آراء

ليبيا بين حكومات تتعدد وأزمة تتمدد

ابوبكر خليفة ابوبكريتشابك المشهد السياسي في ليبيا،بين تحالفات خفية وتحالفات ظاهرة، وأعداء الأمس هم ذاتهم أصدقاء وحلفاء اليوم، في ظل عرض عبثي، وصورة ضبابية، حتى أصبح من الصعب على أغلب الملاحظين التنبؤ بما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع والأحداث في ليبيا، فها نحن اليوم نشهد أنه ونظراً للصراع والتنافس الذي يكاد يقدح حربا بين الحكومتين المتنافستين على طرابلس، والذي لم يفض إلى نقطة توافق، فكل فسطاط يتمسك بمبراراته ويحشد أنصاره، ونظراً لهذا الاستعصاء والتمنع فإن الأمور تتجه في الكواليس نحو حكومة ثالثة، حيث يتداول الحديث بشأنها بين الأطراف السياسية المحلية (مجلس النواب ومجلس الدولة) برعاية الأطراف الدولية،وإن تم نفي هذا الأمر بين ممثلي المجلسين..

فهل ستكون هذه الحكومة الثالثة الحل الناجع الذي سيمهد الطريق نحو الانتخابات المرتقبة؟أم أن الأزمة ستستمر مع أي حكومة وكرة الثلج المتدحرجة ستكبر أكثر وأكثر؟ فالحكومات المؤقتة منذ عقد ونيف في ليبيا تتوالى ولاجديد، لتظل ليبيا عالقة في هذه المرحلة الإنتقالية التي تتحرك ببطء شديد قاتل لأن:

أولا/ الإرادة الدولية غير واضحة، والأزمة الليبية يعاد تدويرها والمنتظم الدولي يبقى غير جاد في إنهائها، ومن عام إلى عام يزداد ويتفاقم التكالب الدولي، ويتعقد المشهد أكثر فأكثر، وملتقيات وقمم هناك وهنالك حول ليبيا تتعدد وتتمدد، فإما أن تكون النتائج هزيلة لا تغني ولا تسمن من جوع، أو تكون النتائج كارثية ولا تفضي إلى التوافق بقدر ماتفضي إلى مزيد من التشظي وتعزز الإنقسام، والأطراف الدولية المتدخلة كل طرف له حساباته ومصالحه، وهو سبب رئيسي معرقل نحو الحل الجذري للأزمة الليبية، ولا شك أن الصراع المحتدم بين الطرفين المتدخلين الرئيسيين وهما؛ أمريكا وروسيا، فيما تعلق بالحرب في أوكرانيا، لابد أن يلقي بثقله بقوة على ليبيا، وكلما إحتد الصراع هناك، يصبح الشد والجذب أكثر فأكثر في ليبيا وتغدو ساحة لتصفية الحسابات وتكسير العظام بينهما وبأدوات محلية ..

ثانياً/ الإرادة المحلية تظل مكبلة ومغلولة لتبقى الهوة بين الليبيين حتى اليوم غائرة وعميقة، ولن تجدي المعالجات السطحية والعابرة لجسر هذا البون الشاسع، ولا شك أن تفاقم التدخل الدولي والذي خلف نزاعات وصراعات أحدثت فجوات وباعدت الشقة بين الجهات والمناطق والمكونات الاجتماعية الليبية، والذي أفرز أيضا تغول المليشيات والكيانات المدججة بالمال والسلاح والمدعومة من الأطراف الخارجية، وبالتالي صعوبات كبيرة وطريق غير ممهد نحو تكوين مؤسسة عسكرية حقيقية وقوية وموحدة، ومازال هذا التدخل السافر يحول دون إلتئام الجروح ورص الصفوف.. وإن من شأن تحقيق مصالحة حقيقية وعميقة وشاملة لا تقصي طيفا أو أحداً أو مكونا، أن تضع حجر الأساس لبناء الثقة ونبذ الصراع بين الليبيين، وأن تشمل هذه المصالحة المنشودة آليات سياسية (لإنتاج حكومة وطنية حقيقية وجامعة لجميع الليبيين) وقانونية (لتحقيق العدالة الانتقالية وجبر الضرر وتفكيك المليشيات)، وأن يكون دور المنتظم الدولي فقط في إطار الدعم والمؤازرة والمباركة من أجل تحقيق التوافق والوئام.

إذن الأمر يتعلق بشكل أساسي بضرورة توفر وتحقق إرادة دولية وأممية حقيقية وجادة نحو توحيد الليبيين والذين بلا شك إرادة أغلبهم تروم تحقيق مصالحة ليبية_ليبية تنكأ الجراح وتؤسس للإستقرار والبناء، أما القفز نحو حكومة ثالثة ورابعة، فهو كالحرث في الماء أو البناء بدون أسس، والنتيجة الإخفاقات المتواصلة على كل الأصعدة، وعرقلة المسار نحو بناء ليبيا وربما الإنجراف إتجاه سيناريوهات تهدد الوحدة الليبية .

***

د. أبوبكر خليفة أبوبكر

كاتب وأكاديمي ليبي

 

في المثقف اليوم