آراء

بوتين الغرب وقع بالفخ

كريم المظفربالتزامن مع اختتام اجتماعات قمة السبعة، واجتماع قادة الناتو، وما رافقها من اعمال "مسخرة" باتت محط اهتمام جميع متابعي شبكات التواص الاجتماعي ومحطات التلفزة، عندما أراد قادة المجموعة السبعة في الواقع، خلق حالة من " السخرية " على شخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لتنقلب هذه المزحة على رؤوس " المجتمعين " وصاروا الجميع يتندرون عليهم، ويتحدونهم بأن يقوموا بمثل ما قام به الرئيس الروسي، والذي لايسع المقام هنا لشرح تفاصيله، وسنعدكم بمقالة خاصة حول هذه " المهزلة " الغربية .

الرئيس الروسي لم يفوت هذه الفرصة (فرصة اجتماع السبعة والناتو ) لإرسال رسائل مباشرة في ذات الوقت الذي يقومون "بالتآمر" على بلاده بشكل " فاضح ووقح "، ليؤكد من خلال رسالته الى منتدى سانت بطرسبورغ الخامس للقنون الدولي، استمرار روسيا في نهجها وتحقيق أهدافها التي من اجلها بدأت العملية العسكرية الروسية الخاصة في او أوكرانيا، او ايديولوجيتها المتمثلة بضرورة الاستمرار في تشكيل نظام متعدد الأقطاب للعلاقات الدولية بنشاط، لأن هذه العملية لا رجعة فيها، إنها تحدث أمام أعين الجميع، وهي موضوعية بطبيعتها، وان موقف روسيا والعديد من البلدان الأخرى هو أن مثل هذا النظام العالمي الديمقراطي الأكثر عدلا يجب أن يبنى على أساس الاحترام والثقة المتبادلين، وبالطبع مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة المعترف بها عالميا.

في الوقت نفسه، هناك اليوم وكما يرى بوتين كلمات مفادها أن القانون لم يعد قادرا على الاستجابة بشكل كاف لمشاكل وتحديات العصر، للتغيرات السريعة والأساسية، فهناك أيضا تقييمات أكثر جذرية حول إلغاء مفهوم القانون الدولي ذاته، وقال " أنا لا أتفق بشكل أساسي مع مثل هذه الاستنتاجات"، وبطبيعة الحال، فإن نظام القانون الدولي يحتاج إلى تطوير، ولكن ليست هناك حاجة، كما يقولون، إلى الخلط بين السبب والنتيجة، فالأزمات لا تولد بسبب الرذائل المزعومة المتأصلة في القانون.

والنقطة مختلفة: في محاولات استبدال القانون بإملاء، والمعايير الدولية بالولاية الوطنية للدول الفردية أو مجموعات الدول، في رفض متعمد لاتباع المبادئ القانونية غير القابلة للتصرف المتمثلة في العدالة والنزاهة والمساواة والإنسانية هذه ليست مجرد صيغ قانونية، ولكن على وجه التحديد تلك القيم التي تعكس تنوع الحضارات، لذلك فهناك بعض الدول ليست مستعدة لقبول فقدان الهيمنة على المسرح العالمي، فهي تسعى إلى الحفاظ على نموذج أحادي القطب غير عادل، تحت ستار ما يسمى النظام القائم على القواعد والمفاهيم المشكوك فيها الأخرى .

كما تحاول تلك الدول (الغربية) السيطرة على العمليات العالمية وتوجيهها حسب تقديرهم، فهم يتجهون إلى إنشاء كتل وتحالفات مغلقة تتخذ قرارات مفيدة فقط لبلد واحد - الولايات المتحدة الأمريكية، ويتم تجاهل الحقوق الطبيعية للمشاركين الآخرين في العلاقات الدولية، ويتم تفسير المبدأ الأساسي لعدم قابلية الأمن للتجزئة بشكل انتقائي، ووصلت العقوبات الأحادية غير المشروعة التي فرضها الغرب على دول ذات سيادة إلى نطاق غير مسبوق، ويضيف الرئيس بوتين أن تلك البلدان التي تبشر بحصريتها، وفي سياستها الداخلية، تتخطى القانون، تعبر عن مفاهيم مثل حرمة الملكية وحرية التعبير، وباختصار، إن هيمنة بلد واحد أو مجموعة من البلدان على المسرح العالمي ليست غير منتجة فحسب، بل إنها خطيرة أيضا وتولد حتما مخاطر نظامية واسعة النطاق.

