آراء

مدافع الأراجيف

اياد الزهيريصحيح لم تغادر دول العالم ليومنا هذا أسلوب الحروب التقليدية، المتمثلة بوسائلها القديمة مثل البندقية والمدفع والطائرات، أو التي تهدد بأستعمالها من وسائل الدمار الشامل، مثل الأسلحة النووية، وهنا اعتبرت أن الأسلحة الذرية في خانة الأسلحة التقليدية، على أساس تصنيفها بالحروب الخشنة، التي يروح ضحيتها الأنسان، ويُدمر بها البنيان بكل مستوياته، ومن أمثلتها الحروب العالمية الأولى والثانية، والحرب العراقية الأيرانية، والآن ما يدور من حرب بين روسيا وأكرونيا، أما الصنف الآخر من الحروب والذي هو موضوع مقالتنا، فهو ما يُعرف بالحرب الناعمة والتي تُستعمل بالتوازي مع الحرب الخشنة بالشرق الأوسط من قِبل الغرب بقيادة أمريكا، وقد أستخدمتها امريكا ضد الأتحاد السوفيتي قبل انحلاله، والذي قاد الى تشظيته الى دول متعددة، والتي تسمى اليوم، بجمهوريات الأتحاد السوفيتي السابق.

اليوم بلدان الشرق الأوسط تتعرض الى هجوم غير مسبوق من خلال الحرب الناعمة، وخاصة الدول العربية والأسلامية، وبالخصوص العراق بعد أن عجزوا عن تشظيته بالحرب الخشنة (داعش) . هذه الحرب توجه أسلحتها المعنوية على فت عضد الجماعة وتضعيفها، ومن ثم تشظيتها، وبالتالي التمكن منها . هذه الحرب تتوجة بأسلحتها نحو تضعيف القيم الأجتماعية والدينية والوطنية التي تمثل المادة الأسمنتية للبناء الأجتماعي، والرابطة لنسيجه الوطني، ويكون ذلك عبر أحداث النزاعات البينية تحت مبررات مناطقية وقومية ودينية وطائفية وحتى ثقافية، يبدأ بتحريك الأختلافات، وتنميتها عبر مرور الزمن الى صراعات، تتطور الى حروب، وعندئذ تحدث الفاجعة . من أدوات الحرب الناعمة هو محاولة أحياء اللهجات واللغات القديمة، مثل أحياء الأمازيغية والآرامية وغيرها، وتقوية اللهجات المحلية لتعزيز الخطوط الفاصلة بين أبناء البلد الواحد، كما يمكن أستخدام سلاح الطائفية كما في ظاهرة داعش في العراق، لدق أسفين الصراع بين المكون العربي فيه، بالأضافة الى أحياء وتعزيز الشعور القومي، كما في المسألة الكردية، كما يحدث الآن في أكثر من دولة، مثل أيران وتركيا وسوريا والعراق، وهي ورقة تلعب بها أسرائيل بقوة كعامل تفتيت وزعزعة لأمن هذه الدول . من صفات الحرب الناعمة أن وسائلها متنوعة وكثيرة،ومرنة، فبالأضافة لما سبق من صفحات وعوامل، يعمد البعض الى محاولة زرع أو ألصاق سلوكيات غير مرغوب بها، تبعث على بث الحقد والكراهية بين صفوف الجماعة والمجتمع الواحد، ويكون ذلك عبر أدخال قيم جديدة تسبب ردود فعل عنيفة، وأستهجان البعض، وكلما تكون القيم الدخيلة حادة الأختلاف مع القيم التقليدية، كلما يكون الرفض لها أقوى، مما يسبب صراعاً بينياً أكثر حدةً، ويتمثل ذلك بالقيم الغربية التي يتقاطع الكثير منها مع القيم الدينية والأجتماعية السائدة في المجتمع، كما من أمثلة هذه الأسلحة هي الأسلحة الفكرية، ومن أمثلته الألحاد، وهو فكر يتناقض بشكل حاد من أعتقاد الأكثرية الساحقة المؤمنة، وهذا ما يحدث شرخاً اجتماعياً حاداً وخطيراً، وله تداعيات لا تًحمد عقباها على النسيج الأجتماعي، مما يؤدي الى أنهيار ترابط نسيجهم الأجتماعي، كما هناك وسائل أعلام تعمل بشكل خبيث على بث الأفكار الفوضوية واللاأخلاقية في المجتمع المتراص قيمياً لكي يتراخى في أستجابته لصد عدوان خارجي يتعرض له البلد، كما حدث للعراق من أحداث الأحتلال الأمريكي للعراق، وكذلك داعش، فكانت الفتوى التي أصدرها المرجع الديني آية الله السيستاني الأثر الواضح في أستجابة الناس السريعة لها في صد العدوان الداعشي، والمساهمة في طرده من حيث أتى وأنقذ البلد من التهديد الوجودي له الذي كاد ان يعصف بوجوده التاريخي والحضاري . فمثل هذه الفتاوي يُراد لها أن تُقابل بالأعراض، والصدود من قِبل الجماهير في مستقبل الأحداث المراد أفتعالها .

