آراء

الإعتقال نظام قمعي ابتكرته فرنسا ضد الأهالي والسلطة تسير على خطاها

قد يستطيع الحاكم قمع الرأي الآخر لبعض الوقت، لكنه لا يستطيع ذلك طول الوقت، لأنه لابد أن يضعف وينهار يوما أمام التيار الجارف للسنن الكونية التي ترفض تجاهل الآخر واعتقاله وتعذيبه أو نفيه أو حتى اغتياله دون تهمة ثابتة أو دون محاكمة، من هنا فإن عطمة الحاكم وحنكته لا تظهر إلا في قدرته في معايشة الآخر والتعامل معه بأسلوب مرن مستعينا بلغة الحوار، لقد عاشت الجزائر هكذا تجربة، فماذا لو استدعى الرئيس الحالي عبد المجيد تبون أنصار الفيس وتحاور معهم وطرح كل واحد منهم تصوره لمستقبل البلاد مثلما استدعى الأحزاب السياسية الأخرى في الفترة التي عقبت الحراك الشعبي حين خرج الجزائريون إلى الشوارع في مسيرات سلمية لم يعشونها أيام مسيرات الفيس أو عشية الإستقلال، كان الحراك الشعبي ثورة سلمية تفاعلت معه السلطة والجيش بحكمة حتى لا يتكرر سيناريو 1991 ورغم عودة الهدوء إلى الساحة ما يزال مسلسل الإعتقالات مستمرا من أجل تخويف الشعب وترهيبه

يعترف أحد النفكرين الفرنسيين وهو أولفييه لوةكورغرانميزون أن فرنسا ابتكرت الإعتقال كنظام قمعي ضد الأهالي كعقوبة خاصة بهم واضافت له الحجز والتغريم الجماعي واعتبرها فاحشة من حيث هي تستخدم في قمع أفعال ليست محددة وبالتالي مشروعيته ليس محل جدل، وقد اعتمد هذا المفكر على أطروحات الحقوقي لارشي و ركتفيلد، واشار الإثنان ان السلطة الفرنسية تتبنى العلاج الأعجل والأكثر فعالية من عمل العدالة البطئء وغير المؤكد، فكان "الإعتقال" إحدى مزابا السلطات الفرنسية، اعتقال دون اي تهمة ثاتة،اتهمة هي الإخلال بالنظام العام وتهديد أمن الدولة، هذا الحكم كان يطبقه العسكريون الفرنسيون غداة احتلال الجزائر سنة 1830، فقد كتب لارشي يقول: ليس لدينا في قانوننا الفرنسي من عقوبة تماثل الإعتقال، فهي تناقض جميع المبادئ، إنها تقمع جميع الأفعال سواء كانت واقعة تحت طائلة نص أم لم تكن وسواء عرّضت حياة المواطنين الخاصة للخطر ام لم تعرضها، ويخلص إلى القول: إنها عقوبة فريدة كما أنه ليس ثمة نص يحدد الوقائع التي يمكن أو يجب أن ينطق فيها بالإعتقال، لقد بدأ الإعتقال يطبق ضد الأهالي منذ الجمهورية الثالثة اختطته مَلَكية يوليو والإمبراطورية الثانية واستمرت على هذا النهج بل وسعت نطاق تطبيقه، ويمكن إفرازه إما بصفة رئيسية أو بصفة تكميلية لعقوبة سبق لمحكمة النطق بها.

