آراء

أوربا تتسول الغاز على أبواب روسيا

كريم المظفرلم تفلح دعوات وزارة الخارجية الأوكرانية لكندا في إعادة النظر في قرارها بشأن إعادة توربينات الغاز التي تم إصلاحها لشركة "السيل الشمالي" إلى ألمانيا من أجل الحفاظ على ضغط العقوبات على روسيا، واعتبرت كييف هذا القرار بأنه يقوض الوحدة الأوروبية الأطلسية في تطبيق نظام العقوبات الدولي ضد روسيا، ويوفر أساسا لروسيا لمواصلة استخدام الطاقة كسلاح ضد أوروبا، كما وان هذه الخطوة جاءت أيضا متزامنة مع عدم وجود توافق بين الدول الأوروبية بشأن حزمة مساعدات لأوكرانيا بقيمة 9 مليارات يورو، وتصريح وزير المالية الأوكراني، سيرغي مارتشينكو، بانه يلاحظ أن هناك إجهاد في أوروبا بسبب الصراع، وتابع بأنه في الأشهر الأولى بعد بدء العملية الروسية الخاصة، "كانت أوروبا موحدة، أما الآن فنرى وجهات نظر مختلفة حول كيفية دعم أوكرانيا".

وأيدت كل من المفوضية الأوروبية وواشنطن قرار كندا حول مسألة إعادة توربينات خط أنابيب الغاز نورد ستريم الروسية إلى ألمانيا، وأشار ممثل المفوضية الأوروبية يوهانس بارك حول مسألة إعادة توربينات خط أنابيب الغاز نورد ستريم الروسية، إلى أن هذه العودة يجب أن تزيل "أحد الأعذار" للحد من إمدادات الغاز، والتأكيد أن نظام عقوبات الاتحاد الأوروبي لا يؤثر على السلع والتقنيات المتعلقة بنقل الغاز الطبيعي"، بدورها قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن واشنطن تدعم قرار السلطات الكندية بإعادة التوربينات الخاصة بشركة نورد ستريم إلى ألمانيا.

والمعروف انه في 14 يونيو، أعلنت شركة "غازبروم" أنها اضطرت إلى خفض إمدادات الغاز عبر "نورد ستريم" بسبب عدم عودة وحدات ضخ الغاز من قبل شركة سيمنز بعد الإصلاحات وتحديد الأعطال الفنية للمحركات، وتدعي شركة سيمنز أن أحد توربينات الغاز الخاصة بشركة نورد ستريم، بعد إصلاحه، لا يمكن إعادتها إلى ألمانيا من مونتريال بسبب العقوبات التي فرضتها كندا على روسيا، ولهذا السبب، يتم الآن ضخ 40% من الغاز من السعة القصوى لخط الأنابيب عبر نورد ستريم، مما يعرض خطط ألمانيا لملء مرافق تخزين الغاز للخطر.

المانيا التي تلقفت بترحيب شديد لقرار "الشركاء" الكنديين للقضاء على السبب العام في انخفاض تدفق الغاز"، تأمل الحكومة الألمانية أن يعود خط "السيل الشمالي-1" لنقل الغاز إلى العمل بكامل طاقته بعد عودة مضخة شركة "سيمنس" الألمانية من مونتريال بكندا، لكن شركة غاز بروم الروسية أعلنت في نفس اليوم عن إغلاقها خط نقل الغاز "السيل الشمالي-1" إلى أوروبا، لإجراء أعمال صيانة من 11 إلى 21 يوليو، ليتي القرار الروسي متزامنا مع مخاوف في السوق الأوروبية من أن يؤدي ذلك إلى تفاقم نقص الغاز في أوروبا، وبالتالي ارتفاع أسعاره والتي وصلت اليوم الى 1600 دولار للمتر المكعب الواحد، وأكدت الشركة الروسية ان هذا الاجراء كان مقررا في خريف عام 2021 وكان معروفا لجميع الأطراف المعنية، ومع ذلك، تشعر ألمانيا بالقلق من أنه بعد الانتهاء من الصيانة الوقائية، لن يتم إطلاق خط أنابيب الغاز، الذي يضطر الآن للعمل بسعة 40 ٪، على الإطلاق، وبالطبع لهذه المخاوف ما يبررها.

