آراء

قرار غاز بروم يشل نظام انارة القصر الرئاسي الألماني

كريم المظفرمرة أخرى تحرج شركة الغاز الروسية "غازبروم"، المانيا، وهذه المرة بشكل كبير، ففي بيان لها الاثنين، أعلنت أنها أوقفت تشغيل توربين آخر لشركة "سيمنز" يستخدم في محطة بورتوفايا في خط الأنابيب "السيل الشمالي-1" وذلك بسبب أعمال صيانة، وأشارت إلى أن الإمدادات عبر "السيل الشمالي-1"، واعتبارا من 27 يوليو الجاري لن تتجاوز 33 مليون متر مكعب في اليوم..

الكريملين من جانبه حمل الغرب مسئولية المشاكل التي يتعرض لها خط الغاز الروسي " السيل الشمالي 1 " و أكد المتحدث باسمه دميتري بيسكوف، بأن مسألة إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا خالية من السياسة، والأوروبيون يعانون من العقوبات التي فرضوها بأنفسهم، و الإشارة إلى أن تصريحات المستشار الألماني أولاف شولتز بأن روسيا ليست موردا موثوقا للغاز لا تتوافق مع الواقع، وان هذه التصريحات تتناقض تماما مع الواقع ومع تاريخ الإمدادات، وأنه حتى في أصعب اللحظات، استمر الجانب الروسي في الوفاء بالتزاماته.

وعن أسباب التراجع الحالي في حجم إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، فقد حمل الكريملين به القيود غير القانونية التي فرضها الأوروبيون بأنفسهم وعلى وجه الخصوص ألمانيا (وراء التراجع)، والتشديد على أن شركة "غازبروم" بعد تسلمها رخصة إصلاح توربين "السيل الشمالي-1" من شركة "سيمنس" ستركب التوربين وتضخ الغاز لأوروبا بحسب الحجم الممكن.

وبالتأكيد ونتيجة لخطوة الشركة الروسية، فإن أسعار الغاز قد شهدت قفزة في الأسعار وحسب ما أفادت بيانات بورصة "إنتركونتيننتال إكستشينج"، فق ارتفعت أسعار الغاز في أوروبا بنسبة 12% لتصل إلى 1890 دولارا لكل ألف متر مكعب، وحسب بيانات البورصة، التي تتخذ لندن مقرا لها، فإن العقود الآجلة لتوريد الغاز افتتحت لشهر أغسطس، جلسة التداول الاثنين عند 1680 دولارا لكل ألف متر مكعب، لكن الأسعار قفزت بنسبة 12% لتصل إلى 1889.7 دولارا لكل ألف متر مكعب بعد إعلان شركة "غازبروم" أنها ستوقف تشغيل توربين آخر لشركة "سيمنز" في محطة "بورتوفايا" لضغط الغاز.

وتذكر شركة "غازبروم" الروسية، أنها تلقت وثائق من شركة "سيمنز" بشأن إعادة توربين "السيل الشمالي-1" من كندا، وأشارت إلى أن الوثائق تثير أسئلة إضافية، وجاء في بيان صدر عن الشركة: "تلقت "غازبروم" وثائق من السلطات الكندية من شركة "سيمنز" وقد درست هذه الوثائق، لكنها اضطرت إلى التصريح بأنها لا تزيل المخاطر المحددة مسبقا وتثير أسئلة إضافية"، وعلى وجه الخصوص، لا تزال لدى "غازبروم" تساؤلات حول عقوبات الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والتي من المهم تسويتها لتسليم التوربينات إلى روسيا وصيانة توربينات غاز أخرى لمحطة بورتوفايا (محطة غاز في خط الأنابيب السيل الشمالي-1)، وفي ظل ذلك، طلبت "غازبروم" الروسية مجددا من شركة "سيمنز" تقديم الدعم الفوري في توفير المستندات والإيضاحات اللازمة.

