آراء

رفقا بعماد الدين أديب

محمود محمد عليثمة أقوال خاطئة صرنا نتداولها وكأنها حكم خالدة، وهي من ضمن ثقافة صار لزما علينا مراجعتها هنا، وإن توجب دحضها بكل قوة. بعض الأقوال قيلت في زمانها ومكانها حصرا لتتعامل مع حدث بذاته فإذا بها تتحول إلى قوانين خارج الزمان والمكان، وقد رأيت منها ما يتكرر على الألسنة حتى كأنه صار قولا مرجعيا نعود إليه دون أن نعي آثاره المدمرة. من هذه الأقوال التي فُهمت خطأ عقب كتابة الصحفي المبدع عماد الدين أديب مقالا في الرابع عشر من آب 2022 بعنوان:" 14 سبباً لسقوط الحكّام والأنظمة!".

الرجل سأل سؤالا في هذه المقالة فقال: ما هي آفة الحكّام العرب؟ ولماذا تسقط أنظمتهم بشكل تراجيدي؟ ولماذا لا ينتقل الحكم سلميّاً بدون أن يتمّ ذلك بأكلاف باهظة في المال والأرواح؟

ثم أجاب قائلا: يبدو وكأنّ هناك فرقاً زمنياً بين عصور الإصلاح السياسي في أوروبا وزمننا الحالي.. في أوروبا أدركهم الإصلاح السياسي منذ أكثر من 300 عام، فيما نحن نجلس في محطة قطار الإصلاح ننتظر رحلة قطار موعود لم يأتِ حتى الآن.. أخطر ما يمكن أن يقع فيه الحاكم هو ألّا يُحسن اختيار فريقه الأساسي، وألّا يتعامل مع أعضائه بناءً على مدى التزامهم بالإنجاز بل على أساس عبارات المديح والولاء الفارغة.

لم يكتف عماد الدين أديب بذلك بل قال: من هنا نسأل: ماذا علّمنا تاريخ المنطقة المعاصر عن أسباب بقاء أو سقوط الأنظمة العربية المعاصرة؟

وهنا يجيب أديب قائلا: إنّ التحليل العلمي المحايد البعيد عن الأدلجة السياسية يمكن أن يعطينا إجابة واضحة عن أسباب سقوط الأنظمة العربية المعاصرة.. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبدء مرحلة نيل دول المنطقة استقلالها ظهرت عدّة أنظمة: ملكية، جمهورية، ثورية، محافظة، علمانية، دينية، مدنية، لكن كلّها عسكرية. وعلى الرغم من اختلافاتها، تجتمع في معادلة واحدة، هي عناصر بقاء ونجاح النظام أو فشله ورحيله.. وكما يُقال في برامج الطهو، كيف ننجح أو نفشل في إعداد كعكة الشوكولاتة، فنحن اليوم نسأل كيف تسقط أنظمة الحكم في عالمنا العربي المعاصر؟

ثم أردف أديب قائلا: أسباب فشل "طبخة استقرار الأنظمة" يمكن حصرها على النحو التالي:

1- الفساد المطلوب للحاكم.

2- عدم فساد الحاكم، لكن تغاضيه وسماحه للحلقة الضيّقة القريبة منه بممارسة الفساد والإفساد.

3- الاعتماد على رجال ثقة موالين له على الرغم من ضعف كفاءتهم وفشلهم في التصدّي لمشكلات البلاد والعباد.

4- تحوّل رجال الثقة بعد تمكّنهم من مفاصل الدولة إلى خدمة مصالحهم قبل مصالح الدولة، والولاء لأنفسهم قبل الولاء للحاكم والنظام.

5- استقواء بعض رجال السلطة وتضحيتهم بالحاكم من أجل بقاء مصالحهم، بمعنى "فليذهب الحاكم مقابل أن يبقى الحزب أو الجهاز أو التيار أو الطائفة".

6- قيام بعض عناصر الحكم بالارتباط بعلاقة عمالة مع قوى إقليمية أو دولية للاستقواء بها في معادلة اختطاف الحكم لصالحها.

7- صراع أجهزة الحكم بعضها مع البعض الآخر بشكل مدمّر، وهو ما يجعل حالة العداء بين أجهزة الحكم بدلاً من أن يكون العداء أو الخصومة لأعداء النظام الحقيقيين. باختصار أن تكون مشاكل النظام الداخلية ذات أولوية على مشاكله مع الأعداء.

8- انصراف أجهزة الدولة المنوط بها الحفاظ على المال العامّ إلى الانشغال بتحقيق مكاسب شخصية على حساب مصالح الوطن من خلال السمسرة والعمولات والرشى في منح التراخيص وترسية المناقصات العامّة بغير وجه حقّ وبدون البحث عن الصالح العامّ في ظلّ الشفافية والحياة التي يوفّرها القانون.

9- عدم اهتمام فريق الجهاز الحكومي بشؤون الدولة وانصرافه م إلى تصفية بعضه البعض، وهو ما يضعف الحكم والحاكم لصالح القوى المضادّة.

