آراء

السيطرة الاثيوبية على منابع النيل.. حلم زائف (3)

ليلى الدسوقيالمشهد الثالث: المخاطر الداخلية لسد النهضة

من الناحية الموضوعية يتعين علينا النظر الى السد بوصفه مشروعا هندسيا يراد من وراء تنفيذه تحقيق اغراض سياسية واستراتيجية تخدم المصالح الاثيوبية وتاتى على حساب المصالح القومية المصرية لذلك يجب استعراض الفوائد للسد كما حددها الخبراء قبل المخاطر وهى :

- انتاج الطاقة الكهرومائية (5250 ميجاوات) التى تعادل ما يقرب من ثلاثة اضعاف الطاقة المستخدمة حاليا لاثيوبيا

- توفير المياه لسكان بنى شنقول جوميز على مدار العام

- التحكم فى الفيضانات التى تصيب السودان خاصة عند سد الروصيرص

- تخزين طمى النيل الازرق الذى يقدر بحوالى 420 مليار م3 سنويا مما يطيل عمر السدود السودانية والسد العالى

- قلة البخر نتيجة وجود بحيرة السد على ارتفاع حوالى 570 الى 650 متر فوق سطح البحر (اذا ما قورن بالبخر فى بحيرة السد العالى 160-176 م فوق سطح البحر)

- تخفيف حمل وزن المياه المخزنة عند بحيرة السد العالى والتى تسبب بعض الزلازل الضعيفة

اما اضرار سد النهضة فهى :

* التكلفة العالية التى تقدر بنحو 4.8 مليار دولار امريكى والتى من المتوقع ان تصل الى 8 مليار دولار بسبب العيوب الجيولوجية والطبوغرافية فى اثيوبيا

* تهجير نحو 20 -30 الف مواطن من منطقة البحيرة

* قصر عمر السد والذى يتراوح ما بين 25 الى 50 عاما نتيجة الاطماء الشديد (420 الف متر مكعب سنويا) وما يتبعه من مشاكل كبيرة لتوربينات توليد الكهرباء وتناقص فى كفاءة السد تدريجيا

* زيادة فرص تعرض السد للانهيار نتيجة العوامل الجيولوجية وسرعة اندفاع مياه النيل الازرق والتى تصل فى بعض الايام (سبتمبر) الى ما يزيد على نصف مليار متر مكعب يوميا ومن ارتفاع يزيد على 2000 م نحو مستوى 600 م عند السد واذا حدث ذلك فان الضرر الاكبر سوف يلحق بالقرى والمدن السودانية خاصة الخرطوم التى قد تجرفها المياه بطريقة تشبه التسونامى

* زيادة فرصة حدوث زلازل بالمنطقة التى يتكون فيها الخزان نظرا لوزن المياه التى لم تكن موجودة فى المنطقة من قبل والذى قد يصل الى 74 بليون طن علاوة على وزن السد الصخرى كل ذلك فى بيئة صخرية متشققة

* فقد السودان للطمى الذى يخصب الاراضى الزراعية حول النيل الازرق والذى يعد المصدر الرئيسى لتغذية النباتات وعدم تعود السودانيون على استخدام الاسمدة الزراعية

* تلوث مياه بحيرة السد نتيجة تخزينها اعلى صخور غنية بالمعادن والعناصر الثقيلة

و على صعيد المصالح المصرية التى ستتاثر من جراء سد النهضة هناك مخاطر عديدة على الصعيد الداخلى المصرى ومنها:

تهديد الموارد المائية المصرية

لقد اشار د. محمد نصر الدين علام " وزير الموارد المائية والرى الاسبق الى ان قيام اثيوبيا بانشاء اربعة سدود على نهر النيل سيتسبب فى حدوث عجز مائى فى ايراد نهر النيل لمصر والسودان مقداره حوالى 18 مليار متر مكعب وسوف تقل الكهرباء المولدة من السد العالى وخزان اسوان بنسبة تتراوح ما بين 25 و30% كما يتسبب سد النهضة وحده حسب الدراسات المصرية والدولية فى عجز مائى مقداره 9 مليارات متر مكعب سنويا وفى تخفيض كهرباء السد العالى وخزان اسوان فى حدود 20 – 25 % سنويا