من جانبها أرسلت شركة "سيمنز" لشركة "غازبروم" رخصة تصدير صادرة عن كندا، تتعلق بإصلاح وصيانة ونقل توربين شركة "السيل الشمالي 1"، ووفقا لصحيفة "كوميرسانت" أن شركة Siemens Energy أرسلت إلى "غازبروم" رخصة تصدير صادرة عن كندا، تسمح لها بإصلاح وصيانة ونقل التوربينات لمحطة بورتوفايا الروسية، التي تضخ الغاز في خط أنابيب "السيل الشمالي "، مشيرة في الوقت نفسه أن شركة "غازبروم" طلبت من "سيمنز" مرارا تقديم وثائق رسمية تؤكد أن كندا والاتحاد الأوروبي منحوا إعفاء من العقوبات الحالية لكندا والاتحاد الأوروبي لإعادة محرك توربين غازي تم إصلاحه في كندا إلى روسيا.

واليوم يتعين الآن على "غازبروم" تغيير أساس تسليم التوربين من مونتريال بكندا إلى وجهتها النهائية في روسيا، حتى تتمكن شركة "سيمنز" من توريد التوربين إلى روسيا، وأنه بسبب مشاكل التوثيق، تأخر التوربين بالفعل عن عبّارة غادرت ألمانيا متوجهة إلى هلسنكي في 23 يوليو، وقالت الصحيفة الروسية إنه إذا نجح الطرفان في تبادل الوثائق، فقد يتم النقل في الأيام القليلة المقبلة.

من جانبها فقد أعربت شركة "سيمنز" الألمانية عن استعدادها لصيانة المزيد من توربينات ضخ الغاز عبر "السيل الشمالي 1" في حال ورد طلب بذلك، ونقلت وكالة "نوفوستي" عن الشركة قولها، انه في ظل الظروف العادية، تعد صيانة التوربينات أمرا شائعا، وإذا كان هناك طلب سياسي وفرصة في إطار نظام العقوبات، " وسنقوم بصيانة التوربينات وفقا لمعايير الجودة العالية المعتادة إذا طلب منا ذلك"، وأكدت "سيمنز": ان هدفها في مثل هذه الحالات إيصال التوربينات إلى موقع العمل في أسرع وقت ممكن.

أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من جانبه فقد شكك مبكرا في جودة إصلاح توربينات خط أنابيب الغاز الروسي "السيل الشمالي"، والتي يتعين على كندا إعادتها بعد أعمال الصيانة، وعن الأسباب التي دفعت كندا للامتناع عن إعادة "التوربين" إلى روسيا في وقت ما، وأفاد الرئيس بوتين بأن كندا تعد منتجا للغاز والنفط، في إشارة إلى اتباع كندا إجراءات منافسة غير شريفة، إذ تخطط لدخول السوق الأوروبية، وأكد بوتين، أن الغرب يحاول إلقاء المسؤولية على شركة "غازبروم" الروسية في أخطائه التي ارتكبها بمجال الطاقة، وفي ما يتعلق بنقص الغاز في أوروبا، اقترح الرئيس الروسي إطلاق خط "السيل الشمالي 2" لتزويد أوروبا بالغاز، مشيرا إلى أن نصف طاقاته حوّلت للسوق المحلية الروسية .

أما في ألمانيا فقد أعلن أن تدشين خط أنابيب الغاز الروسي "السيل الشمالي-2" سيعني هزيمة ألمانيا أمام روسيا، وعبر نائب المستشار الألماني، وزير الاقتصاد، روبرت هابك في حديثه لـ"ZDF" عن اعتقاده أن تدشين خط أنابيب الغاز هذا سيكون رمزا يؤكد أن موسكو استطاعت تدمير القيم الأوروبية وحققت أهدافها، وأنه سيكون ذلك رفع العلم الأبيض (الاستسلام) في ألمانيا وأوروبا، " وهذا لا يجب أن نعمله "، وأضاف أنه يتعين على ألمانيا توفير الطاقة، مشيرا إلى أنه يجب على برلين أن تجد مصدرين آخرين للغاز.

ولا ترى وزارة الشؤون الاقتصادية وحماية المناخ الألمانية أي أسباب فنية لتقليل إمدادات الغاز عبر خط أنابيب "السيل الشمالي 1"، ونقلت قناة "إن تي في" التلفزيونية عن ممثل وزارة الاقتصاد الألمانية قوله "وفقا لمعلوماتنا، لا توجد أسباب فنية لتقليص الإمدادات"، وذلك ردا أنباء عن الخفض الإضافي من جانب "غازبروم" لإمدادات الغاز عبر "السيل الشمالي 1".

ومثل هكذا قضية، فإنه بالتأكيد أن يكون للرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي رأي معاد لروسيا فيها، فقد دعا الاتحاد الأوروبي للرد على ما وصفه بـ "حرب الغاز الروسية" ضد أوروبا، وتشديد العقوبات الأوروبية ضد موسكو وقطع العلاقات التجارية معها، وقال، "رأينا اليوم تهديدات جديدة لأوروبا متعلقة بالغاز"، في إشارة إلى تقليص ضخ الغاز الروسي إلى أوروبا عبر "السيل الشمالي"، والتشديد على أن هذه حرب غاز سافرة، تخوضها روسيا ضد أوروبا الموحدة، وهي لا تبالي بما يحدث للناس وكيف سيعانون، وهل ستكون معاناتهم من الجوع جراء محاصرة الموانئ أو من برد الشتاء والفقر أو من الاحتلال، " وهي أشكال مختلفة من الإرهاب"، ولذلك برأي الرئيس الاوكراني " يجب الرد بالقوة " وليس التفكير في إعادة توربين، بل تشديد العقوبات وبذل كل الجهود للحد من الواردات الروسية ليس من الغاز والنفط فحسب، بل وبشكل عام من أي صادرات أخرى ما زالت باقية حتى الآن، وقطع العلاقات التجارية مع روسيا بأكبر قدر ممكن، لأن كل علاقة من هذا القبيل هي وسيلة محتملة للضغط من قبل روسيا.

وكشفت دراسة جديدة أجرتها غرفة التجارة والصناعة الألمانية، عن اضطرار المزيد والمزيد من الشركات في البلاد لوقف إنتاجها أو تقليصه بسبب الزيادة الشديدة في أسعار الغاز، أن "ما مجموعه 16% من الشركات الصناعية، اضطرت إلى الاستجابة لحالة الطاقة الحالية من خلال تقليل الإنتاج أو التخلي جزئيا عن قطاعات معينة"، وبحسب الدراسة، طال الضرر الأكبر قطاعات الاقتصاد كثيفة الاستهلاك للطاقة، حيث بلغت التخفيضات ضعف المتوسط، مع معاناة 32% من الشركات من الأمر، وأظهرت الدراسة أيضا أن العديد من الشركات لم تشتر بعد كميات كبيرة من الغاز للعام الحالي، وأن نصفها فقط أبرم عقودا لتغطية هذه الاحتياجات، وقال بيتر أدريان، رئيس غرفة التجارة والصناعة الألمانية، معلقا على نتائج الدراسة: إن هذه أرقام مقلقة، إنها تظهر مدى استمرار ارتفاع أسعار الطاقة في إثقال كاهل إنتاجنا. ويتعين على العديد من الشركات إغلاق أو نقل الإنتاج".

