آراء

وباء جدري القرود.. صدفة أم مؤامرة؟

محمود محمد عليفي وقت لا يزال العالم يتعافى من وباء كورونا الذي انتشر على مدى أكثر من عامين، بدأت أسئلة تتعالى بشأن ما إذا كان من الممكن أن يتحول فيروس جدري القرود، الذي أعُلن عن ظهوره أخيرا، إلى وباء عالمي جديد مثلما حصل مع فيروس كورونا.

ولهذا نجد أنه مع انتشار جدري القرود، استعاد رواد مواقع التواصل الاجتماعي تصريحات سابقة لمؤسس شركة مايكروسوفت، بيل جيتس، حذر فيها من تفشي الجدري، وقبل أقل من نصف عام، تحدث قطب صناعة التكنولوجيا "جيتس" عن احتمال أن فيروساً مستوطناً يمكن أن يضع سكان العالم تحت المجهر مرة أخرى.

وأشار غيتس لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية خلال مؤتمر ميونيخ الأمني السنوي بألمانيا في الشهر نفسه إلى أن وباءً جديدًا محتملًا "قد ينشأ من عامل ممرض مختلف عن عائلة فيروس كورونا"، لافتًا إلى أن "تكلفة الاستعداد للوباء القادم ليست كبيرة، إذا تحركنا مبكرًا في المرة المقبلة".

وقد دق مسؤولو الصحة العالمية ناقوس الخطر بشأن ارتفاع عدد الإصابات بجدري القرود في أوروبا ومناطق أخرى، وهو نوع من الإصابة الفيروسية الأكثر شيوعا في غرب ووسط القارة الأفريقية.

وينتمى فيروس جدرى القرود Monkeypox إلى فصيلة فيروسات الجدرى، وتشمل أعراضه الحمى والصداع والانتفاخ وآلام الظهر وآلام العضلات والخمول وطفحًا جلديًا غالبًا فى راحة اليدين وباطن القدمين. وتختفى العدوى دون تدخل طبى بعد أن تستمر الأعراض حوالى 14 إلى 21 يومًا. رئيسة وكالة الأمن الصحى فى بريطانيا " جينى هاريز" تُعلنها: "جميع الأشخاص الذين تم اكتشاف إصابتهم بفيروس (جدرى القرود) من المثليين جنسيًا".

وجدرى القرود له أعراض مشابهة للجدرى، ولكنه أكثر اعتدالًا منه، مع العلم أن الجدرى البشرى تم الإعلان عن القضاء عليه منذ عام 1980، وبالإضافة إلى الأعراض الشبيهة بالإنفلونزا تؤدى العدوى إلى طفح جلدى مميز، خاصة على راحة اليدين، وينتشر جدري القرود عبر الاتصال الجنسي ويسبب ظهور طفح جلدي في معظم الحالات على أعضائهم التناسلية والمنطقة المحيطة بها.

وكثير من المصابين هم من المثليين ومزدوجي الميل الجنسي، قال لي البروفيسور السير بيتر هوربي، مدير معهد علوم الأوبئة في جامعة أكسفورد: "نحن أمام حالة جديدة جداً، إنها مفاجئة ومثيرة للقلق".. صحيح أنه يقول إن هذا ليس نوعاً ثانياً من كوفيد، إلا أننا "بحاجة إلى التحرك" لمنع الفيروس من الحصول على موطئ قدم وعلينا " تجنب شيء كهذا" كلياً.. يوافقه الرأي الطبيب هيو أدلر، الذي عالج مصابين بجدري القرود ويقول: "لم نرَ هذا النمط من قبل، إنها مفاجئة".

وتتضمن أعراض جدري القرود، الحمى، والصداع، والانتفاخ، وآلام الظهر، وآلام العضلات، والخمول، وبمجرد ارتفاع درجة الحرارة يظهر طفح جلدي بداية من الوجه ثم ينتقل إلى أجزاء أخرى من الجسم، لكنه يكون في أغلب الأحيان في راحة اليدين وباطن القدمين، وتختفي العدوى دون تدخل طبي بعد أن تستمر الأعراض ما بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع.

ويشير التسلسل الجيني المبكر لعدد قليل من الحالات في أوروبا إلى وجود تشابه مع السلالة التي انتشرت بطريقة محدودة في بريطانيا وإسرائيل وسنغافورة في عام 2018، وقال بعض الباحثين إنه "من المعقول بيولوجيا" أن الفيروس كان ينتشر خارج البلدان التي يتوطن فيها الفيروس، لكنه لم يؤد إلى تفش كبير نتيجة لإجراءات الإغلاق المتعلقة بمكافحة كوفيد-19 والتباعد الاجتماعي وقيود السفر، وشدد هؤلاء الباحثين على أن تفشي جدري القرود لا يشبه الأيام الأولى لجائحة كوفيد-19 لأنه لا ينتقل بسهولة، ورغم أن عدد الحالات المؤكدة حول العالم حتى الآن لا يزال محدودا، إلا أن الذعر بشأن المرض كان حديث وسائل التواصل الاجتماعي، وتصدر وسم جدري_القرود موقع تويتر في العديد من البلدان العربية، وحذر البعض في تغريدات من تكرار السيناريو الذي حصل مع بداية وباء كورونا، عندما لم يقر البعض بالإصابة ولم يلتزم كثيرون بالإجراءات الصحية، ما أوصل العالم إلى وضع خطير.

ويوجد نوعين أو فرعين حيويين لفيروس جدري القرود، حيث يقسم هذا الفيروس إلى المجموعتين التاليتين: الأول: فيروس جدري القرود الوسط إفريقي، ويتميز هذا النوع بتسببه بأعراض أكثر شدة من النوع الآخر، وتسببه بنسب أعلى من الوفيات، كما أن عملية انتقاله من شخص لآخر عن طريق التلامس موثقة.. الثاني : فيروس جدري القرود الغرب إفريقي، والذي يسبب أعراض أقل شدة من النوع الآخر، كما أن عملية انتقاله من شخص لآخر عن طريق التلامس محدودة.

وجدري القردة مرض فيروسي نادر وحيواني المنشأ (يُنقل فيروسه من الحيوان إلى الإنسان) وتماثل أعراض إصابته للإنسان تلك التي كان يشهدها في الماضي المرضى المصابون بالجدري، ولكنه أقل شدّة. ومع أن الجدري كان قد استُؤصِل في عام 1980 فإن جدري القردة لا يزال يظهر بشكل متفرق في بعض أجزاء أفريقيا.. وينتمي فيروس جدري القردة إلى جنس الفيروسة الجدرية التابعة لفصيلة فيروسات الجدري.

ويري البعض أنه قد كُشِف لأوّل مرّة عن هذا الفيروس في عام 1985 بالمعهد الحكومي للأمصال الكائن في كوبنهاغن، الدانمرك، أثناء التحري عن أحد الأمراض الشبيهة بالجدري فيما بين القردة،     ولقد كُشِف لأول مرّة عن جدري القردة بين البشر في عام 1970 بجمهورية الكونغو الديمقراطية (المعروفة باسم زائير في وقتها) لدى صبي عمره 9 سنوات كان يعيش في منطقة استُؤصِل منها الجدري في عام 1968. وأُبلِغ منذ ذلك الحين عن حدوث معظم الحالات في المناطق الريفية من الغابات الماطرة الواقعة بحوض نهر الكونغو وغرب أفريقيا، وخصوصاً في جمهورية الكونغو الديمقراطية التي رُئِي أنها موطونة به، والتي اندلعت فيها فاشية كبرى للمرض في عامي 1996 و1997.

وأُبلغ في خريف عام 2003 عن وقوع حالات مؤكّدة من جدري القردة في المنطقة الغربية الوسطى من الولايات المتحدة الأمريكية، مما يشير إلى أنها أولى الحالات المُبلّغ عنها للإصابة بالمرض خارج نطاق القارة الأفريقية، وتبيّن أن معظم المرضى المصابين به كانوا قد خالطوا كلاب البراري الأليفة مخالطة حميمة.

واندلعت في عام 2005 فاشية لجدري القردة في ولاية الوحدة بالسودان وأُبلِغ عن وقوع حالات متفرقة في أجزاء أخرى من أفريقيا. وفي عام 2009، قامت حملة توعية في أوساط اللاجئين الوافدين من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى جمهورية الكونغو بتحديد وتأكيد حالتين للإصابة بجدري القردة، فيما جرى احتواء 26 حالة ووفاتين في إطار اندلاع فاشية أخرى للمرض بجمهورية أفريقيا الوسطى في الفترة الواقعة بين آب/ أغسطس وتشرين الأول/ أكتوبر 2016.

وتنجم العدوى بالمرض من الحالات الدالة عن مخالطة مباشرة لدماء الحيوانات المصابة بعدواه أو لسوائل أجسامها أو آفاتها الجلدية أو سوائلها المخاطية، وقد وُثِّقت في أفريقيا حالات عدوى نجمت عن مناولة القردة أو الجرذان الغامبية الضخمة أو السناجب المصابة بعدوى المرض، علماً بأن القوارض هي المستودع الرئيسي للفيروس. ومن المُحتمل أن يكون تناول اللحوم غير المطهية جيداً من الحيوانات المصابة بعدوى المرض عامل خطر يرتبط بالإصابة به.