و تاكد الدراسات الى اجراها اساتذة جامعة القاهرة والتى تم تاكيدها بالدراسات العالمية والتقارير الاثيوبية ان التاثيرات المتوقعة لانشاء سد النهضة عن امن مصر المائى عالية وقد تكون كارثية وخاصة اثناء فترة ملء السد ففى حالة تزامن الملء مع فترة فيضان اقل من المتوسط فإن الاثار ستكون كارثية حيث يتوقع عدم قدرة مصر على صرف حصتها من المياه بعجز اقصى يصل الى 34% من الحصة (19 مليار متر مكعب) وبعجز متوسط 20% من الحصة (11 مليار متر مكعب) طول فترة الملء والتى تمتد الى 6 سنوات

ومن جانبه اكد د . علاء الظواهرى " استاذ الهندسة المدنية بجامعة القاهرة وعضو اللجنة الثلاثية لتقييم اثار سد النهضة " انه فى حالة حدوث الملء فى سنوات متوسطة فإن بحيرة السد العالى سوف يتم استنزافها وسيقل عمق المياه بمقدار اكثر من 15 مترا اى سيصل المنسوب الى 159 م

لذلك فإن تاثير اى نمط للسحب من ايراد النهر يكون تراكميا اى لا يلاحظ فى حينه وبناء على ذلك فانه من الممكن حدوث نتائج كارثية اذا حدثت فترة جفاف تالية لملء السد وبفرض اجتياز فترة الملء باقل خسائر فإن مرحلة تشغيل السد قد تمثل تحديات من نوع اخر حيث ان مبادى تشغيل سد النهضة تعتمد على تعظيم الطاقة الكهرومائية المنتجة وهذا يتعارض فى بعض الاحيان خلال فترة فيضان اقل من المتوسط وسوف يتم تخزين المياه لرفع المنسوب لتوليد الكهرباء وتقليل المنصرف من خلف السد وهذا ما ينذر بحدوث نقص فى امدادات المياه المتدفقة الى مصر

يضاف الى ذلك ان امتلاء البحيرة خلف هذا السد بهذا الحجم الهائل من المياه حتى ولو قدرنا انه يمكن ان يحدث خلال خمس سنوات فهذا يعنى استقطاع 15 مليار متر مكعب كل سنة من حصة مصر والسودان وبالاصح من حصة مصر فقط لان سدود السودان (خشم القربة – الروصيرص – سنار – مروى) تحجز حصة السودان من المياه اولا قبل ان تصل الى مصر

اما اذا قررت اثيوبيا ان تملا البحيرة خلال ثلاث سنوات فقط فهذا يعنى خصم 25 مليار م3 سنويا بما يعنى دمارا كاملا لمصر

اما مخاطر الزراعة على مصر

نقص المياه الواردة الى مصر سوف تؤثر على حجم الرقعة الزراعية حيث من المتوقع ان يتم حرمان 3-5 ملايين فدان مصرى من الزراعة

و تؤدى تلك التاثيرات الى نتائج بيئية واجتماعية خطيرة فكل (4-5 مليار متر مكعب) عجز من مياه النيل يعادل بوار مليون فدان زراعى ومن ثم تشريد 2 مليون اسرة فى الشارع وفقدان 12% من الانتاج الزراعى وبالتالى زيادة الفجوة الغذائية بمقدار 5 مليار جنيه ويترتب على كل ما سبق تعرض الامن الغذائى المصرى للخطر الشديد

كذلك يترتب على انخفاض كميات المياه المتدفقة الى مصر زيادة تلوث المياه والملوحة وعجز فى ماخذ محطات مياه الشرب نتيجة انخفاض المناسيب وتناقص شديد فى السياحة النيلية وزيادة تداخل مياه البحر فى الدلتا مع المياه الجوفية وتدهور نوعية المياه فى البحيرات الشمالية فضلا عما يصاحب ذلك من مشكلات اجتماعية بالغة الخطورة كما ان اقامة سد النهضة ستؤدى الى زيادة البخر بمقدار نصف مليار متر مكعب سنويا على اقل تقدير وذلك عكس ما كان يثار من قبل من ان السد سيؤدى الى توفير المياه عن طريق تقليل البخر من السد العالى

