية والمشروع الأمريكي في المنطقة، فتنظيم داعش بعملياته القتالية وبنهجه المتطرف الذي يحارب كل من يختلف معه، هو أحد أدوات التفتيت الفعالة في المنطقة اليوم.. 

وعليه فإن كل من يراهن على نجاح مشروع داعش في المنطقة، هو شريك في مشروع تجزئة وتفتيت المنطقة بمعايير طائفية ومذهبية، بحيث يبقى الكيان الصهيوني هو القوة المتحكمة في مسار المنطقة على المستويين الاستراتيجي والأمني. 

ودائما ووفق تجارب سياسية عديدة، جماعات التطرف والإرهاب تخدم مشروعات دولية كبرى سواء بعلاقة ذاتية بهذه المشروعات الدولية الخطيرة أو عبر تحالف موضوعي، بحيث تصب نتائج أفعال هذه التنظيمات الإرهابية في مصلحة مشروعات ومخططات الغرب في المنطقة . 

فالعلاقة على مستوى المآلات والنتائج بين تنظيم داعش الإرهابي وما تخطط إليه الولايات المتحدة الأمريكية للمنطقة قائمة ومتداخلة في أغلب ملفات المنطقة. 

فأفعال داعش وإرهابها العابر للمناطق وسعيها الحثيث لخلط الأوراق وتجاوز الكثير من الخطوط الحمراء هو الذي أعاد بعض الحيوية للمشروع الأمريكي في المنطقة. فالعودة الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية ما كانت لتتم بدون بروز تنظيم داعش الإرهابي وإسقاطه لمدينة الموصل في شمال العراق وتهديده لمجمل العملية السياسية في العراق. 

وإسراع داعش بعد سيطرتها على الرقة والموصل إلى إعلان دولة الخلافة ضمن حدود سيطرتها على بعض الأراضي العراقية والسورية هو أحد تجليات تقسيم المنطقة على أساس تحويل دول المنطقة إلى دويلات متحاربة ومتقاتلة مع بعضها البعض لاعتبارات مذهبية أو قومية. ولعل أحد العوامل الأساسية التي ساهمت في إنعاش وتظهير مشروع بايدن  للعراق هو تنظيم داعش وإعلانه دولة الخلافة. فتنظيم داعش أوجد كل المبررات السياسية والأمنية والميدانية لمشروع بايدن للعراق .. 

فداعش مخترقة من قبل أجهزة عديدة، ولو تأملنا في عدد الغربيين الملتحقين بمشروع داعش الإرهابي، يجعلنا ندرك أن للإدارات الغربية حضور أمني وازن في تنظيم داعش. وسعي الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لمحاربة داعش وبناء تحالف دولي لمواجهته لا يعارض تلك الحقيقة السالفة الذكر.

فثمة ضرورات غربية لإنعاش اقتصادها المريض والغطاء المالي للتحالف الدولي سيقوم بهذه المهمة. كما أن المشروع الأمريكي كما يبدو ليس القضاء على داعش، وإنما تقليم أظافره، لأنه لم يستنفد كل أغراضه منه.. فالحرب الأمريكية على داعش، ستعيد هذا التنظيم الإرهابي إلى بيت الانسجام الاستراتيجي مع المشروع الأميركي في المنطقة. لأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تسمح لأي قوة سواء دولة أو جماعة أو تنظيم أن تتحول إلى قوة وازنة في المنطقة بعيدا عن المظلة الأمريكية. وبفعل التطرف المذهبي والاختراق الأمني ستتمكن الولايات المتحدة الأمريكية مجددا من السيطرة على مسار حركة داعش في المنطقة. 

فنهج هذا التنظيم الطائفي ساهم في تأجيج نار الفتنة الطائفية في عموم المنطقة، كما أن طموحها الأيديولوجي أخاف الكثير من دول المنطقة. لذلك نتمكن من القول أن تنظيم داعش الإرهابي أعاد خلط الأوراق وساهم في إرباك المنطقة وجعلها مشغولة بذاتها، بحيث أضحى الكيان الصهيوني هو الطرف الوحيد المستريح من هذا الانشغال والارتباك. 

ولأول مرة في تاريخ المنطقة الحديث، تصبح كل دول وشعوب المنطقة مشغولة بذاتها وتعاني من الكثير من المشاكل الداخلية، بحيث أضحى الانشغال بالملفات الإقليمية الكبرى كالقضية الفلسطينية دونه صعوبات حقيقية ..

فتنظيم داعش الإرهابي أعاد بناء الأولويات في المنطقة، بحيث أضحت الملفات الأمنية والسياسية الداخلية هي المسيطرة على أجندة وجدول الكثير من الدول والقوى السياسية في المنطقة.

وعليه فإن دول المنطقة، جميعا معنية بإفشال مشروع داعش التفتيتي للمنطقة، وذلك عبر الالتفات إلى النقاط التالية :

1. إن تنظيم داعش الإرهابي، لا يمكن أن يواجه فقط بضربات عسكرية جوية، وإنما مواجهته بحاجة إلى مشروع سياسي رائد وطموح للمنطقة، يستهدف بالدرجة الأولى إنهاء المشكلات السياسية والأمنية بين دول المنطقة، وتعزيز أسباب التفاهم بينها، وتطوير نظام التعاون بين دول المنطقة. فقوة تنظيم داعش الإرهابي في الخلافات السياسية القائمة بين دول المنطقة. لذلك فإن معالجة هذه المشاكل وصياغة مشروع للتنسيق والتعاون بين دول المنطقة، يعد إضافة ضرورية وحيوية في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي. 

2. كل دول المنطقة معنية بتنقية ساحاتها الداخلية من بعض الأزمات والمشاكل، التي تضر بمستوى الانسجام بين مؤسسة الدولة وقوى المجتمع المختلفة . 

3. على الدول العربية أن تعبر عن مخاوفها بشكل جدي من تقسيم العراق وسوريا. لأن تقسيم هذين البلدين، سيدخل المنطقة بأسرها في أتون صراعات سياسية وطائفية بدون أفق سياسي أو إمكانية فعلية في التحكم بمسار هذه الصراعات . فمهما كان تقوي  الدول العربية للنظامين السياسييم في العراق وسوريا , فإن وحدة هذين البلدين من ضرورات الأمن القومي للمنطقة كلها , ولا يجوز وطنيا وقوميا الصمت أمام المحاولات الحثيثة التي تستهدف تقسيم سوريا والعراق . 

ومن الضروري أن يدرك الجميع أن تقسيم العراق وسوريا إضافة نوعية لمشروع داعش في المنطقة وهيمنة صهيونية إستراتيجية على عموم المنطقة. لذلك فإن الحرب ضد داعش، تقتضي العمل على إفشال مخططاته التقسيمية للمنطقة. 

من هنا فإن صيانة وحدة العراق وسوريا، هو صيانة لوحدة كل دول المنطقة، وإفشال لمخطط داعش الإرهابي. 

ولا يمكن أن نواجه تنظيم داعش ومخططات الغرب التقسيمية في ظل صمتنا على محاولات تقسيم العراق وسوريا. فلا مواجهة فعلية وفعالة لتنظيم داعش، بدون سعي جميع العرب مهما كانت مواقعهم السياسي لإفشال مخططات تقسيم العراق وسوريا .

***

محمد محفوظ   

في المثقف اليوم