10- شعور بعض التيارات أو القوى بعدم أحقّيّة الحاكم في الحكم، وهو ما يجعلهم يتآمرون سرّاً على إضعافه والإضرار به حتى يتوافر لهم مناخ يمكّنهم ويُبرّر لهم الإطاحة به تحت دعوى "فشله في إدارة شؤون البلاد".

11- تعرّض بعض الحكّام إنسانيّاً لضغوط عاطفية من أفراد عائلتهم تجعلهم يضعونهم في مناصب لا يستحقّونها وغير مؤهّلين لإدارتها وتحمّل مسؤوليّاتها الصعبة.

12- حاكم يجهل ما يُرضي شعبه وما يغضبه.

13- حاكم يعطي امتيازاً خاصاً استثنائياً لجهاز سيادي أو طبقة أو طائفة أو منطقة حيوية مفضّلاً أحدها على الآخر.

14- حاكم لا يتابع مدى التزام جهازه التنفيذي بأوامره وقراراته الرئيسية.

وأختتم أديب قائلا: "يا خوفي الشديد على كثير من أنظمتنا وشعوبنا من الآن حتى منتصف العام المقبل"؛ وطالب أديب من الجميع بأن "يركزوا أبصارهم على الضغوطات القاسية للغاية على اقتصادات السودان واليمن وسوريا ولبنان ومصر وتونس، وباكستان وأفغانستان وبنغلاديش والأردن والصومال وجيبوتي".

ورأى أديب أن "إعادة تأهيل إيران بالإفراج عن 7 مليارات دولار محجوزة لدى كوريا الجنوبية، والسماح لها ببيع 50 مليون برميل، خلال أول 120 يوما من رفع العقوبات، لن يضمد جراح الاقتصاد الإيراني، الذي يخسر 200 مليون دولار أمريكي يوميّاً جرّاء المقاطعة والعقوبات".

وشدد أديب على أن "الأزمة الأخطر أن بعض الدول التي تمتلك فوائض نقدية ستقف عاجزة عن استخدام فوائضها إزاء شحّ وندرة الإنتاج العالمي من الغاز والكهرباء والحبوب والأسمدة والمواد الأساسية".

وتابع أديب: "الأصعب من ذلك أن عالم الخروج من الأزمات عبر اختلاق الحروب والغزو العسكري بهدف نهب الموارد أصبح صعباً للغاية بسبب تعقيدات النظام الدولي وعدم وجود قوى قادرة على أو راغبة في دفع فاتورة تكاليف حروب قد نعرف متى تبدأ ولا نعرف متى تنتهي".، وختم قائلا: "يا ويلنا من الشهور المقبلة".

وعقب نشر المقال قامت الدنيا ولم تقعد ضد عماد الدين أديب فالبعض هاجمه قائلا: مقال أديب أثار تساؤلات: ما الذي دفعه للكتابة عن أسباب سقوط الحكام والأنظمة الآن؟ ولمن يوجه كلامه في المقال؟ ولمن يبيع بضاعته؟ ولماذا حدد موعد سقوط الأنظمة بدقة قبل منتصف 2023؟ وهل لديه معلومات؟

ثم هاجمه آخر فقال: ما زاد الجدل أن "أديب" كتب مقالا سابقا في يونيو/ حزيران 2022 في صيغة تبدو كتهديد من نظام السيسي لدول الخليج والعالم أن نظامه في أزمة، وأنه ما لم يتدخل الخليج فورا سينهار النظام والمنطقة أوائل 2023.. لكنه الآن عاد ليكتب مقالا يبدو كتحذير أو تنويه خليجي عن سقوط السيسي!، فهل هذا المقال الثاني هو رد الخليج علي تهديد السيسي في مقال أديب السابق؟.. وما دور أديب؟ هل بوسطجي بين النظامين؟ وهل يمكنه كتابة ذلك دون أن يكون ظهره مُؤمَّنا؟

ثم زاد الهجوم عليه فقال أحدهم المهاجمين له بغلظه: كان ملفتا أن أديب، في سرده لهذه الأسباب الـ14 التي عدها من أسباب سقوط الأنظمة، لم يقترب من "المؤسسة العسكرية"، فهل ضرب في كل الاتجاهات وترك الجيش لإيصال رسالة أنه هو الملاذ الأخير لتغيير الأوضاع؟، وهل هدف المقال هو تأكيد أن الجيش هو الحل الأفضل لتغيير النظام في مصر؟ وهل لذلك علاقة بتكهنات جهات غربية عن ثورة شعبية مرتقبة حذر منها أديب نفسه في مقاله السابق في 12 يونيو/ حزيران 2022؟، وهل يلمح عماد أديب للإطاحة بالسيسي قبل منتصف 2023؟ ، لذلك قال: "كثير من أنظمتنا وشعوبنا من الآن حتى منتصف العام المقبل حينما تصبح لقمة العيش وسوء الخدمات واستحالة الحياة اليومية هي وقود اضطرابات اجتماعية مدمرة!"ـ ولمن يوجه حديثه بقوله إن "أخطر ما يمكن أن يقع فيه الحاكم هو ألا يُحسن اختيار فريقه الأساسي، وألا يتعامل مع أعضائه بناء على مدى التزامهم بالإنجاز بل على أساس عبارات المديح والولاء الفارغة"؟.

