آراء

لماذا لايحتج الاقتصاديون؟

صلاح حزامسألني صديق محترم سؤالاً وجيهاً، قال فيه: لماذا لايحتج الاقتصاديون عندما لايكترث أحد بقواعد علم الاقتصاد ولايستمع أحد الى نصائح وآراء الاقتصاديين التي يعلنون عنها ؟؟

فكرتُ في سؤال ذلك الصديق، وقلت له ان ذلك هو وضع الاقتصاديين في العالم منذ فترة طويلة.

 ليس فقط في الدول التي يحكمها طغاة، بل في العالم الرأسمالي ايضاً وبدرجة اقل.

السوفييت طردوا وعاقبوا خيرة الاقتصاديين لانهم:

 اغترفوا من نهر الفكر الرأسمالي وحاولوا خلطه مع الماء الاشتراكي البروليتاري وبذلك فهم تحريفيون !!

بعضهم غادر الى الغرب واستفاد العالم من افكارهم.

في كوبا اصبح جيفارا وزيراً للاقتصاد بالخطأ، وعاثت سياساته الثورية فساداً باقتصاد كوبا مع وجود اقتصاديين كوبيين اكفاء لكن كاسترو فرط بمصلحة الاقتصاد لكي لايحرج صديقه ورفيق نضاله مع ان كوبا كانت تعاني من الحصار الاقتصادي الامريكي!! وتحتاج الى خيرة المفكرين الاقتصاديين لمواجهة الحصار وتداعياته.

في العراق، طرد صدام حسين واحداً من دكاترة الاقتصاد ومن اكبر المسؤولين في وزارة التخطيط لانه طرح فكراً لاينسجم مع فكر الحزب والثورة ( بزعم ان الحزب كان لديه فكر اقتصادي) مع ان الرجل قال كلاماً منطقياً، وأمر بنقله الى معمل العلف في التاجي في اكبر اهانة.

وعاقب واحداً من افضل اقتصاديي العراق وانزل درجته الوظيفية من رئيس هيئة (تساوي رئيس مؤسسة) الى مساعد باحث وهي درجة تمنح لحامل بكالوريس حديث التخرج، مع ان الرجل يحمل الدكتوراه في الاقتصاد وكفاءته معروفة.

السبب انه مستقل في تفكيره .

وفي ظل الحصار الاقتصادي، تم الغاء وزارة التخطيط العراقية التي كانت افضل اكاديمية تجمع المختصين في الاقتصاد والمال . مع ان البلد محاصر اقتصادياً ..

علمياً، السياسة دالة للاقتصاد، بمعنى ان المتغير المستقل هو الاقتصاد والسياسة هي المتغير التابع .

بمعنى ان القوة الاقتصادية وحقائق الوضع الاقتصادي هي التي تحكم السياسة وتحكم سلوك السياسيين وتحدد الى حد كبير اهمية البلد على الصعيد الدولي.

في كثير من الاحيان يحصل العكس في الواقع ويكون الاقتصاد وقراراته خاضع لمشيئة السياسيين المتغطرسين.

في الغرب وكمثال في بريطانيا، بعد حصول الازمة المالية العالمية عام ٢٠٠٨، ذهبت الملكة الى مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية واجتمعت مع الكادر العلمي لكي تعاتبهم على عدم قيامهم بتنبيه المؤسسات والحكومة الى بوادر الازمة قبل حصولها؟مع انهم اعرق مدرسة اقتصادية في العالم ومن اكثرها هيبة!!

اجابها عميد المدرسة قائلاً: كنا نكتب عن الازمة المحتملة وبوادرها منذ فترة طويلة ولكن لا احد يكترث بما نقول.

العيون كانت تذهب باتجاه ماتقوله البنوك ورجال بورصة لندن و وول ستريت مع انهم كانوا يكذبون ويخفون الحقائق عن حقيقة الاوضاع، كما اتضح لاحقاً من التحقيقات.

حتى في ازمة الكساد الكبير في مطلع الثلاثينيات، حسب مايقوله ميلتون فريدمان، تبنت المؤسسات افكار كينز لانها تدعو الى مزيد من الانفاق الحكومي لتحفيز الطلب في حين ان السبب الاساسي للأزمة، في نظر فريدمان، هو سياسة التقييد التي اتبعتها البنوك !!

وبذلك تمت تبرئة البنوك وتحملت الحكومات العبء.

ماذا يفعل الاقتصاديون ؟؟ هل يتظاهرون ويقطعون الطرق ويحرقون الاطارات؟

ليس لديهم سوى الكتابة والحديث والنشر وتقديم النصائح وبناء توقعاتهم عن الاتجاهات المستقبلية للمتغيرات الاقتصادية والمالية ونقد وتحليل السياسات واقترح سياسات بديلة.

حتى الله جعل الايمان بكتبه ورسله طوعياً دون اكراه..

هل ان الاقتصاديين اقوى من الله؟

اصبحت بعض طروحات الاقتصاديين موضع تندّر من قبل بعض الذي طَفَوا على سطح السياسة، وكانوا يتهمونهم بعدم الواقعية وعدم استيعاب ضرورات الواقع.

صار الاقتصاد مهنة من لامهنة له واصبح الجميع باحثين ومحللين اقتصاديين.

اصبح الاقتصاد الوطني ميداناً للتجريب والاختبار وطرح الفرضيات الخاطئة.

تراجعت الاهتمامات التنموية وتقدمت المعالجات الشعبوية

التي تحقق مكاسب سياسية للبعض.

لم يعد أحد يكترث بمستقبل الاقتصاد وانما بالريع النفطي المتدفق.

***

صلاح حزام

 

في المثقف اليوم