النظرة الروسية ترى ان في عالم متعدد الأقطاب في القرن الحادي والعشرين، يجب ألا يكون هناك مكان لعدم المساواة والتمييز بين الدول والشعوب، ولذلك، فإن موسكو تؤيد التنفيذ العملي للمبدأ القانوني الدولي الأساسي المتمثل في المساواة في السيادة بين الدول وحق كل فرد في نموذج التنمية الخاص به، لذلك فإن جدول الأعمال الروسي في الشؤون الدولية كان دائما ولا يزال بناء، فتعمل روسيا على تطوير علاقات متعددة الأقطاب مع كل من يهتم بهذا الأمر، وتعلق أهمية كبيرة على التعاون في الأمم المتحدة ومجموعة العشرين وبريكس ومنظمة شانغهاي للتعاون والجمعيات الأخرى، كما ان موسكو منفتحة على الحوار بشأن ضمان الاستقرار الاستراتيجي، والحفاظ على نظم عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، وتحسين الحالة في مجال تحديد الأسلحة، ويشدد الرئيس الروسي بالقول " نحن نهدف إلى توحيد الجهود بشأن مواضيع حيوية مثل جدول أعمال المناخ، ومكافحة الجوع، وضمان استقرار أسواق الغذاء والطاقة، والقواعد العادلة للتجارة الدولية والمنافسة".

كل هذه المجالات التي تحددها روسيا تتطلب تنظيما قانونيا مناسبا ومرنا، وعملا مشتركا مضنيا، وبعد ذلك لن تكون هناك أزمات مماثلة لما يحدث اليوم في دونباس من أجل حماية سكانها من الإبادة الجماعية وليس هناك تعريف آخر لأفعال نظام كييف، باستثناء جريمة ضد الإنسانية، وفي الوقت نفسه، ستواصل روسيا السعي إلى إقامة عالم أكثر ديمقراطية وعدلا تكفل فيه حقوق جميع الشعوب والحفاظ على التنوع الثقافي والحضاري للبشرية، واعرب الرئيس بوتين عن ثقته من أنه لا يمكن حل أصعب المشاكل التي تواجه العالم إلا باتباع القانون الدولي بثبات، والعمل على أساس جماعي، وضمان التنمية المستقرة والمستدامة والتدريجية لجميع الدول. ويمكن للمحامين وعلماء القانون، بل وينبغي لهم، أن يقدموا إسهاما كبيرا في استعادة سلطة القانون، وتعزيز مؤسساته، واستعادة الثقة في العلاقات الدولية.

والرسالة الثانية التي وجهها الرئيس الروسي جاءت من قلب مقر جهاز المخابرات الخارجية الروسي بمناسبة الذكرى المئوية للاستخبارات المحلية غير القانونية،، والتأكيد على ان التنبؤ الاستراتيجي للعمليات الدولية وتحليلها ينبغي أن يكون واقعيا وموضوعيا يستند إلى معلومات موثوقة وأوسع نطاق من المصادر الموثوقة، وان ما يسمى بالغرب الجماعي سقط في العديد من الطرق في مثل هذا الفخ، وفي أفعاله تنبع من حقيقة أنه لا يوجد بديل لنموذجهم للعولمة الليبرالية، وهذا النموذج-دعنا نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية-لا يزال هو نفس الإصدار المحدث من الاستعمار الجديد، لا شيء آخر، عالم على الطراز الأمريكي، عالم للنخبة، حيث يتم ببساطة سحق حقوق الجميع.

والتأكيد الواضح على ذلك هو مصير العديد من دول وشعوب الشرق الأوسط، ومناطق أخرى من العالم، واليوم الملايين من الناس في أوكرانيا، الذين يستخدمهم الغرب ببساطة بسخرية كمواد مستهلكة في الألعاب الجيوسياسية، في محاولاته "لاحتواء" روسيا، ذلك " الاحتواء " الذي لايسمح لروسيا بالتطور بالسرعة التي تحتاجها وعلى أساس القيم التقليدية التي تحتاجها، وهذا يعني نوع من الردع هو هذا، انها مجرد معركة مع روسيا، في الوقت نفسه، يحاول الغرب تجاهل حقيقة غير مريحة لنفسه – تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب، بالطبع، لا يمكنهم تجاهل هذه الاتجاهات الموضوعية تماما، لكن في سياستها العملية، تسترشد بهدف واحد-الحفاظ على هيمنتها بأي وسيلة.