فى هذا الخصوص اكد د. نادر نور الدين " استاذ الزراعة بجامعة القاهرة ان تقليل حصة مصر السنوية من مياه النيل جراء تشييد سد النهضة سيترتب عليه نقص المساحة الزراعية بصفة عامة ومن ثم تاثر القطاع الزراعى على النحو التالى تقليل مساحات الزراعات المستهلكة للمياه مثل قصب السكر وتقليل مساحات الارز وتملح مساحات كبيرة من الاراضى الزراعية المصرية وزيادة الفجوة الغذائية المصرية ونقص كميات مياه النيل المتدفقة الى البحر المتوسط وبالتالى زحف المياه المالحة للبحر الى اراضى الدلتا والمياه الجوفية ، ارتفاع معدلات تصحر الاراضى الزراعية وزيادة تركيز التلوث فى النيل والترع والمصارف ، ايقاف جميع مشروعات استصلاح الاراضى والتوسع الزراعى فى مصر ، زيادة هشاشة الترب الزراعية المصرية امام تغيرات المناخ ، احتمال اختفاء الاسماك فى نهر النيل ، تحميل الاقتصاد المصرى باعباء اضافية لانشاء محطات تحلية على البحر المتوسط ، ارتفاع نسب البطالة فى مصر بسبب نقص المساحة الزراعية ، تراجع معدلات الدخل القومى بسبب نقص الناتج الزراعى وتراجع معدلات التنمية فى الريف

التاثير السلبى على توليد الكهرباء فى مصر

سيصاحب العجز المائى فى مصر عجز فى انتاج الطاقة الكهرومائية المتولدة من السد العالى فى حدود 40% لمدة 6 سنوات ايضا

ان عدم امتلاء بحيرة ناصر بالمياه سيؤدى الى انخفاض او انعدام التوليد المائى للكهرباء وبذلك تكون كهرباء اثيوبيا فى الواقع على حساب كهرباء مصر بالاضافة الى ضخ المياه لمصر على صورة حصة يومية تتوقف على قدر احتياج اثيوبيا للكهرباء فيتحول النهر الى ترعة يصرف فيها ماء مقنن باوامر من اثيوبيا ولا يصبح لبحيرة ناصر اهمية مائية ولا للسد العالى الذى سيكون هدمه افضل لتقليل البخر من بحيرة ناصر وتدفق حصة مياهنا من سدود اثيوبيا الى داخل البلاد يوميا فى ترعة النيل بدلا من نهر النيل

و اذا تم الوصول الى هذا المشهد المشئوم سيكون من الواجب على مصر ابلاغ اثيوبيا باحتياجاتها مسبقا فى قطاعات الشرب والزراعة والمنازل والصناعة والمحليات حتى تتفضل بصرفها لنا يوما بيوم وكانه ليس نهرا دوليا بل اثيوبيا صرفا

و فيما يتعلق بتاثير " سد النهضة الاثيوبى " على السد العالى فى مصر تشير الدراسات الى ان ثمة تاثيرات سلبية ستلحق بالسد العالى متى اكتمل بناء سد النهضة ومنها :

- سوف يقل المنصرف الى السد العالى اثناء فترة ملء سد النهضة ويعتمد ذلك على معدل الملء

- سوف يقل المنصرف الى السد العالى بمقدار البخر من سد النهضة فى حالة التشغيل العادية لسد النهضة (بافتراض ان الغرض الرئيسى للسد هو توليد الكهرباء)

- تغير معدل المنصرف شهريا للسد العالى

- سوف يعمل السد العالى على مناسيب اقل وتعتمد قيمة الانخفاض على قواعد الملء والتشغيل لسد النهضة

- يعتمد الانخفاض فى مناسيب ومحتويات السد العالى على حالة الفيضان فاذا كان الايراد منخفضا ازداد التاثير حدة

- سوف تتاثر الكهرباء المولدة بالسد العالى سلبا كونها تعتمد بصفة اساسية على مقدار الضاغط على التربينات

و تؤكد الدراسات ان النتائج كارثية على السد العالى فى حالة انهيار سد النهضة حيث ان كميات كبيرة من المياه ستصله فى زمن قصير نتيجة انهيار سد النهضة سيصل بعد 18 يوما تقريبا مما يستحيل التعامل معه فى حالات التشغيل العالية او حتى حالات التشغيل فى حالات الطوارىء حيث ان بحيرة السد يجب ان يكون بها سعة تخزينية فارغة ما بين 24 و58 مليار متر مكعب قبل وصول كميات المياه الناتجة من انهيار سد النهضة كما انه سيغمر ما يقرب من 24 الف كيلو مترا مربعا من الاراضى الزراعية والمبانى السكنية على طول المسافة ما بين سد النهضة والسد العالى

***

بقلم : ليلى الدسوقى

في المثقف اليوم