ولا يتوقف الإعتقال عند هذا الحد، بل يمتد إلى مصادرة الأملاك وذلك بمراسيم مثلما حدث في الهند الصينية وفي كاليدونيا الجديدة، كما طبق نظام جديد يكون مكملا للإعتقال، ألا وهو " النفي" كعقوبة مضاعفة في جزيرة الصنوبر وفي افريقيا الغربية الفرنسية، أما الحجز فمدته عشر (10) سنوات عقابا لكل من ارتكب أفعال التمرد ضد سلطة فرنسا والمتسببين في الإضطرابات السياسية الخطيرة والمناورات التي من شانها الإخلال بالأمن العام، كانت أول تجربة للحجز طيقت في الجزائر ضد مجموعة من الأهالي تم وضعهم في محتشادات تقع في قلب منطقة صحراوية لكن بعد ذلك وقعت تعديلات من خلال صدور قانون 15 يوليو (جويلية) 1914 المتضمن تنسيق تنظيم الأهالي، حيث ألغت الحجز داخل السجون واستبدلته بالوضع تحت الرقابة وحددت المدة بسنتين، كما حددت التهمة (العداء للسيادة الفرنسية، خطابات سياسية أو دينية من شانها المساس بالأمن العام، وغيرها) ولدى الحاكم صلاحية إبعادهم (نفيهم)،هذه التدابير طيقت على باقي الشعوب مثلما حدث في الكونغو البلجيكي وفي أوغندا كما ظهر نظام الأبارتيد في جنوب افريقيا ضد السكان السّود.

انتقادات لإعتقال فرنسا الأهالي في الجزائر

وقد لقي اعتقال الأهالي الجزائريين عدة انتقادات من قبل منظمات حقوق الإنسان باعتباره يشكل تعسفا في السلطة، لأنه تقييد للحريات، وكانت هناك مطالب بوقفه وإلغائه، ففي سنة 1901 تاسست لجنة حماية الأهالي والدفاع عنهم، واشترطت هذه اللجنة إلغاء المرسوم الخاص بالأهالي في كاليدونيا الجديدة، واعتبرت اللجنة الإعتقال سلاح رهيب وغير شرعي بل "جريمة"، إن احتجاز الجزائريين تم إلغاؤه بموجب أمر 07 مارس 1944 تأكيدا على المساواة والحقوق، إلا أنه بعد قيام ثورة نوفمبر 1954 عادت السلطات الفرنسية لمثل هذه التدابير، اي الإعتقالات بطريقة تعسفية بقيادة جي موليه في إطار قانون 16 ملرس 1956 حفاظا على أمنها العام، يؤكد حقوقيون أن التعريف القانوني للإعتقال مستحيل إذ أنه لا يناسيب شيئا متساويا قي القانون الفرنسي وهو لا يقوم على أي مبدأ معروف، ولكي تعطي فرنسا للإعتقال صبغته الشرعية أصدرت عدة قوانبن لممارسة الإعتقال في المتروبول في محتشدات وأطلقت عليها اسم "مراكز إيواء"، تقول تقارير أن الإعتقال طبق منذ مائة وسبعة عشر (117) سنة في إيالة الجزائر وتم تطبيقه في المتروبول لمدة سِتُّ (06) سنوات في الفترة بين 1938-1944 .

لم يطبق الإعتقال ضد الأهالي الجزائريين فقط بل حتى ضد الفرنسيين المسلمين، حسب الأرقام فتحت فرنسا 24 مر كز حجز CRA وخارج الأهالي الجزائريين حجزت فرنسا 242 قاصرا من ابناء الشعوب التي استعمرتها يبلغ 80 بالمائة منهم أقل من عشر (10) سنوات، كان أصغر محجوز رضيع يبلغ من العمر 03 أسابيع فقط وضع بمركز حجز مدينة رين رفقة والديه، هذه التدابير اعتبرتها منظمات حقوق الإنسان خرقا للإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، الملاحظ أنه بالرغم من ذلك، فلا لوم على فرنسا التي مارست هذه التدابير التعسفية ولا حتى على إسرائيل التي اعتقلت أشخاصا وحجزهم دون محاكمة (15 ألف فلسطيني من مختلف الأعمار قيدت حريته فيهم حتى الأطفال وهذا خلال الإنتفاظة الأولى وحدها)، لأن الأنظمة العربية ومن بينها الجزائر تمارس في حق شعوبها نفس السياسة التي انتهجتها الدول القوية المستعمِرة، نعم هي نفس السياسة التي انتهجتها السلطة الجزائرية، وهي تواجه التيار الإسلامي حيث كانت هناك اعتقالات دون محاكمة والتهمة هي الإخلال بالنظام العام دون دلائل، وبخاصة المحسوبين على الجبهة الإسلامية للإنقاذ.

