آراء

ستيفاني وليامز وجياع النخبة السياسية الليبية ولكن!!

ابوبكر خليفة ابوبكرأجسام سياسية وقد إنتهت صلاحيتها تواصل العبث بمصير ومقدرات ليبيا، بشخوص يتشبثون بالسلطة وإمتيازاتها ومغانمها، وعموم الشعب يعانون الويلات في ظل إقتصاد متداعي جراء هذه الفوضى السياسية والتشظي والإنقسام المجتمعي ؛ ترعبهم "أي هذه الأجسام" الانتخابات المرتقبة لإنها تهدد كراسيهم والتي إستمرأو الالتصاق بها نظرا لما تدره عليهم من مكاسب مادية وحصانة، حتى صارت هذه الأجسام الجاثمة على صدور الليبيين تدير اللعبة فيما بينها لتبرير بقاءها عن طريق التحالفات الخفية والظاهرة، وعن طريق إصطناع الأزمات، لتبقي هذه الأجسام نفسها، حتى تواصل نهب مايمكن نهبه بإغتصابها وتربعها القهري على المناصب خاصة الحساسة منها، وترعبهم أي هذه الأجسام بلا شك فكرة تجسيد مصالحة حقيقية وعميقة وشاملة يرشح عنها ترتيبات سياسية تعصف بإمتيازاتهم أو ترتيبات قانونية قد تفضي حتى إلى ملاحقة بعضهم ..كيف لا ؟ وهم كما تقول عنهم "ستيفاني ويليامز" (المستشارة الأمريكية الخاصة السابقة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا) يرحبون بالتدخل الخارجي، وترى بأن الفشل الحقيقي في ليبيا هو فشل النخبة السياسية، والتي لا تريد الانتخابات لإنها ستفقدها إمتيازاتها، وتضيف بأنها تلقي باللوم على التدخل الخارجي في ليبيا، لكنها في الوقت نفسه ترى بأن النخبة المتزعمة للمشهد في ليبيا هي من فتحت الباب له ومازالت ترحب به...حتى وصلت إلى وصفهم بالتوافه والجياع، والذين يتمنون السفر ويصدقون بأنهم رجال دولة يفرش لهم البساط الأحمر، الأمر الذي يبعث على القرف والغثيان حسب تعبيرها؛ إلى درجة أنهم يمكن رشوتهم بتذكرة سفر وليلة في فندق درجة أولى أو حتى وجبة معتبرة. وسبق للمبعوث الأممي السابق في ليبيا" غسان سلامة" أن أشار وأعلن عن وجود طبقة سياسية في ليبيا لديها مستوى عالي من الفساد ومن التقاتل على الكيكة حسب تعبيره، وأوضح أن هذه الطبقة لاتهتم بمواطنيها التعساء الفقراء في بلد غني، واصفا أن الكثيرين متمسكين بمناصبهم لأنها تسمح لهم بنهب الثروة، موضحاً أنهم يستولون على المال العام ثم يهربونه للخارج...

وفي ظل هذا المشهد الكارثي المخيب بعد تغيير مابعد 2011، والذي يشبه نظيره في العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين عام 2003، حيث تكونت طبقة سياسية محدثة النعمة تتميز بفسادها الشديد حسب عديد التقارير الدولية، لكن السؤال الذي يفرض نفسه بناءاً على ذلك: بما أن المتدخل الرئيسي في الوضع الليبي (رغم تعدد الأطراف) هي الولايات المتحدة الأمريكية القوة الأولى في العالم، ألا تستطيع أمريكا أن تفرض الحل الجذري للأزمة الليبية وفق آليات معينة بالتعاون مع الأمم المتحدة (والتي تخضع للنفوذ الأمريكي بشكل أخص) ويلتزم بهذه الآليات كل المتدخلين في الشأن الليبي والأجسام السياسية المحلية؟ وبما يضمن مصالح أمريكا الإستراتيجية ومصالح كل القوى الدولية المتدخلة في ليبيا؟ فأمريكا بمخابراتها وأدواتها لديها تشخيص دقيق ومفصل لكل عقد ومعوقات الأزمة الليبية، وتدرك من هم المعرقلون المحليون، أشخاصاً، ومكونات سواءا سياسية أو إجتماعية، ولديها كل الحيثيات فيما يتعلق، بالكيانات المسلحة بأشخاصها وشؤونها ومواقعها وممتلكاتها من المال والسلاح، وأيضا انواع هذه الكيانات سواءا المحلية أو المافيوزية أو المؤدلجة ...وبعد كل هذه المعطيات السالف ذكرها يطل التساؤل التالي برأسه: هل أمريكا هي محدثة للسلام والرخاء والإستقرار أم صانعة للأزمات والحروب الفوضى؟، فلم نسمع أو نشهد حتى الآن دولة تدخلت فيها أمريكا وأرست الإستقرار والرخاء وهيأت للمناخ الديمقراطي وساهمت في تأسيس نخبة سياسية وطنية ونظيفة، ولنا في العراق خير مثال، حيث حلت طبقة سياسية ينخرها الفساد محل الديكتاتورية الموصوفة السابقة، وإنهار الاقتصاد العراقي، بعد أن تم بشكل أساسي هيمنة امريكا على مقدرات العراق النفطية، عن طريق تحصيل نسب عالية من ارباح مورد النفط العراقي، وماتبقى للعراقيين. وأيضاً مايتداول حول محاولات بعض القوى الدولية وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا الهيمنة على الموارد الليبية النفطية عن طريق تطويق المؤسستين السيادتين الرئيستين وهما: مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية الليبية للنفط، وكذلك المحاولات المشبوه من بعض الأطراف الدولية الإستيلاء على بعض الأرصدة الليبية المجمدة بالخارج وحتى الإستثمارات،بالتعاون مع المافيات والعملاء المحليين.

والأمر على هذه الشاكلة، تصبح تصريحات السيدة ستيفاني وليامز ،مجرد حبر على ورق، أو هي كلمات مرصوصة ووصفية ودعائية لذر الرماد في العيون، وكذلك الأمر بالنسبة لتصريحات وكتابات وانطباعات أغلب المبعوثين الأممين لليبيا وعلى رأسهم طارق متري وغسان سلامة،والذين يرون أن مشكلة ليبيا الرئيسية في هذه النخبة السياسية الفاشلة التي تتصدر المشهد الليبي الكارثي.

 نحن نرى أن هذه النخبة أولا /هي من إفراز المجتمع الليبي، الذي مازالت تتغلغل فيه الجهوية والقبلية والإثنية، وغلبة عقلية المصالح الذاتية والنفعية والغنيمة، وثقافة الدولة الريعية التي ترسي النمط الاستهلاكي على حساب نوازع الابداع والإنتاج .

 ثانياً/ إن التدخل الدولي وهو غالباً يستهدف الهيمنة لأغراض اقتصادية وإستراتيجية، لا يستسيغ وجود نخبة سياسية وطنية حقيقية تعلي مصلحة الوطن على المصالح الذاتية أو الجماعية، حتى لو إضطر المتدخلون الدوليون إلى صناعة نخبةوطبقة سياسية عميلة بالتمكين لها عبر وسائل متعددة، وذلك حتى تتمكن هذه القوى الدولية المتدخلة من تنفيذ أجندتها بأقل تكلفة،وعبر شعارات خادعة ومضللة كنشر قيم الديمقراطية.

***

د. ابوبكر خليفة أبوبكر

كاتب وأكاديمي ليبي

في المثقف اليوم