آراء

الصراع الثقافي ومستقبل استراليا

عباس علي مراديدور حالياً نقاش حول تغييرات سياسية وثقافية تحتاجها أستراليا وتطال هوية الأمة ومستقبلها، هناك من يؤيد وهناك من يعارض. من هذه التغييرات المقترحة وبعض المواقف التي تشير إلى هذا الحراك والصراع التغييري على المستوى السياسي والثقافي:

1- التزام حكومة العمال برئاسة انطوني البانيزي بوعدها الإنتخابي  بتغيير الدستور عبر استفتاء الاستراليين للإعتراف بالسكان الأصليين بالدستور ومنحهم صوت استشاري عند البحث ومناقشة المواضيع التي تتعلق بهم في البرلمان.

بدأت حكومة العمال الإجراءات العملية لتنفيذ وعدها الإنتخابي، ففي كلمة له قال البانيزي في مهرجان كارما الثقافي الذي عاود نشاطه في أراضي أرنهيم بعد توقف دام عامين بسبب وباء الكورنا، قال انه سيقترح طرح هذا السؤال على جميع الأستراليين: "هل تؤيد تعديل الدستور ليُعطي صوتًا للسكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس؟

 أكد البانزي في خطابه ان ما نقترحه ليس شيكاً على بياض، ولن يكون هناك مجلس ثالث وسيكون دور الهيئة استشاري ولا تملك حق النقض.

وأضاف بالتواضع يمكن ان نفعل الكثير، لأن أكثر من 200 عام من الوعود والخيانات والفشل والبدايات الزائفة لا تتطلب أقل من ذلك.

وأوضح ذلك بقوله دعونا نفهم جميعاً، ليس على أستراليا أن تختار بين تحسين حياة الناس وتعديل الدستور، يمكننا أن نفعل كلا الأمرين، وعلينا أن نفعل ذلك، لأن 121 عامًا من حكومات الكومنولث تؤمن بغطرسة أنها تعرف ما يكفي لفرض حلولها الخاصة على السكان الأصليين، أوصلنا إلى هذه النقطة ووصف هذا الأمر بأنه عذاب العجز.

2- الوزير المساعد لتحويل أستراليا الى جمهورية مات ثيستلثويت يقول إن النواب يجب أن يتعهدوا بخدمة الشعب الأسترالي الذي انتخبهم وليس العائلة المالكة البريطانية، ويصف ثيستلثويت  اليمين الدستوري الذي يؤديه الوزراء والنواب "إنه قديم ومثير للسخرية، إنه لا يمثل أستراليا التي نعيش فيها وهذا دليل إضافي لحاجتنا للبدء في مناقشة تحويل أستراليا الى جمهورية وانتخاب رئيس أسترالي لأننا لم نعد بريطانيين". نشير الى انه في العام 1999 فشل استفتاء تحويل استراليا الى جمهورية.

3- الشهر الماضي خرجت زعيمة حزب أمة واحدة السيناتورة بولين هانسون من جلسة مجلس الشيوخ لأنها تعارض الإعتراف بملكية السكان الاصليين وخرجت احتجاجًا أثناء تلاوة كلمة الأعتراف، وقالت إنها اعترضت على تغيير آخر وهو رفع علم السكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس جنبًا إلى جنب مع العلم الأسترالي في مجلسي النواب والشيوخ.

4- رئيسة مجلس الشيوخ الجديدة سو لاينز قالت إن الصلاة الإفتتاحية في البرلمان يجب أن تلغى لأن تركيبة البرلمان الاسترالي تغيرت.

5- في وقت سابق من هذا العام رفض زعيم حزب الخضر آدم باندت الظهور في المؤتمرات الصحفية التي يرفع فيها العلم الأسترالي. وهذا ما يتماشى مع ما يحصل سنوياً من نقاش حول تغيير العلم الأسترالي في يوم استراليا الوطني الموافق في 26 كانون ثاني من كل عام، حتى ان هناك مجموعات عديدة تنتمي الى أطياف متنوعة سياسياً وثقافياً من المجتمع الأسترالي تطالب بتغيير الاحتفال باليوم الوطني نفسه لأن السكان الأصليين يعتبرونه يوم الغزو. 

6- ليديا ثروب عضو مجلس الشيوخ عن حزب الخضر أشارت إلى "استعمار جلالة الملكة إليزابيث الثانية"عند إداء القسم الدستوري  كعضو في مجلس الشيوخ وقد اضطرت إلى إعادة أداء اليمين مجدداً ليتوافق مع النص المطلوب.

7- السجال الذي جرى الأسبوع الماضي في البرلمان حول ارتداء ربطة العنق في البرلمان بين النائب من الحزب الوطني بات كوناجان وزميله من حزب الخضر ماكس شاندر ماذر لانه لم يرتدي ربطة العنق واتهم كوناجان زميله بخرق قواعد اللباس البرلمانية، وقد رد النائب ماكس شاندلر ماذرعلى كوناجان بالقول:

"إنه أمر غريب تمامًا أنني بحاجة إلى أن أرتدي مثل رجل الأعمال في حين أن هذا المكان من المفترض أن يمثل جميع الأستراليين. لقد وقفت للحديث عن أزمة الإسكان وأراد الليبراليون التحدث عن ربطة العنق الخاصة بي".