وبدأت في المانيا بدأت تتعالى الأصوات البرلمانية الألمانية، والتشديد على أن "الحرب الاقتصادية" مع روسيا تدمر ألمانيا التي "لا تستطيع أن تعيش" بدون المحروقات الروسية، وقالت النائبة في البوندستاغ الألماني، الزعيمة السابقة للحزب اليساري، سارة فاغنكنيخت، إن الخامات الروسية، وقبل كل الشيء الطاقة الروسية الرخيصة نسبيا، هي الظروف الضرورية لوجود صناعة ألمانية قادرة على التنافس، و"نحن لا يمكن أن نستغني عنها"، مضيفة أن الحرب الاقتصادية تدمر ألمانيا، بينما لا تلحق أي ضرر تقريبا ببوتين، ولا توقف القتل في أوكرانيا، معتبرة في الوقت نفسه أن أوكرانيا لا تستطيع الانتصار على روسيا عسكريا، علما بأن روسيا تمتلك أسلحة نووية، ولذلك "هناك حاجة لإجراء مفاوضات والإقدام على حلول وسط.

وأزمة الغاز باتت نتائجها ملموسة داخل القصر الرئاسي الألماني، فقد صرّح ممثل للرئاسة الألمانية بأن قصر بيلفيو، مقر إقامة الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، لن يضاء ليلا لتوفير الطاقة الكهربائية، وستجري إضاءته في الليل فقط في المناسبات الخاصة، على سبيل المثال، خلال زيارات الدولة، مضيفة في الوقت نفسه، أن واجهة المبنى تم إطفاء مصابيحها في شهر مايو، واقتصرت إنارة المنطقة الخارجية على المستوى الضروري، لأسباب أمنية.

أما في إطار توفير الطاقة، وكما أكد ممثل الرئاسة الألمانية، فإنه يجري أيضا النظر في خيار تدفئة القصر باستخدام طريقة الطاقة الحرارية الأرضية، وتحقيقا لهذه الغاية، من المخطط إجراء حفر تجريبي، ويتم في الوقت الحالي، تأمين مقر إقامة رئيس الدولة بالتدفئة المركزية، ولا يوجد تكييف للهواء، بالإضافة إلى ذلك، يتم توليد جزء من الكهرباء عن طريق الألواح الكهروضوئية على سطح القصر.

واقترحت عمدة برلين، فرانزيسكا جيفاي، ولتوفير الكهرباء، إيقاف إضاءة المباني العامة، مثل بوابة براندنبورغ الشهيرة ومبنى مجلس الشيوخ في برلين بعد منتصف الليل، ومع ذلك، فإن اتخاذ مثل هذه الإجراءات لا يعني أن المدينة يجب أن تغرق في الظلام، بل من الضروري إيجاد توازن بين "متطلبات الأمان" والطرق "غير المؤلمة" لتوفير الطاقة.

وتدرس الوزارات الألمانية وفقا لوكالة الانباء الألمانية، إجراءات لخفض استهلاك الطاقة وسط انخفاض إمدادات الغاز من روسيا، وعلى وجه الخصوص، قررت عدد من الوزارات تبريد الغرف المكيفة إلى 26 درجة فقط في الصيف، باستثناء غرف الخدمات، حيث يجب أن تكون درجة الحرارة أقل، وبالتالي، ستعمل وزارة الشؤون الاقتصادية وحماية المناخ على خفض استهلاك الكهرباء بنسبة 40٪ بالفعل هذا الصيف، كما تم اتخاذ إجراءات محددة في وزارات الخارجية والدفاع والصحة، يتم بموجبها تثبيت الألواح الشمسية على الأسطح، وأغشية عاكسة على النوافذ حتى لا تكون الحرارة شديدة داخل المباني.

أما صحيفة بيلد، فقد نقلت عن توقعات جمعية الإسكان، أن الزيادة في أسعار الكهرباء في ألمانيا ستكون أكثر وضوحا للمستهلكين في عام 2022 مما كان يعتقد سابقا، وافترضت الجمعية أن التكاليف الإضافية للأسر المكونة من شخص واحد ستكون 2700 يورو سنويا و5000 يورو لأربعة أشخاص.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

في المثقف اليوم