آراء

القول الفصل لمن يريد أن ينفصل

عبد الباقي قربوعةمن يقول أن المغرب العربي ليس للعرب، ثم راح ينقّب في مزبلة التاريخ عن مقولات وخرائط ردمتها الحضارات الإنسانية، نقول له: إن أمريكا أيضا للهنود الحمر، وجزء من إسبانيا للعرب، وكثير من المناطق في السعودية لليهود، وكثير من الأراضي الإسرائيلية لسوريا وفلسطين، ولإسرائيل بقع مشتتة في العالم هم أنفسهم لا يعرفون مواقعها، وعلى مجلس الأمن الدولي أن يمحو كل العصور الحضارية ليعود بالإنسانية إلى الصفر، ثم عيد إلى الواجهة النزاع الذي كانا قائما بين إبليس وآدم، وكذلك النزاع الذي كان قائما بين قابيل وهابيل.

السؤال موجه للانفصاليين، هل فرنسا احتلت ولاية تيزي وزو أم انبطحت لها طواعية، ومن الذي افتكها من أيادي سلسلة من أنواع الاحتلال، فكان الأمازيغ لقمة سائغة في متناولهم بسبب أقليتهم، وبسبب عدم استنادهم إلى مرجعية دينية صحيحة، إنكم تنازعون أمة إسلامية مزيج من جنسيات كثيرة عرب وأجناس أخرى عرّبها الإسلام من القبائل والتوارق والشاوية وبني مزاب، وفرق كثيرة أخرى، هؤلاء الذين شهدوا أن لا إله الله وأن محمد رسول، وأن العربية هي لغة العبادة ولغة الله، لذلك تعرّب الجميع حُبّا له عز وجل ولرسوله، ونبذوا ما دون ذلك مما يمكن أن يبعدهم عن هذه المشاعر الإنسانية النبيلة.

إذن من التخلف قناعة البعض بأن الإسلام للعرب، الحضارة تجاوزت هذا الفهم منذ آلاف السنين، ولو عاد كسرى إلى زمننا هذا لاستلم الرسالة واعتبر أن مشكلته مع الله وليست مع حامل الرسالة! إذن هؤلاء يعتبرون أن مشكلتهم مع العرب ومع الإسلام وكأن بينها تلازم مقدّس، فلماذا يغضون أبصارهم عن نسبة كبيرة من العرب غير المسلمين، أيام الاحتلال عندما كانوا يقولون بأن الجزائر فرنسية، يعني ليست عربية ولا هي مسلمة ولا حتى أمازيغية، وناوأهم في ذلك الخونة الزوّاف الذين مع الأسف الشديد يتغنون بخرافات بعيدة عن الثقافة الأمازيغية البنّاءة الأصيلة، هؤلاء الذين أرهقوا علماءهم وأحرجوهم أمامك المحتل الفرنسي، وقبلها أمام الكثيرة من الطامعين من الفاطميين الشيعة والعثمانيين الأتراك.

الزواف ذوي الرصيد الفاسد الذين جمع المحتل الفرنسي شملهم، وجعل لهم جيشا مجابها لجيش التحرير الخليط بالعرب الأحرار والقبائل الأخرى، العالم يعرف أن الذين نادوا بالانفصال هم القائلون مرة بأن الجزائر فاطمية، ومرة أخرى عثمانية، وتارة أخرى فرنسية، فقط لأنهم يكرهون اللغة العربية ولديهم حساسية من الإسلام، لأن أحكامه تحرم عليهم مشتهيات شيطانية معينة، إنهم عاجزون حتى عن تحديد أعدائهم.

الإيمان بالله ليس معناه استجابة للعرب بل استجابة لرسالة الله، وحُب اللغة العربية لا يعني أيضا الخضوع للعرب، صحيح أن القرآن الكريم من مفردات قريش، ولكن المضمون ليس من عقولهم، ولا الشريعة أيضا منبثقة من أفكارهم، بل هو كلام الله بدليل أن العرب هم أول من انزعج من نظامه، فحاصروا النبي - صلّى الله عليه وسلم- وعذّبوا أصحابه.

فبهذا المعنى المقدّس تتحوّل اللغة العربية من مجرّد لغة قوم إلى لغة خالق الكون والناس جميعا، ينطبق ذلك أيضا على اللغة العبرية، فالإنجيل الأصلي - مثلا- لم يكن من المعاني المتعارف عليها بين بني إسرائيل، بدليل تعذيب السيد المسيح و(اغتياله)، والقيام بعد ذلك بتعديل الإنجيل من طرف الكهنة، فصار أكثره من أفكارهم الوضعية، لذلك صار دينا خاصا بهم وبأطراف لديهم قابلية للإباحية، أين يكمن الفرق الجوهري بينه وبين الدين الإسلامي الذي يبدو مقارنة بالمسيحية المحرّفة متشدّدا، حيث يختلف الأمر إذا نظرنا إلى القرآن الكريم فهو لا يزال نصا خالصا لله وحده لا شريك له.

فعندما نتحدث عن الدين الإسلامي، يجب أن نعتبر الجنس العربي جنسا كباقي الأجناس الأخرى المستهدفة بالرسالة، وليسو ملّاكا لها بسابق حيازة أو تقادُم، وكونها بالعربية لا يعني ذلك أن مصدرها عربي، فلا فضل للعرب فيها ولا سلطة لديهم عليها، فالبشرية لله جميعا، ولغات العالم هو الذي خلقها فيهم، وله أن يختار أي جنس وأي لغة في العالم لأنها مخلوقاته جميعا، فلو جاءت الرسالة الإسلامية باللهجة الأمازيغية - مثلا - لألزم الله العرب بأن يُصَلُّوا ويقرؤوا نصوصه المقدّسة بأحرفها ومفرداتها، ومن يأبى ذلك لا يكون بالضرورة إلا كافرا سيان كان عربيا أم أعجميا، كما في هذه الحالة أيضا لا يجب أن يشعر الأمازيغ بأنهم ملّاك شرعيين للدين بحكم نزوله بالأمازيغية، بل سيكونون أيضا مجرد قبائل مستهدفة بالرسالة نفسها مثلهم مثل الآخرين الآخرين، ولا يكون أيضا لهم فضل في ذلك بل الفضل كلّه لله، فتتحول حينئذ هذه الأمازغية من لغة قبيلة إلى لغة عالمية مقدّسة، ومن ينزعج من ذلك إنما هو منزعج من خيار الله، ولذوي النباهة أن يعكسوا القضية للوصول إلى الحقيقة، ثم يطمئنوا على كيانهم حين يؤمنوا عليه بعقيدة حضارية صحيحة.

***

عبد الباقي قربوعه/ كاتب من الجزائر

 

في المثقف اليوم