كما أعرب الكاتب الصحفي الدكتور محمود مسلم، رئيس مجلس إدارة جريدة «الوطن»، ورئيس لجنة الثقافة والسياحة والآثار والإعلام بمجلس الشيوخ، عن حزنه البالغ من مقال «14 سببًا لسقوط الحكام والأنظمة» للكاتب الصحفي عماد الدين أديب.

وقال مسلم: «حزين إني أقرأ هذا المقال مذيَّلًا باسم الأستاذ عماد الدين أديب، وحتى الآن لا أستوعب أنه قد كتب هذه الكلمات الصعبة على أي مصري»، معربًا أيضًا عن حزنه من احتفاء مواقع الإخوان الإرهابية الخائنة وصفحاتهم على السوشيال ميديا بما ورد في مقال عماد الدين أديب، «ما أورده عماد أديب في مقاله أمور كان الشعب المصري تعود عليها من الآخرين، فالجديد أنها تأتي من شخص طالما دافع عن هذا النظام ودافع عن ثورة 30 يونيو».

وأضاف «مسلم»، خلال مداخلة هاتفية في برنامج «بالورقة والقلم»، الذي يقدمه الإعلامي نشأت الديهي، ويعرض على شاشة قناة «TeN» المصرية، أنه يعتقد أن لسان حال الدولة المصرية الثابت «اللهم اكفني شر أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم»، موضحًا أن الدولة المصرية دعت لحوار وطني وفتحت الآفاق لكل المواطنين من أجل تقديم الرؤى والخطط، «الأستاذ عماد الدين أديب نفسه قدم رؤاه وخططه في مقال من قبل، وله مقال آخر طالب دول الخليج بدعم مصر بشكل كبير»، موضحًا أن مقال «14 سببًا لسقوط الحكام والأنظمة» يتناقض تمامًا ما كل ما كتبه عماد الدين أديب، فلا بد من البحث عن الظرف والمغزى والكلمات، «حتى المقال في تحليله ضد كل كتابات عماد أديب، يتحدث عن أمور تبث الإحباط».

ثم خرج النائب والصحفي القدير الأستاذ "مصطفى بكري"، رادا أيضا علي عماد الدين أديب قائلا: بين الحين والآخر يخرج علينا الكاتب الصحفى الكبير عماد الدين أديب بمقال يثير الإحباط، ويبشر بالدمار، ويرسم ملامح نهاية التاريخ، وانهيار الدولة الوطنية، وقبيل مقاله الأخير (الأحد 14 أغسطس) الذى تحدث فيه عن أسباب سقوط الأنظمة العربية المعاصرة، والأسباب العشرة التى ساقها، كان قد نشر مقالا فى شهر يونيو الماضي، توقع فيه خلق حالة من عدم الاستقرار فى مصر، تعيد البلاد إلى حالة الفوضى التى سبقت أحداث 2011، والتى لا يتوقع كما قال، كيف ستكون ردود فعلها لدى القوى الشعبية.. كنت أتمنى أن يراجع الزميل عماد الدين أديب نفسه وأن يعود إلى تاريخ وخصائص الشعب المصرى إلى الخلف قليلا، ومنها فترة الفوضى وتآكل مؤسسات الدولة وانهيار الأوضاع الاقتصادية، وغياب غالبية المؤسسات وأن يدرك أن الشعب والجيش تحالفا دون إعلان، الشعب يصمد والجيش يبني، حتى جاءت لحظة الإنقاذ لبناء دولة حديثة، قادرة على مواجهة التحديات، رغم المؤامرات الداخلية والخارجية التي كادت تودى بالبلاد إلى النفق المظلم والحرب الأهلية..لن أغوص فى أحداث التاريخ المصري، قديمه وحديثه، ولن أتحدث عن الوقائع التى عاشها المصريون فى أزمنة تاريخية متعددة، اضطر فيها البشر إلى تحمل كل الأزمات، ولكنهم بقوا وصمدوا وانتصروا.

أنا لا أريد أن أخوض طويلا بمواضيع قد تأخذني أهميتها عن موضوعي الأساسي هنا فالتاريخ العربي متخم بالمثير والمدهش الذي يصلح لكتابة رواية بعنوان (مليون ليلة وليلة بدلا من ألف) وأن تكون فيه ألف شهرزاد وألف شهريار بدلا من واحدة وواحد، وعماد الدين أديب في مقاله الذي استغله كل من يريد أن يصفي حسابات مع عماد أديب بقضه وقضيضه، هو نفسه قال ، في تصريحه لـCNN بالعربية، إلى أن المقال الذي كتبه" يتحدث عن الأنظمة السياسية في العالم عبر التاريخ، وليس له علاقة من قريب أو بعيد بالحالة المصرية".

***

أ. د. محمود محمد علي

أستاذ الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل- جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم