آراء

المسلمون والتهليل الإعلامي والتوظيف السياسي

عباس علي مرادمنذ صدور نتائج الإنتخابات الأسترالية النهائية وتشكيل حزب العمال الحكومة الجديدة برئاسة انتوني البانيزي بعد فوزه ب77 مقعداً من أصل 151، والإعلام الأسترالي الناطق بالإنكليزية أو بالعربية يضجّ بالتهليل لوجود وزيرين من الطائفة الإسلامية، حتى أن بعض المراسلين أشار إلى الموضوع أثناء زيارة رئيس الوزراء لأندونيسا الاسبوع الماضي بقوله أن حكومة البانيزي تضم أول وزير مسلم وسلّط الكاميرا على الوزير وكأن العلاقة بين الدولتين سيقررها هذا الوزير.

قبل الدخول في صلب الموضوع نريد ان نوضح أن أستراليا بموجب المادة 116 من الدستور هي دولة علمانية وتنص المادة على أنه لا يجوز للبرلمان التمييز ضد الناس بسبب دينهم. كما تنص على أن الدين يجب الا يكون شرطاً مسبقاً لتولي المنصب، ولا يمكن للدولة أن تؤسس أو تروج لأي دين معين.

بالرغم من علمانية الدولة فإن الحريات الدينية وحرية العبادة مصانة وتوجد قوانين لحظر التمييز بموجب قوانين مكافحة التمييز في أستراليا على المستوى الفيدرالي وفي الولايات في مجموعة من مجالات الحياة العامة، بما في ذلك التعليم والتوظيف ومنها حظر التمييزعلى أساس العمر والإعاقة والعرق والجنس والهوية الجنسية والتوجه الجنسي.

هناك عدة محطات لها رمزيتها برزت على خلفية الانتخابات الفيدرالية الأخيرة

منها انتخاب اول رئيس وزراء من خلفية غير انكلوسكسونية (ايطالي)، وتعيين اول إمرأة من السكان الاصليين لتولي حقيبة  السكان الأصليين الأستراليين، كما ان نسبة النساء اللواتي استلمنا حقائب وزارية هي النسبة الاعلى في تاريخ أستراليا، علماً ان النسبة كانت أعلى عندما كانت الحكومة بالمعارضة حيث شكلت 50% بالإضافة لتعيين الوزيرين المسلمين.

نعم العالم يتغير، وأستراليا ليست بمنأى عن هذا التغيير من النواحي الديمغرافية، الإجتماعية، الإقتصادية الثقافية، والسياسية، ورغم بطء عملية التغيير لتحاكي أستراليا القرن الحادي والعشرين.

من هنا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي، هل كان الأمر يستحق هذه الإحتفالية بمفهومه الضيق من خلال التركيز على الوزيرين المسلمين؟!

الإحتفالية التي رافقت تعيين أول وزيرين مسلمين في حكومة العمال، وانتخاب اول محجبة في مجلس الشيوخ، سواء من الإعلام او بعض أبناء الجالية المسلمة في أستراليا ليست الحدث الأهم لنتائج الإنتخابات على رمزيتها كما تقدم، وعلى المحتفلين ان لا ينسوا ان الوزيرين اتنخبا كمرشحين حزبيين وليس عن طائفة بعينها وهذه حقيقة لمن لا يعلمها وانهم يمثلون احزابهم وليس جالياتهم او طائفتهم، ولم يترشحوا للإنتخابات بصفة دينية ومن انتخبهم ليسوا فقط مسلمين بل مواطنين انتخبوا حزب طرح مشروع سياسي لتغيير الوضع في البلاد  بعد فشل مشروع الحزب الحاكم وسياسته على أكثر من صعيد إقتصادي، مالي، ثقافي وسياسي.

الأمر الملفت والأبرز الذي تجلى بعد الإنتخابات هو نفور الناخبين من الحزبين الكبيرين واحتكارهما للسلطة حيث صوت اكثر 30% من الناخبين لصالح الأحزاب الصغيرة والمستقلين، وتراجع نسبة الأصوات الأولية للحزبين الكبيرين إلى أدنى مستوى لها منذ تأسيس الفيدرالية عام 1901، رغم ان النصر نصراً كما قالت الوزيرة تانيا بليبرسك بغض النظر عن النسب والمقاعد.

المؤشر المهم على التحول السياسي في البلاد والتصويت في الإنتخابات قائم على مقاربة غير طائفية او دينية بل من خلال التركيزعلى  قضايا وطنية، ثقافية واقتصادية مستقبلية على تماس مع حياة المواطنين المعيشية والحياتية منها على سبيل المثال وليس الحصر قضية الإسكان وغلاء المعيشة والتغييرات المناخية والإحتباس الحراري…

لا شك ان هناك نوع من التوظيف السياسي لهذه الإحتفالية لأنه لا يمكن التعويل على براءة الإعلام الأحزاب السياسية التي تسعى وتستغل كل الأساليب لتحقيق مآربها حيث الغاية تبرر الوسيلة.

من هذا المنطلق اعتقد ان مقاربة هذا الأمر بهذه الطريقة والإحتفالية سيف ذو حدين خصوصاً للقادمين من بلاد عانت وما زالت آفة الطائفية السياسية او الجهوية وغيرها مقدمة على المواطنة والتي تلغي الدور السياسي للمواطن، وهذا ما يؤمنه النظام السياسي المعمول به في أستراليا وان كان لا يعتبر كاملاً، ولكن يجب التنبه إلى ان الكفاءة هي سبب تعيين الوزيرين والتزامهما الخط السياسي للحزب وليس الإنتماء الطائفي.

أخيراً، ان الكرة في ملعبنا كمواطنين ويجب ان نقارب الأمر بأسلوب مختلف ومقاربة ذات طابع سياسي لا ديني، حتى لا نتحمل وزر فشل وزير او وزيرة بسبب انتمائهما الديني وعلى المسلمين ان يتصرفوا على أنهم جزء من المجتمع وأن هذا هو وطنهم ويريدون المساهمة في تطوره على كافة المستويات الثقافية والسياسية والاقتصادية وعيش حياتهم بشكل طبيعي رغم الصعوبات التي قد تواجههم كما باقي المواطنين، ولا يجب ان ننسى ان للدين دور إيجابي وحاسم للقيام بذلك من خلال الوعي الانساني والحب والإحترام وقبول بعضنا البعض الذي يسهم في بناء مستقبل أفضل وعادل وهذا لا يتعارض مع القيم الدينية الصحيحة والإيمان السليم الذي يولد الثقة في المجتمع.

*** 

عباس علي مراد - سدني  

في المثقف اليوم