ما سر عداء القرمزلي لعلي بن حاج؟

لا يسع العودة إلى الوراء لإسترجاع أحداث العشرية السوداء، بل يكفي الوقوف على ما حدث مؤخرا في ستينية استقلال الجزائر حيث تميزت هذه السنة بتقديم استعراضات عسكرية في شوارع العاصمة بعد انقطاع دام سنوات، عندما اعتقلت السلطات ابن الشهيد علي بن حاج وهو الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ (الفيس) المُحَلّة حتى تمنعه من حضور الإستعراضات العسكرية وكأنه ليس مواطنا جزائريا له كل الحقوق المدنية والسياسية بعد دخول قانون الوئام المدني والمصالحة الوطنية حيز التنفيذ، (اللهم إن كان كل شيئ شكلي، أي على الورق فقط لإستغفال الشعب والرأي العام، رغم أنه في كل مناسبة تصدر مراسيم عفو شامل على المعتقلين والذين كانوا في صف المعارضة، لاشك أن الملاحقات التي تعرض لها الشيخ علي بن حاج واعتقالاته المتكررة سببها الفتاوي التي كان يطلقها ودعوته للجهاد لبناء الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة، كان أول اعتقال له يوم 30 جوان 1990 من طرف مدنيين مسلجين أمام مقر المؤسسة الوطنية للتلفزيون، تشير أرقام أن عدد الاعتقالات التي تعرض لها علي بن حاج تصل إلى حدود 380 اعتقال، كما دخل السجن 04 مرات بأحكام متفاوتة بين 09 أشهر و05 سنوات و12 سنة ولعل استمرار مسلسل اعتقال علي بن حاج سببه هو إصرار هذا الأخير على معارضة النظام، وانتقاده الرئيس الحالي وشنقريحة، لدرجة أن السلطة اعتبرته خطرا على البلاد، ولا يحق له ممارسة أي نشاط سياسي أو التفكير في الوصول إلى الحكم، خاصة وأن علي بن حاج كان في سنة 2014 قد عبر عن رغبته في الترشح للرئاسيات

لقد أثارت فتاوبه جدلا كبيرا وأخضعت للدراسة والتحليل من قبل كثير من المهتمين بالإسلام السياسي، من بين هؤلاء أبو عبد الرحمان الأثري بن يخلف قرمزلي في رده على المقدسي والجماعات الإسلامية المسلحة في الجزائر في كتاب له بعنوان: (درء شبهات التكفير عند ابي محمد المقدسي والجماعات الإسلامية المسلحة) صدرت طبعته الأولى في 2013 عن دار العثمانية وقبل الوقوف على موقف أبو عبد الرحمان الأثري من الجبهة الإسلامية للإنقاذ يتوجب طرح السؤال التالي: لماذا التيار افسلامي في الجزائر؟ ألم تكن في البلاد العربية والإسلامية تيارات إسلامية نادت بتطبيق شرع الله؟، ألم تكن في مصر حربا أهلية؟، ألم تكن في تونس حربا أهلية؟ وفي ليبيا وفي لبنان وفي السودان وفي العراق، كل هذه الدول وغيرها عاشت الحرب الأهلية وذاقت مرارتها، فلماذا الجزائر بالذات؟، لاشك أن هذا يؤكد أنها مستهدفة، والسؤل يفرض نفسه، لماذا الفيس باذات؟، ولماذا كل هذا التحامل على علي بنحاج؟، أليس في الجزائر تيارات إسلامة أخرى سواء كانت تتفق في الغاية وتختلف في المنهج، فهذه التيارات الإسلامية لم يحدث لها ما حث للفيس الذي صودرت أصواته في انتخابات 1991، وأمر النظام بوقف المسار الإنتخابي، هو الفيس الذي التف حوله الشعب الجزائري كله ومنح له أصواته من أجل تغيير النظام ومحاربة الفساد؟ والسؤال الثالث: كيف نسمي الذين يقتلون الشباب بالسمّ (المخدرات) وفي أي خانة يمكن وضعهم؟، أليسوا إرهابيين أيضا؟