والمتتبع لتطورات الاحداث حول " التوربين " الغازي الضروري لتشغيل خط الغاز (ستريم 1)، المناشدات الألمانية الكبيرة لكندا علنا بطلب إعادة " التوربين"، كشف بشكل كبير الازمة التي تعيشها برلين، والتي كان من الممكن بحسب المراقبين أن تتخذ ألمانيا هذه الخطوة قبل ذلك بكثير، وعلى الرغم من أن بيان برلين يزيد بشكل خطير من فرص استئناف تشغيل الأنبوب بكامل طاقته، إلا أنه لا يمكن استبعاد سيناريو الصدمة الثاني، فما هو الاختيار بين ألمانيا وأوروبا الآن ولماذا؟.

لقد أجبر ارتفاع الأسعار في سوق الغاز في أوروبا ألمانيا على التسول إلى كندا لإعطاء التوربينات التي تم إصلاحها لنورد ستريم -1، وقال وزير الاقتصاد الألماني روبرت هوبارغ، " إذا كانت قضية قانونية بالنسبة لكندا، أنه لا يطلب منها تسليم التوربينات في روسيا، وانما طلب تسليمها إلى ألمانيا، وفي الوقت نفسه، حث على "عدم الانتظار طويلا" و "اتخاذ قرار قبل بدء فترة الصيانة "الوقائية"، حسبما ذكرت بلومبيرغ، وبالطبع، لا تقدم المانيا هذا كمحاولة لإنقاذ اقتصادها، ولكن كرغبة في عدم إعطاء روسيا حجة لوقف نورد ستريم -1.

وكشف حادث التوربين للجميع كيف يفقد الغرب الجماعي ماء الوجه، لإنه متورط في عقوباته الخاصة، محاولا أن يقضم أكثر مما يستطيع ابتلاعه، ومن ناحية أخرى، من الأفضل أن تفقد وجهك من أن تترك بدون غاز، فقد بدأت أزمة طاقة واسعة النطاق بالفعل في ألمانيا، ما تبقى للقيام به في هذه الحالة ؟ الاتصال بكندا بعد " مراوغة " المانية طويلة، ارادت منها ان ترك انطباع وقف توريد الغاز الروسي لن يؤثر عليها، إلا أن تفاقم الازمة في البلاد عجل من طلب ألمانيا من كندا لإعادة التوربين .

والحالة هذه، أصبح الوضع مع إمدادات الطاقة في ألمانيا صعبا، والآن فإن الطريقة الوحيدة لتجنب أزمة حادة هي إطلاق خط أنابيب الغاز الروسي نورد ستريم -2، وأكد عضو البرلمان الألماني رئيس لجنة الطاقة، كلاوس إرنست أن هذا الموضوع أثير في البوندستاغ من قبل، وحث السلطات على البدء في استخدام هذا المورد مؤقتا على الأقل، ومع ذلك، رد عليه عضو مجلس الاتحاد الروسي ألكسي بوشكوف، بالقول "في ألمانيا يعتقدون عبثا أن كل شيء في أيديهم – إن أرادوا تشغيله، وإن أرادوا إيقاف تشغيله"، وان في هذه الانابيب يوجد غاز روسي وعليه فإن للاتحاد الروسي وحده أن يقرر ما إذا كان هذا الطريق السريع سيعمل أم لا، وان غازبروم مهتمة فقط بالعقود طويلة الأجل لتوريد المواد الخام.

إن ظهور موضوع نورد ستريم -2 المنسي منذ فترة طويلة مرة أخرى في طليعة الجغرافيا السياسية، يتضح وبشكل غير متوقع، وحجم ازمة الطاقة في أوربا، وتدحرجها " ككرة الثلج "، والتي قال عنها رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافيتسكي، قادرة على "هز أسس أوروبا"، وبدأ النقاش حول مصير خط أنابيب الغاز الذي طالت معاناته من قبل رئيس اللجنة إرنست، ودعا قيادة البلاد إلى عدم مقاطعة الحوار مع روسيا بشأن مسألة إمدادات الطاقة و " تنشيط نورد ستريم -2 مؤقتا إذا لزم الأمر، وبالمناسبة، هذه" الضرورة القصوى " قريبة من حالة الأمر الواقع.

وشدد نائب المستشار الألماني ووزير الشؤون الاقتصادية وحماية المناخ روبرت هابيك على ان هذا " هذا ليس خيارا"، ورد على اقتراح كلاوس إرنست بشأن " ستريم – 2 " أنه على الرغم من اكتمال المرفق بالكامل، إلا أنه، أولا، ليس لديه شهادة، وثانيا، يخضع لعقوبات أمريكية، والمناقشات الألمانية هذه تجري بعيدا عن آراء موسكو بالأمر، التي تستغرب للأمر، وترى ان برلين مقتنعة بأن مفتاح إطلاق نورد ستريم 2 هو في أيديهم، وان " صنبور " الخط في أيديهم يفتحونه متى شاء او يغلقونه متى شاؤا، وانهم ينسون أن ملء خط الأنابيب يأتي من روسيا، لذا وكما يرى بوشكوف، بأنه ليس من المنطقي "الدخول في موقف" الجانب الألماني، وإطلاق الأنبوب مؤقتا في ظروف العقوبات المفروضة على روسيا.

والسؤال المهم اليوم هو هل هناك فرصة لتشغيل خط الأنابيب (نورد ستريم 2)؟ وهو جاهز للعمل، ام ابقاءه متوقف حتى يتعفن في الجزء السفلي من بحر البلطيق؟ ويشير المراقبون الروس لصحيفة " فزغلاد "، الى انه في ألمانيا، هناك صراع بين أولئك الذين يحاولون تشغيل الخط، وأولئك الذين يضعون الأهداف السياسية فوق النفعية الاقتصادية، ومصالح مواطنيهم، ومن الواضح بحسب رأي سيرغي غوسودوف، المدير العام لمعهد الطاقة الوطنية، فإن الأول يخسر، ولكن مع قرب فصل الشتاء، ومع زيادة أزمة الطاقة، قد يتغير ميزان القوى لصالحهم، وان (ستريم 2) هو الطريقة الأكثر وضوحا وأسهل لحل مشكلة نقص الغاز، وهو أحدث خط أنابيب الغاز، وهو جاهز تماما للتشغيل التجاري، ومليء بالغاز، وينتظر القرار السياسي من السلطات الألمانية.

والحالة هذه فإن أي حجم إضافي من المواد الخام في السوق يؤدي تلقائيا إلى انخفاض الأسعار، ولكن وبشكل عام، لا يعرف التاريخ أي أمثلة عندما يتم تجميد مشروع طاقة جاهز بهذا الحجم لأسباب سياسية، فهناك مورد مع الغاز الخاص به، وهناك المستهلك الذي يحتاج هذا المنتج، ويبدو أن ما هو مطلوب آخر؟ فمع انخفاض الأسعار عن 2000 دولار لكل ألف متر مكعب، يضطر الأوروبيون إلى دفع الأجندة البيئية إلى الدرج الخلفي، وزيادة مشتريات زيت الوقود والفحم والحطب، وحتى الآن، يبدو الوضع وكأنه لعبة مطلقة، تتجاوز الخير والشر.

والأهم من ذلك، فإن ألمانيا ببساطة ليس لديها بديل حقيقي للغاز الروسي، وبرلين ليس لديها ناقلات لنقل الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة الأمريكية، ويوضح أرتيم ديف، رئيس قسم التحليل في أماركتس ان الأسطول العالمي يتكون من حوالي 500 سفينة من هذا القبيل، ولكن يتم حجزها جميعا قبل نهاية العام، وبالإضافة إلى ذلك، تواجه ألمانيا نقصا في قدرة إعادة تحويل الغاز السائل إلى غاز، فقد كانت البلاد تساوم مع الولايات المتحدة لفترة طويلة، والتي طالبت بتقليل مشتريات المواد الخام لخطوط الأنابيب الروسية، وفي المقابل وعدت بتوريد الغاز الطبيعي المسال عن طريق البحر، لكن هذا يتطلب محطات طرفية – لا توجد مثل هذه المحطات في ألمانيا، وبدأ بناء أول محطة للغاز الطبيعي المسال في فيلهلمسهافن في 4 يوليو 2022."

وبين الاختلاف والقبول في إمكانية اطلاق مشروع " ستريم -2 " فإن البعض يقول يشدد على إن مشروع خط أنابيب الغاز نورد ستريم -2، (الذي تبلغ تكلفته 11 مليار دولار من روسيا إلى ألمانيا تحت بحر البلطيق بطاقة 55 مليار متر مكعب من الغاز سنويا) قد دفن تقريبا بعد فرض عقوبات أمريكية على مشغله، ومن غير المحتمل استعادة عمل خط أنابيب الغاز، والمصمم لمضاعفة تدفق الغاز الروسي إلى ألمانيا، يدرس تقديم طلب للإفلاس نتيجة للعقوبات الأمريكية، وذكرت وكالة رويترز، ان السلطات الألمانية علقت التصديق على المشروع، في 2 مارس، وأعلن نورد ستريم 2 أنه لا يمكن تأكيد بدء إجراءات الإفلاس، المشغل أبلغ فقط السلطات السويسرية حول الإنهاء القسري للعقود مع الموظفين، وقررت شركة شل الأنجلو هولندية الانسحاب من المشاريع المشتركة مع شركة غازبروم، وكذلك إنهاء مشاركتها في مشروع نورد ستريم -2، كما أعلنت شركة الطاقة النمساوية أو إم عن مراجعة مشاركتها في المشروع، وقالت شركة فينترشال ديا في رسالة إنها قررت شطب الأموال التي أنفقت على المشروع وعدم الانخراط في أي مشاريع إضافية لإنتاج الغاز والنفط.

والبعض الآخر يرى ان المانيا باتت تدرك أن الإغلاق المخطط لنورد ستريم -1 للإصلاحات (بسبب نقص التوربينات الغازية العالقة في كندا بسبب العقوبات) يترك شكوك لديها في ملء مرافق التخزين بحلول فصل الشتاء، وتخشى السلطات من أن ستريم -1، لن يتم إطلاقه على الإطلاق بعد الإصلاح، وفي هذه الظروف، أقرب إلى الخريف، فإن آفاق "نورد ستريم -2 " تصبح أكثر إشراقا، ويشار الى ان الغاز الطبيعي يتدفق من روسيا إلى أوروبا عبر خمسة طرق بطاقة إجمالية تزيد عن 160 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، وهم نورد ستريم 1، والتيار التركي، ويامال-أوروبا، القسم البولندي من خط أنابيب غاز أوبال، وجي تي إس الأوكرانية.

وبطريقة أو بأخرى، وعلى جميع الطرق، ولأسباب مختلفة، تنخفض الإمدادات، وألمانيا، باعتبارها قاطرة الاتحاد الأوروبي (ومع الاعتماد على الغاز الروسي عند مستوى 70٪)، تواجه مهمة ملء الغاز الطبيعي بحلول 1 نوفمبر بنسبة 80 ٪ أو أكثر، وحتى الآن، فإن مرافق التخزين ممتلئة بنسبة 57 ٪ فقط في المتوسط في أوروبا، وإغلاق ستريم 1 يجعل الوضع مخيفا، لذلك فإن التصديق على ستريم -2 بسرعة، قد ينخفض سعر الغاز بشكل حاد - ولكن لفترة قصيرة فقط، وللوصول إلى الحد الأقصى لحجم الضخ البالغ 27.5 مليار متر مكعب من الغاز سنويا (مع مراعاة القيود المفروضة على حزمة الطاقة الثالثة للاتحاد الأوروبي)، سيستغرق ستريم -2، عاما على الأقل، وفي الوقت نفسه، فهو غير قادر على التعويض عن إغلاق نورد ستريم -1، الذي يدخل من خلاله حوالي 60 مليار متر مكعب من الغاز إلى الاتحاد الأوروبي، وسط تحذير خبراء الطاقة من أن سعر الغاز في أوروبا في فصل الشتاء يمكن أن يصل بسهولة إلى 3500 دولار لكل ألف متر مكعب، مما يخلق مشاكل حتى في القطاع السكني، ففي الواقع، في 7 مارس 2022، وصل السعر الفوري للغاز في أوروبا بالفعل إلى ما يقرب من 4000 (3898) دولار لكل ألف متر مكعب في الوقت الحالي، وحدث هذا فقط على توقعات وقف إمدادات موارد الطاقة الروسية، وتم إنقاذ الوضع من خلال التدخلات اللفظية للسلطات الألمانية، التي ذكرت أنها لم تكن قادرة على التخلي عن الغاز الروسي بعد، لذلك لن تفعل ذلك.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

في المثقف اليوم