وقد حسم رئيس البرلمان الأمرلأنه صاحب الصلاحية في تقرير قواعد اللباس في البرلمان ولم يعترض على خطوة النائب ماكس شاندلر ماذر.

8- رفض زعيم المعارضة الفيدرالية بيتر داتون (احرار - وطني) دعوة رسمية لحضور احتفال كارما الثقافي الذي يقيمه السكان الأصليون في أراضي أرنهيم، والذي فسره البعض كأنه يتخذ موقفاً سلبياً من قضية الاستفتاء حول إعطاء صوت إستشاري للسكان الاصليين في البرلمان الذي تقترحه الحكومة، وكان داتون قد قال إنه مهتم أكثر بالتدابير العملية التي من شأنها تحسين مستويات معيشة السكان الأصليين.

لكن زعيم المعارضة بيتر داتون ظل منفتحاً، ولم يقبل ولم يرفض فكرة الصوت المكرس دستوريًا في البرلمان وقال "سنلقي نظرة على ما يقترحونه أريد أن تكون الطبيعة الرمزية - التي أوافق عليها مهمة جدًا لكثير من الناس مصحوبة بردود عملية."

رئيس الوزراء انطوني ألبانيزي علق على ما قاله داتون بقوله، أن الإقتراح هو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله، والسؤال المطروح على داتون هو إذا ما كان على استعداد للمخاطرة بقيادته لأن  الأمة ليست في حالة مزاجية لتوافق سياسي أبيض آخر يريد الدفاع عن الوضع الراهن.

دخل على السجال القائم حول إعطاء صوت للسكان الأصليين في البرلمان رئيسا الوزراء السابقين كيفن راد (عمال) وطوني أبوت (أحرار)، فانتقد راد بشدة حملة المحافظين ضد الإستفتاء وهاجم غريمه السابق طوني أبوت لقوله ان الصوت المقترح سيغير نظام الحكم في أستراليا وسيقوض وظيفة البرلمان بسلطات تشبه حق النقض، وأضاف راد إن التعديلات الدستورية المقترحة لإنشاء الهيئة "متواضعة" وأن الهيئة سيكون لها دور استشاري للحكومات فقط.

وكان أبوت وفي مقالة له في صحيفة (ذي أستراليان) تساءل ما هو الهدف من" الصوت"إذا لم يكن تغيير طريقة عمل الحكومة؟

وأضاف إن أي تغيير دستوري يتطلب من الحكومة النظر في تأثير التغيير بشأن مسائل تتعلق بشؤون السكان الأصليين، لأنه  يجعل الإجراءات الحكومية أكثر عرضة للطعن القانوني.

ويعتقد أبوت أن الصوت سيكون "شبيه بالفيتو" على قرارات البرلمان، وسيغير الطريقة التي تعمل بها الحكومة "لأن مجموعة معينة سيكون لها رأي غير محدد، حول مواضيع غير محددة، مع تداعيات غير محددة".

السيناتورة الليبرالية جاسينتا نامبيجينبا برايس قالت: إنها ستشن حملة ضد الصوت الخاص بالسكان الأصليين داخل حزب الأحرار، معتقدة أنها وان كانت "لفتة رمزية" من شأنها أن تؤدي إلى المزيد من الانقسام ولن تؤدي إلى تحسينات عملية.

وهناك بعض الأصوات من السكان الأصليين الذين يعارضون إقتراح الحكومة ويصرون على عقد إتفاقية مع الحكومة لإعادة الحقوق لهم.

لماذا هذا التغيير والتعديل مهمان؟

إن بيان اولوروا من القلب والذي وقعه 250 من زعماء السكان الأصليين عام 2017 كان قد مدّ يد الصفح عن الماضي، ويجب أن يلاقى بالإيجابية من قبل القوى السياسية والثقافية والدينية والإجتماعية الأخرى المكونة للمجتمع الأسترالي، وعليها أن تتلقف هذه الدعوة حتى تكون هناك مصالحة حقيقية، وعقد اجتماعي جديد مكرس في الدستور، لأن هذا الامر لا يقل أهمية عن القضايا التي تواجه الشعب الأسترالي، لا بل أنها يجب أن تكون من الأولويات الوطنية حتى نتمكن من مواجهة التحديات المستقبلية الأخرى، واعتقد ان الحكومة تسير في الاتجاه الصحيح، وإنها فرصة لزعيم المعارضة الفيدرالية بيتر داتون ليقود حزب الأحرار بعيداً عن مواقفه القديمة واعلان الطلاق معها، وهناك بعض المؤشرات الإيجابية بهذا الخصوص حيث أعلن داتون عن أسفه للخروج من البرلمان إعتراضاً على خطوة حكومة راد بالإعتذار للأجيال المسروقة عام 2008.

***

عباس علي مراد

سدني

في المثقف اليوم