ليست هذه الورقة دفاعا عن الفيس وأنصاره أو كما يلقبونهم بـ: les fissistes وإنما هي الحقيقة التي تحاول السلطة وأدها، لقد تحدث عبد الرحمان الأثري عن أهل السنة والجماعة وموقفهم من شرع الله وضرورة تطبيقه بطريقة أو بأخرى حتى لو لزم الأمر استخدام العنف عملا بما جاءت بها بعض آيات القرآن الكريم، إلا أن موقف الأثري اتخذ طابع الهجوم على الفيس عندما قال في الصفحة رقم 449 أن هذه الجماعة بعض أفرادها حملوا السلاح وخرجوا على الحاكم بدعوى إقامة دولة إسلامبة، ولنتأمل في عبارة "دعوى" التي تحمل في طياتها مشاعر استفزازية وكأن حاملي هذه الدعوة مراهقين سياسيين، ماذا لو كان حاكمٌ في دولة دستورها يتبنى الإسلام عقيدة، حاكمٌ جائر، طاغية، يبيح في بلاده المحرمات كشرب الخمر تحت غطاء اقتصادي؟ ويقول في الصفحة نفسها الفقرة الثانية ما يلي: "وعندما كانوا يُسْألون عن موقفهم من المشاركة في العمل السياسي وعن ماضيهم في انتمائهم للجبهة الإسلامية للإنقاذ، كانوا يقولون: نحن اضطررنا لذلك (أي الحزبية)، وقد رأيناهم ما إن وضعوا السلاح حتى عادوا يطالبون بحقهم الدستوري في ممارسة العمل السياسي بل جعلوا ذلك شرطا لتركهم العمل المسلح كما سمعنا ذلك من قادتهم كالمسمى مدني مزراق أمير تنظيم الجيش الإسلامي المسلح للإنقاذ"، كان هذا كلام أبو عبد الرحمان الأثري الذي كما يقال يحاول صب الزيت على النار لإعادة إحياء فتنة نائمة.

إن طعن أبو عبد الرحمان الأثري في الفيس سببه الوحيد هو أنه من الرافظين لفكرة "الجهاد" في الجزائر مستدلا في ذلك بكبار العلماء (الألباني، الباز والعثيمين) وكانت هذه الفتاوي سببا في نزول عددا تجاوز 1000 مسلح (الصفحة 452)، طبعا لا ينكر أحد أن فتاوي هؤلاء العلماء في الدعوة إلى الصلح والسلم أمر جميل ولا يقوم بهذه المبادرات إلا عاقل، فلا أحد يقبل العنف والتطرف مهما اختلفت اشكاله واساليبه، كان علماء الجزائر لاسيما المنضوون تحت راية رابطة الدعوة الإسلامية التي أسسها الشيخ أحمد سحنون رحمه الله ورغم أن الشيخ عباسي مدني وعلي بن حاج ومحفوظ نحناح وعبد الله جاب الله كانوا من بين أعضائها، إلا أن قادة الرابطة ومنهم الشيخ سحنون نفسه كانوا مخالفين لبعض مواقف الجبهة الإسلامية للإنقاد خاصة ما تعلق بالعمل المسلح، فقد كان الشيخ أحمد سجنون رحمه الله يدعوا إلى السلم والتعقل في الرد على أعداء الإسلام ومواجهتهم وبالأخص التيارات التي كانت ولا تزال تطالب بأنسنة الدين وإلغاء التراث، وتيارات أخرى تريد مركسة الإسلام، فقد ظهرت هذه التيارات في الفترة التي بدأت الصحوة الإسلامية المعاصرة تتعاظم وترد على مزاعم الذين قالوا أن الإسلام مجرد ثورة والقرآن كتاب نظرية الثورة.