للأسف هناك بعض الكتاب والمثقفين ممن أصبحوا أدوات للحرب الناعمة التي تُشن على شعوبهم، وهؤلاء صنفين، صنف غير دارك لحقيقة ما يجري، ومصاب بحالة من الأنبهار بقيم الغرب، بحيث أن أنبهاره أصابه بعمى الألوان، فجعلته لا يميز بين ما هو مفيد، وما هو ليس بمهم ومفيد لمجتمعاتنا، ولا يساير خصوصيتنا، وأما الصنف الأخر، فهو من سخر قدراته مع سبق الأصرار على خدمة الغزو الغربي لمجتمعاتنا فأصبح آلة لهم، حتى وصل بالبعض منهم الى حد العمالة، فتراه يروج لقيمهم، وحتى لهيمنتهم المباشرة والغير مباشرة لبلدانهم، ومعضم هؤلاء ممن هو دخيل على الثقافة والكتابة، وغالباً هذا النوع ممن يأخذ من العمل السياسي خطاً له، وهم كُثر هذه الأيام، وهؤلاء كثيرين وهم يشغلون هذه الأيام شاشات التلفاز، يروجون للعقل والسياسة والقيم الغربية، والذين ينصحون بالأنصياع للحداثة الغربية بغثها وسمينها، كما يحذروا من الوقوف بوجها، بأعتبارها تمثل تياراً حداثياً وضرورة حتمية، ومنهم من يعتبر الحياة والقيم الغربية هي مصدر السعادة، وينسون أن السعادة هو شعور روحي، ونفسي داخلي، يمكن أستحصاله بطرق شتى وبوسائل متعددة، متناسين أن السعادة عند الشعوب الغربية، هي سعادة ظاهرية في أغلبها، بل وكاذبة، وبالحقيقة أن هؤلاء كالأعمى الذي يريد أن يُرشد بصيراً، وللأسف يتوهم هؤلاء أنهم بلغوا مرحلة البلوغ الفكري، ولا يعلم أنه ما زال في مرحلة القاصر فكرياً، وهم طبقة مهوسة، تعيش حالة من الأنبهار العاطفي الفاقد للمنطق والرزانة العقلية، وللأسف أن أمكانيات الأعلام مسخره لهذا النوع من المهرجين والمطبلين، الذين يغرون السذج من الناس بأن عليهم الركوب بقطار التغير الغربي ذو الصبغة العالمية، محذرينهم من التأخير عن ركوبه والا سيكونون أمة غابرة .

أن قذائف مدافع الأراجيف التي يستعملها هؤلاء، هي مجموعة التهم والأكاذيب التي تتهم بها قيمنا الحضارية العربية والأسلامية، ومحاولة تشويهها، والطعن بها عبر أختلاق الكثير من التفسيرات والأحداث الكاذبة، محاولين الصنع منها قذائف تُرمى بها أسوار حصون مجتمعاتنا، ليسهل عليهم أختراقها والتسلل أليها، وبناء جدار عازل بين المؤسسة الدينية والمجتمع، وخاصة الشباب، وهذه مرحلة أولى من عملية الترجيف، والتي تليها مرحلة بناء جدار عازل بين الدين نفسه والمجتمع، وبالتالي أستباحتها والنيل منها، ليسهل التلاعب بمقدراتها . خلاصة القول، أن لكل حملة دعائية وفكرية أهداف ومقاصد، وأن الحرب الناعمة التي تُشن علينا كمجتمع عربي ومسلم، وكبلد غايتها ؛ التسقيط والأزاحة، وأحلال البديل، وهو بديل لا شك لا يصب في مصلحة الشعب العراقي ولا في مصلحة كل الشعوب العربية والأسلامية .

عندما يفقد المجتمع الثقة بمبدأ أو بحزب أو بقائد، وحتى بمؤسسة، سواء كانت حكومية أو غير حكومية، سيساهم ذلك في تشكيل أرضية خصبة لتقبل كل الأفكار المغلفة بغلاف الشبهات، كما من الضروري الأشارة الى بعض التوجهات المشبوهة والتي تلبس لباس النقد العلمي، مدعية تصحيح المسار، وهي تعمد الى تشويه سمعة المؤسسة الدينية أو الدين نفسة ورجالاته، وهذه عملية ألتفاف على الدين ودوره في المجتمع وأن كان بدعوى صيانة قداسة الدين، وعدم تلويثه بالسياسة، والحفاظ على قدسيته، ولكن في الحقيقة تضمر هذه الدعوات نظرة مبطنه معادية للدين، بل وأهانة له بأعتباره قاصراً عن أداء مهمة تربية وأدارة المجتمع، ووضعه على رفوف المتاحف بأعتباره مرحلة أنسانية أنتهى أجلها، مدعين أن النص الديني ثابتاً ولا يعالج حاجات المجتمع المتغيرة، وهناك من يذهب أبعد من ذلك في سبب أبعاده، مدعياً أنه عباره عن منتج ثقافي لمرحلة تاريخية محددة، وهو هنا يخلط بشكل واعي أو غير واعي بين النص نفسه، وبين تفسير النص، والذي هو بالحقيقة من يمثل الرؤية الثقافية لذلك الزمن، متناسين أن للنص الديني الموحى الى الرسول محمد (ص) له قواعد عامة يتضمن أكثر من مجال، يحمل كثافة دلالية عالية ومرنة في التعاطي مع الأحداث، وأنشاء الله سأقوم بنشر مقال يتطرق الى هذه القواعد العامة، خاصة في المجال السياسي، بأعتباره من أكثر المجالات الخاضعة للجدل على المستوى التخصصي والشعبي، وأذكر هنا قول بعض الكتاب ذو التوجه العلماني الذي ينكر على الدين الأسلامي علاقته بالدولة، وهو الكاتب الأيراني (محسن كديور)، حيث يقول في كتابه (الحكومة الولائية) ص 135 ما نصه (ان ادارة المجتمع، وتدبير الأمور العامة والحكومة والسياسة، ليست أمراً توفيقياً وتعبدياً أو تأسيسياً، بل هي عملية عقلائية، وأن التجربة البشرية تلعب دوراً أساسياً في تطويرها ورقيها؛ لذلك فان التخطيط وتدبير مختلف شؤون الناس وادارة المجتمع تقع على عاتق المتخصصين والخبراء، دون الفقهاء) وهذه بالحقيقة فكرة يحاول الكاتب أن يبرز حقيقة بديهية لأخفاء حقيقة دينية، فما ذكر صحيح، وهو مجال تركت الشريعة للأنسان أن يساهم في توظيف تراكم تجاربه الفنية في بناء الدولة، وقد أعطى الأسلام مجالاً يُعرف بمنطقة الفراغ، وهي منطقة تعطي فيه للتجربة الأنسانية المجال الواسع لتوظيف أبداعاتها ولكن ضمن أطار حددته الشريعة لا يصطدم بكل ما هو مفيد وصالح للبشرية، وأنشاء الله سنوضح ذلك في مقالة قادمة كما قلنا أعلاه، نوضح فية هذه القواعد العامة، وسعة المساحة المتروكة للأنسان في طرح ابداعاته في المجال السياسي، وخاصة فيما يخص بنا الدولة.

أن خلاصة ما وددنا قوله، هو أن هناك مراكز دولية تعمل جاهدة ومستثمرة لعلم النفس والأجتماع في توظيفهم بأنتاج أسلحة بما يُعرف بالحرب الباردة على تسميم النفوس، عن طريق بث الأشاعة والهوس في نفوس وعقول الجماهير، لكي تهتز صورة المقدس في عقولهم ونفوسهم، أملاً بالوصول بهم الى ضرب صخرة الأنتماء عندهم، وتفكيكهم، لكي لا يمتلكون قوة الصد والمقاومة لكل دخيل سلبي يلحق الأذى بهم، وبوطنهم وأمتهم، وكل ما يعرض تاريخهم الحضاري للتشوية والأندثار.

***

أياد الزهيري

 

في المثقف اليوم