آراء

مرجان أحمد مرجان في البيت الأبيض!

منى زيتونفرق كبير بين أن تدير شركتك الخاصة وبين أن تدير مؤسسة حكومية عامة كبيرة، ففي الحالة الأولى بإمكانك تخطي كل مرءوسيك واللجان المُشَّكلة والاحتفاظ بما شئت من أوراق هامة في خزانتك الخاصة، دون أن يتهمك أحد بالفساد أو التآمر، وكما يقول المثل الشعبي فإن "من حكم في ماله ما ظلم"، لكن في الحالة الثانية –وفي الدول الديمقراطية تحديدًا- ليس بإمكانك أن تحكم وتدير مؤسسة حكومية بمنطق العزبة الخاصة بك.

وحالة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابق دونالد ترامب تعتبر أكبر مثال على الفشل في التمييز الإداري؛ فهو قد حكم أكبر دولة في العالم بالأسلوب ذاته الذي يدير به شركاته، وليته كان رجل أعمال شريف يدير أعماله بأسلوب نزيه راقٍ، بل عُرف عنه أنه من أكبر مروجي الشاي بالياسمين! والاتهامات بالفساد والتحايل في قيمة أصوله المالية بتعليتها عند أخذ القروض من البنوك، وتخفيضها عند عرض الملفات الضريبية، رائحتها تزكم الأنوف، والتحقيقات فيها لا تنقطع.

اقتحام منزل دونالد ترامب في بالم بيتش

منذ أيام فوجئ العالم بأسره بخبر اقتحام عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي FBI منزل الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب في شاطئ النخيل (بالم بيتش) في ولاية فلوريدا، أثناء غياب ترامب عنه، حيث اعتاد ترامب أن يقضي هذا الوقت من العام في منزله بنيويورك بسبب ارتفاع درجة الحرارة في ولاية فلوريدا في شهر أغسطس.

وتشير مذكرة تفتيش منزل ترامب أن التفتيش يتم لاستكمال التحقيقات في ثلاث تهم خطيرة موجهة لترامب، بموجب قانون التجسس، وهي (جمع ونقل أو فقد معلومات دفاعية- ملاحقة موظف فيدرالي يقوم عمدًا وبشكل غير قانوني بإخفاء السجلات العامة أو إزالتها أو تشويهها أو محوها أو تزويرها أو إتلافها- إعاقة سير العدالة).

https://abcnews.go.com/Politics/live-updates/trump-investigation/?id=88284249

واستعاد FBI بعد المداهمة 11 مجموعة من المستندات من تصنيفات مختلفة تتراوح من المعلومات السرية إلى المعلومات السرية للغاية والحساسة.

فما هي تلك المعلومات الدفاعية التي يتم البحث عنها في بيت ترامب، مصحوبة بتحقيقات تحت قانون التجسس  under the Espionage Act؟!

قبل مغادرة البيت الأبيض نقل دونالد ترامب صناديق كثيرة من الوثائق (أغلبها من فئة غاية السرية)  إلى منزله في فلوريدا، كما رأى العالم أجمع أحد مساعديه يأخذ الحقيبة النووية الأمريكية أثناء صعوده إلى الطائرة مع السيدة الأولى ميلانيا عند مغادرة البيت الأبيض. وقد تداركت وزارة الدفاع الأمريكية الأمر بتسليم الرئيس الحالي جو بايدن الحقيبة النووية البديلة في تمام الثانية عشرة ظهر يوم تنصيبه، وإبطال شفرة الحقيبة التي حملها ترامب معه، واستطاع موظف فيدرالي كان قد صاحب ترامب على الطائرة من استعادة الحقيبة الأصلية في اللحظة ذاتها التي تم فيها تنصيب بايدن.

وقتها ظن العقلاء عبر العالم أن الأحمق لا زال يرفض أن يصدق أنه لم يعد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وأن ما فعله استكمال لسيناريو رفض الاعتراف بالهزيمة في الانتخابات أمام جو بايدن، والذي لا زال مستمرًا، فترامب لا زال ينفق الأموال لشراء الذمم وتخريب كثير من مساعي الرئيس الأمريكي الحالي بايدن في الإصلاح الداخلي، وهناك تقارير مخابراتية مؤكدة بأنه يدفع للذباب الالكتروني لكتابة التعليقات المسيئة ووضع وجه تعبيري ضاحك تحت المنشورات ومقاطع الفيديو التي تنشرها قناة البيت الأبيض على اليوتيوب، كما حاول العودة إلى منصة تويتر عن طريق الدفع بإيلون ماسك لشراء أسهمًا في المنصة، لكن الصفقة فشلت بعد أن أعلن ماسك نيته إعادة ترامب إلى تويتر، وهو ما قوبل بالرفض.

والأهم أن رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI الذي سبق أن عينه ترامب بنفسه تباطأ كثيرًا في استعادة الصناديق والحقائب التي تحوي وثائق أمن قومي مصنفة على أنها في غاية السرية، فماذا حدث فجأة جعله يقرر اقتحام منزل ترامب لاستعادة تلك الوثائق التي كان يتلكأ وكأنه ليس عليه استعادتها؟! فكأن ترامب سيعود قريبًا إلى البيت الأبيض، -وهو ما يتوهمه كثير من أنصاره- فليعيدها حينها هو بنفسه! وبالمناسبة فقد كان هذا ما فعلته الموظفة المسئولة عن التعاون مع إدارة بايدن، وعطّلت انتقال السلطة إلى إدارته على أمل أن تقبل المحاكم تظلمات ترامب التافهة التي لم تزد عن ادعاءات بتزوير الانتخابات لم يقم عليها أدنى دليل!

ووصف المتحدث باسم ترامب تيلور بودويتش الوثائق التي جمعها عملاء FBI بأنها وثائق رُفعت عنها السرية، وهو ما نفاه مكتب التحقيقات الفيدرالي وفقًا للبيانات الرسمية الصادرة عنه، بل وصف المعلومات في الوثائق بأنها تتراوح من المعلومات السرية إلى المعلومات السرية للغاية والحساسة في 27 صندوقًا، ومعلومات عن الرئيس الفرنسي، وبعض الصور والمجلدات الخاصة بترامب.

هل تم إحباط عملية للمخابرات الروسية ؟

لا يخفى على أحد على هذا الكوكب الصراع المشتعل منذ أواخر فبراير هذا العام، بين روسيا وأوكرانيا، ووقوف دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب أوكرانيا، ومن ثم إعلانها العداء لإدارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

كما لا يخفى أن الحكومة الصينية اعتبرت زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي الأخيرة لتايوان إهانة كبرى، والتقارير السياسية والإخبارية تؤكد أن الصين تبحث عن رد يتناسب مع ما فعلته بيلوسي.

ولكن لأنه تم الكشف عن مذكرة استدعاء في الربيع تلقاها ترامب بخصوص وثائق لم يعدها إلى الأرشيف الوطني، وأنه لم يمتثل بإعادة الوثائق، فالأمر يبدو لا يخص زيارة بيلوسي الأخيرة للصين.

ووفقًا لآخر معلومات أعلنت، فمكتب التحقيقات الفيدرالي أشار إلى أن تحركه بمداهمة منزل ترامب كان تخوفًا من احتمالية وقوع هذه المستندات في أيدٍ غير أمينة، وأن ترامب يغيب عن منزله في شاطئ النخيل (بالم بيتش) في ولاية فلوريدا التي تقع في أقصى الجنوب الشرقي من أمريكا القريبة للغاية من كوبا، في هذا الوقت من العام، وأن المستندات التي تم التفتيش لاستعادتها هي مستندات دفاعية (نووية)، الكثير منها في غاية السرية.

وهذه الإشارات للتهديد الأمني الوشيك "imminent security threat" للأمن القومي الأمريكي الذي استند إليه في قرار مداهمة منزل ترامب، وللأيدي الخفية التي يمكن أن تقع في أيديها المستندات الدفاعية الموجودة في منزل على الشاطئ، يبعد أميالًا بحرية قليلة عن كوبا (عدو أمريكا اللدود)، ويغيب عنه صاحبه وأسرته، ألمحت إلى معلومات مخابراتية تجمعت لدى المخابرات الأمريكية عن تخطيط عملاء لمخابرات دول معادية (روسية غالبًا) للوصول إلى هذه المستندات عن طريق البحر، وهو ما دفع رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي –رغم ولائه للجمهوريين- إلى التحرك سريعًا لاستعادتها، فالمسألة لم تعد سباقًا بين الجمهوريين والديمقراطيين، بل أمست فجأة مسألة تمس الأمن القومي الأمريكي، وتهدد بتعرف الروس على شفرة الدفاع النووية الأمريكية السابقة، ومعرفة بيانات عن كيفية تفعيلها، وغيرها من البيانات الهامة.

والشبهات عن علاقة دونالد ترامب بإدارة الرئيس الروسي بوتين بدأت منذ حملته الانتخابية الأولى أمام هيلاري كلينتون، والتي ثارت شبهات بالتدخل الروسي فيها لإنجاحه، ولكنها سكتت لعدم كفاية الأدلة.

وفي شهر ديسمبر 2020، وأثناء عرقلة إدارة ترامب إجراءات انتقال السلطة إلى إدارة بايدن، حدثت محاولات اختراق الكترونية خطيرة لبيانات قومية هامة، وأشارت تقارير إلى أن الاختراق روسي، ولم تُعر إدارة ترامب الأمر أدنى اهتمام!

والآن جاءت القنبلة التي فجَّرت ظهر البعير.

والسؤال الأهم الآن: هل حاول الروس اختراق منزل ترامب في غيابه، للحصول على المستندات الدفاعية غاية السرية، والتي أحضرها معه من البيت الأبيض فقط لأنه أحمق؟ أم أن صاحب المنزل أحضر المستندات إليه ليمكن الروس من الحصول عليها، وأنهم ظنوا أن الوقت صار ملائمًا؟! بمعنى أدق: هل دونالد ترامب أحمق أم خائن؟!

ولعل من أهم الإشكاليات في محاكمة ترامب بشأن التهم المتعددة التي تلاحقه أن تفاصيل المحاكمات ربما ستبقى سرية حفاظًا على هيبة الولايات المتحدة، ولن يُكشف سوى عن مجرد عناوين، بل ربما ستبقى مذكرة الاستدعاء في حقه أيضًا سرية، وهو ما سيبقى منزوعي البصيرة رافضين تصديق أن ترامب محتال ولص وغالبًا خائن، ويدعموه باعتباره مظلومًا، لأن إدارة بايدن تلفق له التهم لمنعه من خوض الانتخابات الرئاسية القادمة التي تكفي ثبوت اتهامات فساد الذمة المالية والتهرب الضريبي لمنعه من خوضها، ولكنه يتحدث وكأنه نالها، وفاز في استحقاقاتها!

كما تجددت المخاوف بشأن احتمال زيادة مستويات العنف ضد سلطات إنفاذ القانون والمسئولين الحكوميين الأمريكيين بسبب ادعاءات ترامب بأنهم يلفقون له الاتهامات؛ فسيبقى الحمقى في كل زمان ومكان يحبون الأبواق الصوتية الفارغة كثيري الضجيج، مهما تسببوا لأممهم من كوارث.

***

د. منى زيتون

السبت 13 أغسطس 2022

 

 

في المثقف اليوم