آراء

ما بين أنصار فبراير وأنصار سبتمبر وأنصار ديسمبر في ليبيا الحائرة

ابوبكر خليفة ابوبكرالليبيون بنخبهم وفئاتهم وأطيافهم منقسمون إنقساما حادا حتى بين الأسرة الواحدة أحياناً، كل فسطاط يدعون بأنهم يمتلكون ناصية الحجة الدامغة، ويرون الاخرون على حواف الضلالة وفقر اليقين..ولم تفلح الشدائد والحروب والآلام التي أورثتها النزاعات والاستقطابات والتدخلات الدولية، لم يفلح كل ذلك في جعلهم يصلون أو حتى يقتربون من نقطة سواء، فكل طرف لديه "ليبياه" التي لا يمكن أن تكون إلا وفقاً لشعاراته ومايعتقده ..ولاصوت يعلو على أصوات القدح والتخوين والتشهير ولا مجال مع كل ذلك لأصوات الحل والتثمين والتدبير..

فالفبرايريون "يرون" أنهم الأحق بليبيا، لأنهم أزاحوا "كما يعتقدون "طائلة الديكتاتورية والشمولية السمبتمبرية، والتي يرون بأنها إحتجزت ليبيا في فخ إيديولوجي طوباوي هجين يطرح نظاماً لاينتمي إلى أي من تصنيفات النظم السياسية العالمية، وحرم ليبيا من مواكبة الدول ذات المؤهلات المشابهة"كدول الخليج" بل وجعل ليبيا أشبه في بنيتها التحتية المهلهلة بالدول الفقيرة ذات الاقتصاد الهش والمتداعي، وحيث الثروة والسلطة وغنائمها وإمتيازاتها ظلت مختزلة في الشخوص وأتباعهم، وإن كان النظام يدعي غير ذلك في وسائل إعلامه وفي رسائله للعالم "كما يرى الفبرايرون".

أما السبتمبريون فيرونهم بأنهم ينتمون إلى حقبة الفخر والعزة، والتي تم فيها صنع الإستقلال وتعزيز السيادة، ونفض غبار الاستعمار الذي كان مطبقا على ليبيا، وحيث تم تأميم البترول، وأصبح الشعب يحكم نفسه عبر مؤتمراته ولجانه، التي حتى وإن لم يرتقي هذا الشعب في ممارسته لحقوقه لمستوى نصوص النظرية السباقة التي ألفها رأس النظام، إلا أنه على الأقل أي الشعب قد أصاب شيئاً من ثمار تطبيقها، حتى جاء مشروع (ليبيا الغد) لتطوير التعاطي مع هذه النظرية..لولا أن جاء المد الفبرايري لكي يعصف بهذا المشروع، بل ويجرف معها حتى الاستقلال الحقيقي لليبيا وسيادتها، وليعود بليبيا (كما يرى السبتمبريون) إلى زمن الوصاية الاستعماري.

أما الديسمبريون (أنصار عودة الملكية)، فيعودون إلى الظهور بزخم وكثافة هذه الأيام، حيث يندفع انصار هذا التوجه من نخب وفئات مختلفة،وها هي اصواتهم تعلو بضرورة العودة إلى الشرعية الدستورية الملكية من أجل إنقاذ ليبيا، التي ضاعت وتحطمت(كما يرون) بين التيارين الفبرايري والسبتمبري، وإتسعت على إثر ذلك الهوة بين الشرق والغرب والجنوب، وتجذرت الأحقاد والضغائن وأضمرت الثارات، وايضا تعمقت الشروخ السياسية بسبب أساسي (كما يؤكدون) وهو تعطيل وإلغاء العمل بدستور 1951منذ سبعينات القرن الماضي، مما جعل ليبيا منذ الوقت وحتى اليوم كمن يخوض في الوحل بدون دستور ينظم سلطاتها وشؤون مواطنيها، لذلك هاهم ينادون بإحياء هذا الدستور وعودة الملكية...

يتبع

***

د.أبوبكر خليفة أبوبكر

كاتب وأكاديمي ليبي

في المثقف اليوم