ويمكن أن ينجم انتقال المرض على المستوى الثانوي أو من إنسان إلى آخر عن المخالطة الحميمة لإفرازات السبيل التنفسي لشخص مصاب بعدوى المرض أو لآفاته الجلدية أو عن ملامسة أشياء لُوِّثت مؤخراً بسوائل المريض أو بمواد تسبب الآفات. وينتقل المرض في المقام الأول عن طريق جزيئات الجهاز التنفسي التي تتخذ شكل قطيرات تستدعي عادةً فترات طويلة من التواصل وجهاً لوجه، مما يعرّض أفراد الأسرة من الحالات النشطة لخطر الإصابة بعدوى المرض بشكل كبير. كما يمكن أن ينتقل المرض عن طريق التلقيح أو عبر المشيمة (جدري القردة الخلقي)، ولا توجد حتى الآن أيّة بيّنات تثبت أنّ جدري القردة يمكنه الاستحكام بين بني البشر بمجرّد انتقاله من شخص إلى آخر.

وحدّدت الدراسات التي أُجرِيت مؤخراً عن الحيوانات في إطار بحث نموذج انتقال جدري القردة من كلاب البراري إلى الإنسان طورين مختلفين من الفيروسات – ألا وهما طور فيروسات حوض نهر الكونغو وطور فيروسات غرب أفريقيا – علماً بأن الطور الأول أشد فوعة.

ويعد جدرى القرود ضمن الأمراض الفيروسية النادرة من نفس عائلة الجدرى، ولكنه أقل حدة بكثير، ويوجد فى المناطق الاستوائية الممطرة والنائية، مثل وسط إفريقيا وغربها، كما ينتقل من الحيوان إلى الإنسان، ومن إنسان إلى آخر، خاصة فى المناطق الاستوائية.

وقد شهد المرض تغيرات وبائية فى السنوات الأخيرة، بما فى ذلك التغييرات فى عمر المصابين وموقع العدوى ورصد الحالات الجديدة فى لندن وشمال شرق إنجلترا، وأعلنت منظمة الصحة العالمية عن تخوفها من تحول جدرى القرود لوباء عالمى بعد انتشاره فى لندن بعد أن كان محصورا فى نيجيريا فقط. وبحسب السلطات الصحية ذكرت معدل الإصابة بنحو ٩ حالات فى بريطانيا وحالة فى الولايات المتحدة و٥ حالات فى البرتغال و١٣ حالة كندا و٧ حالات فى إسبانيا وغير موجود فى مصر وليس من المحتمل أن يتحول لجائحة.

وتتمثل خطورة الفيروس فى انتشاره عن طريق قطيرات الجهاز التنفسى للآخرين خلال السفر بالطائرات وفى المطارات منخفض جدًا حاليًا لأن المسافرين على الرحلات الجوية مطالبون بارتداء الكمامات فى الطائرات والمطارات بسبب جائحة كوفيد-١٩، كما ثبت فى الماضى أن التطعيم ضد الجدرى ناجع بنسبة ٨٥٪ فى الوقاية من جدرى القرود، غير أن هذا اللقاح لم يعد متاحًا لعامة الجمهور بعد أن أُوقِف التطعيم به فى أعقاب استئصال الجدرى من العالم وتتمثل الأشخاص الأكثر عرضة للخطر هم المخالطون المنزليون للمصابين، وتشمل الأعراض فى الحمى والصداع الشديد وتضخم الغدة الليمفاوية وألام فى الظهر والعضلات وظهور الطفح الجلدى.

***

د. محمود محمد علي

.....................

المراجع:

1- بسمة أبوطالب: بيل جيتس وتحذير سابق من "جدري القرود".. "صدفة أم مؤامرة؟"، العين الإخبارية، الأربعاء 2022/5/25 12:38 م بتوقيت أبوظبي.

2- محمد إبراهيم بسيوني :جدرى القرود لا يُقلق، المصري اليوم، من النسخة الورقيه العدد: 6554 جميع الاعداد

3-أنظر مقال بعنوان جدري القرود: هل نحن أمام وباء جديد؟، البي بي سي نيوز ، 24 مايو/ أيار 2022

4- أنظر موقع منظمة الصحة العالمية: جدري القردة، 19 أيار/مايو 2022.

في المثقف اليوم