ان عدم الرغبة في مواجهة الحقيقة يزيد حتما من خطر المزيد من الأعمال غير المدروسة والمتهورة من جانب الغرب، لكن في الوقت نفسه، وكما يرى الرئيس بوتين، فإن هذا يفتح الوضع فرصا لروسيا وشعبها المتشابه في التفكير في العالم وكما هو معلوم فهناك الكثير من هؤلاء الأشخاص ذوي التفكير المماثل، ومع ذلك، يخشى البعض من رفع رؤوسهم وقولها بصوت عال، لكنهم يفكرون معهم ( مع الروس ) في نفس الوضع تقريبا، وهناك العديد منهم، هذه البلدان والشعوب ذات التفكير المماثل، الشعوب التي تريد أن تسلك طريقها الخاص، على أساس مبادئ تعددية الأطراف الحقيقية، لذلك فان تعدد الأقطاب في المفهوم الروسي هو في المقام الأول الحرية، وحرية البلدان والشعوب، وحقها الطبيعي في مسار التنمية الخاص بها، في الحفاظ على هويتها وتفردها، وفي مثل هذا النموذج من النظام العالمي، لا يمكن أن يكون هناك مكان للإملاءات، والقوالب التي يفرضها شخص ما، وأفكار حصرية البلدان الفردية أو حتى بعض الكتل .

الرسالة الأخيرة التي أراد ايصالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للزعماء الغربيين، جاءت خلال لقاءه بالرئيس الاندونيسي جوكو ويدودو، الذي حمل رسالة بدوره من الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي، أكد الرئيس الروسي أن روسيا كانت ولا تزال واحدة من أهم المنتجين الزراعيين في العالم، وأنها توفر الغذاء لأكثر من 160 دولة، و أن موسكو لا تقيد بأي شكل من الأشكال تصدير الأسمدة والمواد الغذائية، كما أنها لا تعرقل نقل الحبوب الأوكرانية إلى الأسواق العالمية.

ودافع الرئيس بوتين عن بلاده ضد الاتهامات الغربية بأن موسكو هي السبب الرئيس في ازمة الغذاء العلمية، واكد أيضا أن سياسات الغرب الاقتصادية غير الخاضعة للمراقبة، هي السبب في اختلال توازن سوق الغذاء لفت إلى أن العقوبات المفروضة على الموانئ البحرية الروسية تخلق صعوبات لأسواق المواد الغذائية والأسمدة، وأن العقوبات المفروضة على أصحاب شركات الأسمدة وعائلاتهم تجعل الاتصالات صعبة وتعقد التعاملات المالية.

أن اختلال أسواق المواد الغذائية من وجهة بوتين هو نتيجة مباشرة لسنوات عديدة من السياسات الاقتصادية غير المسؤولة لعدد من البلدان، والإنفاق غير المنضبط وتراكم الديون غير المضمونة، وقد تفاقم الوضع منذ بداية وباء فيروس كورونا، مشددا في الوقت نفسه على أن الدول الغربية، التي لا تريد الاعتراف بخطأ مسارها الاقتصادي، تزيد من زعزعة استقرار الإنتاج الزراعي العالمي من خلال فرض قيود على توريد الأسمدة الروسية والبيلاروسية.

تكرر موسكو انها لا تقيد بأي شكل من الأشكال تصدير الأسمدة والمواد الغذائية، كما أنها لا تعرقل عملية نقل الحبوب الأوكرانية إلى الأسواق العالمية، ولكن لا أحد يمنع كييف من نزع الألغام التي زرعتها قواتها في مياه البحر الأسود التي تمر عبرها ممرات نقل بحرية، كما أن العقوبات المفروضة على الموانئ البحرية الروسية تخلق صعوبات لأسواق المواد الغذائية والأسمدة، وأن العقوبات المفروضة على أصحاب شركات الأسمدة وعائلاتهم تجعل الاتصالات صعبة وتعقد التعاملات المالية.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

في المثقف اليوم