آراء

نيرة أشرف.. شهيدة القيم المهدرة

ألمني حادث نيرة أشرف الذي حدث في الأسبوع الماضي بجمهورية مصر العربية، تلك الفتاه الجميلة التي قتلت وذبحت بدم بارد بطريقة داعشية مرعبة في وسط ذهول واندهاش الجميع أمام كمبس جامعة المنصورة من خلال شاب مأفون يدعي محمد عادل؛ ذلك المجرم الذي قتلها لأنها استخدمت أبسط حقوقها في رفضه عريسا.. جن جنونه وهددها عدة مرات برسائل نصية على تليفونها المحمول وعندما أبلغت أسرتها قاموا بتحرير عدة محاضر ضده لكنه نفذ تهديده وذبحها على الهواء أمام المارة في جريمة وثقتها كاميرات الشارع والمتفرجين الذين غابت عنهم النخوة والشهامة ولم يبادر أحدهم لإنقاذها.

والمجرم في أقواله لدى النيابة كان قد أعلن في وقاحة أنه راود الفتاة عن قلبها فأبت واستعصمت بحريتها الشخصية، غير أن غيرته القاتلة، وسلوكه الإجرامي كان دافعاً لقتلها واغتيال أنوثتها وشبابها بالنحر.

وفي اليوم التالي كان المشهد مهيباً داخل أروقة جامعة المنصورة، ويحضره جلال الموت ويكسوه السواد والدموع على "نيرة" التي رحلت ربما لتنير الطريق لملايين الشباب والشابات لأخذ العبرة والحيطة فيما هو آت.

إن هذا الجيل هو بحق كما قال الدكتور حسن حماد (في مقال له بعنوان " نيرة بأي ذنب قتلت" في صحيفة الوفد المصرية)، قد رضع من ثدى مُسمم امتزجت فيه ثقافة المهرجانات والتفاهات بثقافة التكفير وازدراء النساء. لذلك أرى أن الجريمة ليست جنائية فحسب، لكنها أيضًا ثقافية، وهى جريمة لا تقع مسئوليتها على محمد عادل القاتل وحده، ولكن على مجمل مفردات هذه الثقافة، ودليلي على ما أقول أن رواد التواصل الاجتماعي قد بدلوا صورة نيرة الشهيدة ووضعوا حجابًا فوق رأسها وألبسوها إسدالاً، وبذلك فقد اختزلوا مأساة الضحية في قطعة قماش تستر بها ما ظهر من جسمها لأنها فى نظرهم عورة وفتنة للناظرين، وهى بالتأكيد محاولة خبيثة من قبل الذهنية الداعشية التي استوطنت بالعقل الجمعي المصري من أجل تبرير الجريمة وقتل الضحية مرة ثانية باعتبارها المحرضة على الفحشاء، وبوصفها الجانية الحقيقية، ومن ثم يصبح القاتل هو الضحية أو المجنى عليه. وقد أكد على ذلك الشيخ مبروك عطية الذى قام بنشر فيديو يتضمن إدانة مباشرة لنيرة، وتبريرا وتبرئة للقاتل، وتحقيرا وترويعا لكل أنثى غير محجبة!

قتلها رجل دين ترك صلب القضية وراح يهذي بأن عدم ارتداء الفتاة الحجاب يشجع على قتل البنات..قتلها صناع أفلام البلطجة والعنف الذين اتخذ القاتل من أحدهم قدوة والتقط الصور معه..قتلها مسئولو الوزارات المعنية عن تربية النشء الذين انشغلوا عن رسالتهم فانحرف الشباب إلى عالم الجريمة والمخدرات... دم نيرة في رقابنا جميعا لا أستثني منا أحدا فأنزل القصاص العادل الكلمة التي يمكن أن تشفي غليل قلوب موجوعة في الدنيا انتظارا لعقاب السماء يوم القي

لفيف من الأساتذة والطلاب قدموا هدية "روحية" برسم بورتريه خاص لها في مكان الحادث تخليدا لذكراها.. وعلى جنبات من الطريق المؤدي إلى بوابة جامعة المنصورة "توشكى"، زين أصدقاء الفتاة جدارية "نيرة" بالورود، وبورتريه بصورتها الزاهية، التي لقيت حتفها، على يد زميلها أمام الجامعة، وبدموع يملأها الشجن ودع طلاب كلية الآداب بجامعة المنصورة زميلتهم المغدورة، بالوقوف حدادا على روحها، وتأدية صلاة الغائب عليها.

وقديما قالوا " من الحب ما قتل " سامحها الله وغفر لها، ولكنها ليست اول مظلوم في مصر يقتل بدون ذنب اقترفه او جرم جناه او حتي اثم حاك في صدره، فالمجرم الجاني يقنن التهمة حسب هواه ويصدر الحكم وفق مزاجه و يقوم بتنفيذه وقتما يشاء، فالي الله المشتكي، " يوم هم بارزون لا يخف علي الله منهم شيئ لمن الملك اليوم لله الواحد القهار * اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم... ( مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) سورة المائدة ـ الآية 32.

كثيرون يبكون على دماء نيرة لكن الحقيقة أن الشركاء فى دمها، بامتداد الوطن، والوجع، كل المجتمع مسئول عما حدث وما وصلنا إليه من تردٍ وتدنٍ أخلاقي وقيمي.. الأسرة والمدرسة والجامعة والمسجد والكنيسة.. كلنا شركاء وحتى لا ننسى فإن نفس الفعل قام به رجل أعمال مع مطربة لبنانية,

وما كادت مصر تشيع جثمان الطالبة نيرة أشرف، رحمها الله، والتي ذهبت ضحية قاتل مجنون كان زميلاً لها في جامعة المنصورة، بعد أن رفضت الارتباط به، حتى ضج الأردن بجريمة مشابهة ذهبت ضحيتها إيمان أرشيد الطالبة في جامعة العلوم التطبيقية الأردنية، وبعيداً عن أن الجريمة مطابقة لما حصل في مصر، أو غير مطابقة، فهي جريمة بشعة ارتكبها رجل مجرم مع سبق الإصرار والترصد، يعتقد بأن له الحق في الاعتداء عليها وقتلها إذا لزم الأمر، إن هي رفضته!

إنه التطرف القادم والإرهاب الجديد ضد النساء، إنه الوباء القادم طالما نحن في سنوات الأوبئة، وفقدان البصيرة والابتلاءات التي لا نهاية لها، وإلا فماذا نسمي ما يحدث؟ هل يتصور أحدنا أن يودع ابنته على بوابة الجامعة، ثم يتسلمها جثة هامدة في نهاية اليوم، لأن مجرماً ممتلئاً بداء تضخم الأنا الذكورية وجد في كلمة لا، إهانة لا يمحوها إلا الدم، فأرسل سكيناً في قلب الفتاة حتى لا تفكر أخرى في الرفض مجدداً!..

رحم الله نيّرة أشرف، وغفر لها، ورزق أهلها الصبر والسلوان، آمين.

***

د. محمود محمد علي

أستاذ قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم