آراء

الإسلاميون في الزمن الديمقراطي والبدو في الزمن الجاهلي (1)

قاسم حسين صالحتطابق في القيم والسلوك!

قد يثير هذا الموضوع استغرابك، او يدهشك، او لا تصدقه لأنك ترى انه من غير المعقول ان يكون هناك تطابق في القيم والسلوك بين جماعتين البعد الزمني بينهما اكثر من 1500 عاما، وأن الأولى ما كانت تعرف الأسلام فيما الثانية كتل وأحزاب بعناوين اسلامية تعيش في عصر التحضّر!

ومقولتنا في العنوان اعلاه، ليست مقالا صحفيا بل تحليل من منظار علم الأجتماع نبدأه بتشخيص قيم البدو في زمن الجاهلية، ثم نقارن ونطابق.

البدو.. والتعصب

اتصف البدو في العصر الذي سبق دعوة النبي محمد الى الاسلام بـ( الروح القبلية).. اي الانتماء الى القبيلة ومناصرتها سواء كانت على حق ام باطل. وكان البدوي في الجاهلية شهما وغيورا على افراد قبيلته ، وعدوا وذا بأس شديد مع افراد اية قبيلة او قبائل لها موقف سلبي مع قبيلته.

وتعني (الروح القبيلية) في مصطلحاتنا العلمية الحديثة.. (التعصب Prejudice) ويعرّف بأنه اتجاه سلبي غير مبرر نحو الفرد، قائم على أساس انتمائه الى قبيلة او جماعة لها دين او مذهب او عرق مختلف، او اتجاه عدائي نحو جماعة معينة، والنظرة المتدنية لجماعة، أو خفض قيمتها أو قدراتها أو سلوكها أو صفاتها، واصدار حكم غير موضوعي بشأن جماعة معينة لا يقوم على أساس منطقي.

ويرى علماء الاجتماع (ابن خلدون، علي الوردي..)، ونيكلسون الذي يقول ان شرف البدوي يفرض على الفرد ان يقف مع بني جلدته في السرّاء والضرّاء، وان فكرة البدو في ذلك ان يهبّوا لنجدة أبناء جلدتهم دون أن يسألوا عن السبب.وهذا ما كان يتصف به البدوي زمن الجاهلية.. أنه كان يعتبر القبائل الأخرى أقل شأنا من قبيلته وانها على حق حتى لو كان يعرف في سريرته انها على باطل!.

الاسلاميون في عصر التحضر

لنعد بالذاكرة الى ما حصل في 2006 ، فحين تشكلت أول حكومة بهوية شيعية، تعمّق التعصب بين افراد الشيعة ، وصاروا يتباهون بأنهم الأفضل والأحق بالسلطة من طائفة السنّة التي راحت بدورها تسخر من الشيعة وتصفهم بانهم جهلة لا يصلحون للسياسة ، فيما راح رئيس وزراء تلك الحكومة (نوري المالكي) يشيع مفهوما تعصبيا بمقولته (صارت عدنه وما ننطيها)، ويصف تظاهرات جماهير السنّة بأنها (فقاعات).. ما يعني ان هناك تطابقا تاما بين (الأسلاميين.. شيعة وسنة) في الزمن الديمقراطي وبين البدو في زمن الجاهلية.

ومن انغلاق عقولهم الناجم عن تحكّم (التعصب الجاهلي) في قيادات كتل واحزاب الأسلام السياسي، انهم لم يدركوا ان التعصب للطائفة يؤدي بحتمية اجتماعية الى حرب.. فحصلت بين عامي (2006 و2008) زمن حكم حزب الدعوة الأسلامي، وراح ضحيتها الآف الأبرياء وجعلوا من العراقي البسيط اكثر سخفا من البدوي الجاهلي بان اوصلوه الى ان يقتل الآخر لمجرّد ان اسمه (حيدر او عمر!)

و(بداوة) قادة كتل واحزاب الاسلام السياسي (شيعة وسنّة) الذين شكلوا الطبقة السياسية في العراق، انهم اعادوا احياء (الروح القبلية- التعصب) وغلّبوا الانتماء الى القبيلة على الانتماء للوطن، وعملوا بالضد من تعاليم النبي محمد الذي اضعف (الروح القبلية) وعزز مبدأ (المسلم اخو المسلم).ووصل حال (بداوة) حكومات ما بعد 2006 انها استمالت شيوخ العشائر فاستجاب لها كثيرون حتى لو كانوا يعلمون أنها على باطل.

وتكشف قراءتنا السيكولوجية التاريخية عن صفة ثابتة في شخصية شيخ العشيرة، هي أن الحمية على وطنه لا تأخذه قدر ما تأخذه الغيرة على الشرف، بمعنى أنه يغلّب قيمه العصبية ومصالح عشيرته على مصلحة الوطن، وانها ميالة إلى التباهي بما تملك من ثروة وخيول وأبقار وأغنام.. ونساء!.وقد توفرت الفرصة لعدد من الشيوخ أن يجمعوا في زمن بداوة حكومات النظام الديمقراطي! بين رئاسة العشيرة والعمل كرجال أعمال.

الإسلاميون والخوارج تطابق في الفكر والسلوك!.

يرى علماء الأجتماع (ابن خلدون ونيكلسون مثالا) أن الخوارج يقدمون لنا مثلا جيدا عن النزعة البدوية برغم تدينهم واخلاصهم الشديد للأسلام. ويكمن الاختلاف الوحيد بين البدو في زمن الجاهلية و(الخوارج) في ان البدو كانوا يعبدون عدة آلهة ، فيما يؤمن الخوارج بآله واحد. والحقيقة المؤكدة أن (الخوارج) مثلوا قيم البداوة الحقيقة في الآسلام، وان هناك تطابقا في القيم والسلوك بين (الخوارج) وبين كتل واحزاب الآسلام السياسي في الزمن الديمقراطي.

في الحلقة القادمة نزيد بتحليل علمي ما يؤكد ان من حكم العراق بعد 2003 هم (بدو) بقيم وسلوك جاهلي.

***

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

 

في المثقف اليوم