ولذا اختلف الشيخ أحمد سحنون مع عباسي مدني بعد تأسيس هذا الأخير الجبهة الإسلامية للإنقاذ ودعوته إلى تحكيم شرع الله بالقوة، كون الظرف في تلك الفترة كان ملغما، وهذا لا يعني أن أحمد سحنون لا يتفق تماما مع عباسي مدني، فقد كانت بينهما صداقة حميمية وتلاحم فكري وقواسم مشتركة في كثير من المسائل من بين أهم القضايا التي تم الإتفاق عليها هي التمكين لدين الله في الأرض، إلا أنهما اختلفا في الطريقة والمنهج، فنظرة الشيخ أحمد سحنون كانت متفتحة وأكبر من أن تحصر في حدود حزب قد لا يقوى على التحمل في الانتخابات، فأراد جمع من حوله كل المشتغلين في الحقل الإسلامي تحت رابطة الدعوة الإسلامية، وبالرغم من أنه كان مستبشرا خيرا بالجبهة الإسلامية لتبنيها النهج الإسلامي، إلا أنه كان مصرا على موقفه الرافض للعمل المسلح في مواجهة النظام سواء خلال عقد الثمانينات في عهد بويا علي أو عقد التسعينات بعد إلغاء الانتخابات ومصادرة اختيار الشعب للحلّ الإسلامي، والجبهة الإسلامية للإنقاد أنشات في مارس 1989 بعد التعديل الدستوري وإدخال التعددية الحزبية التي فرضتها انتفاضة 05 أكتوبر 1988، حيث اعترفت الحكومة الجزائرية رسميا بالجبهة الإسلامية للإنقاذ FIS في مطلع شهر سبتمبر 1989 تراسها منذ تأسيسها الشيخ عباسي مدني وهو داعية ومنظر تربوي خريج جامعات أجنبية وينوب عنه علي بن حاج، يقول أبو عبد الرحمان الأثري في الصفحة 455 من الكتاب: قد يكون للتكفيري شبهة قوية يستقيها من أحكام الجهاد، لكننا لم نجد في المتحزب إلا اتباع الهوى المحض.

أما عن علي بن حاج يضيف أبو عبد الرحمان الأثري أنه يجمع بين الفكرين: (الحزبي والتكفيري)- وذكر الرسالة التي كتبها علي بن حاج بعنوان "فصل الكلام في مواجهة ظلم الحكام" (جاء ذلك في الصفحة 256) يقول أبو عبد الرحمان الأثري في هامش هذه الصفحة متهما علي بن حاج أنه هو من علّم الناس التكفير فابتلاه الله باصحاب مكفرين وذكر ما نشرته مجلة الجماعة الإسلامية المسلحة العدد العاشر مؤرخة في سبتمبر 1996 حول سلفية علي بن حج، ويقال أن علي بن حاج كان ضحية جماعة "الجزأرة" الذين لقبوه بابن تيمية الصغير، ويضيف ان سلوكات علي بن حاج ماهي إلا حماس شاب تاثر بفتاوٍ أهلها ليسوا علماء، هي في الحقيقة تعقيبات من صاحب الكتاب تَشَتَمُّ فيها ريح الكراهية والعدائية، ما يمكن قوله أن الفيس بقيادة عباسي مدني وعلي بن حاج كان هدفهم بناء دولة إسلامبة تطبق فيها الشريعة الإسلامية تحترم فيها المرأة وتصان فيها الحرمات وتتحقق فيها العدالة الإنسانية، ثم أن دعوة الفيس لإنشاء ميليشيات كان الهدف منها تحصين البلاد من أي عدواني صليبي خاصة وأن هذه الدعوة تزامنت مع حرب الخليج، لكن المسؤولين في حكومة حمروش اعتبروها تحضيرا لحرب أهلية وبالتالي فهي خطر على البلاد وعلى مسارها الديمقراطي، قد يتساءل القارئ هل الفيس أول من أنشأ ميليشيات مسلحة؟ ألم يسبقه أحمد بن بلة للإطاحة ببومدين؟، إذن العنف لم يكن وليد ظهور الفيس، بل كان موجودا قبل إعلام الفيس الجهاد، أراد أنصار الفيس أن يثبتوا للسلطة بأنها في وادٍ والأمة في وادٍ آخر.

هذا هو عباسي مدني وهذا هو علي بن حاج

ينحدر الشيخ عباسي مدني إلى ولاية بسكرة جنوب شرق الجزائر، من اسرة محافظة متدينة، انخرط في العمل الثور وأدخل السجن، وكان من بين أعضاء رابطة الدعوة الإسلامية التيأسسها الشيخ أحمد سحنون رحمه الله، كان الشيخ عباسي مدني كما تقول التقارير يسير نحو ثورة براغماتية بأسلوب براغماتي وقد وصفه البعض بالمراوغ، له لسان مجادل يتسم بالحدة والصرامة، كان يحمل مشروع حلم من حسن البنّا إلى مصطفى بويعلي، لكنه وجد نفسه محاصرا برشاشات الجيش الجزائري لإقتياده إلى حيث اقتيد ذات يوم من نوفمبر 1954، فعباسي مدني مجاهد قبل كل شيئ، ومفكر ومنظر تربوي، خريج جامعات أجنبية، توفي عباسي مدني في المنفى، ولما أعيد جثمانه إلى وطنه منعت السلطة عائلته من حضور تشييع جنازته، أما عن علي بن حاج الملقب بـ: ابن تيمية الصغير هو من مواليد 16 ديسمبر 1956 بتونس، ينحدر من ولاية أدرار في الجنوب الجزائري وهو ابن الشهيد محمد الحبيب بن محمد الطيب بن حاج، درس علي بن حاج على يد الشيخ عمر العرباوي أحد أعضاء جمعية العلماء المسلمين وكان يحضر حلقاته العلمية في التوحيد وأصول الفقه والفقه المقارن، وكان أكثر تاثرا بابن تيمية وابن القيم الحوزية وبعلماء ودعاة جزائريين، يتميز علي بن حاج بثقافة إسلامية واسعة وعلى دراية بالأمور الفقهية بحيث لا يستطيع أن يجادله فيها أحد إلا كبار العلماء، يملك علي بن حاج لغة خطاب قوية كما عرف بعدائه للديمقراطية لدرجة أنه أفتى بأنها كفرٌ، يقول البعض وبالأخص الخصوم أن علي بن حاج سلفيٌّ على الطريقة "الوهابية" لدرجة أنه وجهت له تهمة التبعية لآل سعود، ولايزال علي بن حاج يتعرض للإعتقال إلى اليوم بسبب أو بدون سبب، لاشك أن هذه الهجمات كمن يصب الزيت على النار لإعادة إحياء الفتنة من جديد وما اعتقال حاج في ستينية استقلال الجزائر ماهي إلا وسيلة لتذكير الناس لما فعله الفيس في فترة من الفترات.

خلاصة القول أن الخطاب اديني في الجزائر تغير، بحيث فقد ذلك الحماس ولعل ذلك راجعا إلى توقف ملتقيات الفكر الإسلامي، لدرجة أن الجزائريون اصبحوا يشكون أن "العلمنة" دخلت خطبة الجمعة بحيث أصبح الخطيب يمدح النظام والحاكم، بعدما مُنِعَ من التحدث عن أي شيئ يجري في الساحة أو التعليق عليه كما أصبحت الخطب تعدّ للخطيب ويتلقى تعليمات ماذا ينبغي أن يقول وما لا ينبغي، ما جعل الأمور تختلط والمعايير تنقلب، هي تناقضات لا تنتهي لأن السياسة لا دين لها، فالسلطة تعرف كيف تحرك مواقع قطع الشطرنج لصالحها، فمن قال إذن أن التغيير انطلق ورياحه هبّت؟، فمهما كانت مرجعية الحاكم أو مرجعية الحزب او الدولة أو حتى المرجعية الدينية، ومهما كانت الإختلافات في الرؤى والتوجهات والإيديولوجيات، فالإنتماء جزائري، والشعور جزائري والحدث جزائري والحُلم أيضا جزائري، كلّ يطمح إلى تحقيقه من الزاوية التي يراها هو صائبة لصيانة المجتمع الجزائري من كل المخاطر التي تهدد هويته وعقيدته.

***

ورقة أعدتها علجية عيش

في المثقف اليوم