آراء

اغتيال داريا دوجينا وعلاقتها بجغرافية السياسة في روسيا

محمد سعد عبداللطيففي عملية اغتيال وصفت بالدقيقة تم اغتيال الصحفية ابنة العالم والمفكر "الكسندر دوجين" مؤلف كتاب (جغرافية السياسة الروسية) يوم السبت من الاسبوع الماضي ، الداعمة والناشطة لفكرة والدها "دوجين" عن اوراسيا

وفي ظل القبة الحديدية لجهاز الأستخبارات الروسي (كي .جي بي) كانت رسالة  لرجل الجهاز السابق الرئيس بوتين عن اختراق جهات أجنبية للعاصمة الروسية (موسكو) تقول التحليلات الروسية إن الاغتيال -الذي كان يستهدف أولاً ؛-

 المفكر دوجين -الصديق الشخصي لبوتين دبره عملاء أجانب دخلوا البلاد لارتكاب الجريمة لصالح أوكرانيا التي تدور فيها الحرب المشتعلة حالياً؛-

لماذا تم استهداف دوجين في اغتيال ابنتة ؟

 "دوجين عالم واكاديمي ومفكر في علم الاجتماع السياسي ومهتم بالجغرافيا السياسية"، هو مؤلف كتاب "جغرافية السياسة في روسيا". ويحتوي الكتاب عن الفكر التوسعي في اوراسيا وهو فيلسوف سياسات الكرملين. انة الموسوعة ، وصاحب الحجة الهادئة في العرض والتحليل.

وذاع صيته حيث يتابع اخبارة الملايين حول العالم .وهومنظر سياسات الرئيس بوتين .

وقد كثر الجدال حول دوجين في السنوات الأخيرة، ومن اهم افكارة التي تتناقلها المراكز البحثية في الجغرافيا السياسية ووسائل الاعلام العالمية (اطروحتة لفكرة) "الأوراسية" التي يروجها دوجين

وكذلك ابنتة القتيلة ، التي كانت داعية لنفس الفكرة رغم ان الفكرة قالها قبل دوجين علماء روس قبل مائة عام ،أمثال (بطرس الأكبر ،وكاترين) وكانوا يقصدون نفس الفكرة التوسعية التي تسمح لروسيا بأن تكون دولة عظمى على حساب دول الجيران في القارتين "الأوروبية" والآسيوية" ومنها جاء مصطلح (أورو-آسيا) وهذا الطموح هو في الحقيقة تقليد بالحرف الواحد لإمبراطورية التتار والمغول التي علمت روسيا فكرة أن تمتد حدودها من الصين شرقاً

إلى وسط أوروبا غرباً، ومن سيبيريا شمالاً.  إيران والعراق جنوباً.

 (وكان يفترض أن تضم مصر لولا معركة (عين جالوت).

ومن السذاجة الاعتقاد أن "دوجين" هو الذي يرسم خطط بوتين، بوتين ومن معه قادرون على أن يرسموا خططاً لمئات من أمثال دوجين.

الصحيح أن دوجين التقط الخيط الذي يتفق مع الكرملين ومع طموحات (بوتين) وأعاد من خلاله بلورة فكرة الأوراسية التي تعيد روسيا إلى قطب جديد وصار يعزف على حلم أمجاد استعادة "الحدائق الخلفية لروسيا القيصرية "ويحظى دوجين بشهرة واسعة في الوسط الثقافي من الشعبوية العربية لأنه يخاطب أولئك الذين عانوا من الأحادية الأميركية والتخريب والتدمير والهيمنة الأميركية في الشرق الاوسط ، ويتمنون عودة روسيا قضباً دولياً كي تعيد توازن التفرد الأميركي في المنطقة (بعد أن أصابهم القنوط من قيام بلادهم ونهضتها)

يمثل دوجين مثالاً قليل التكرار، فهو من ناحية صاحب قلم منضبط في الكتابة والبحث والمراجع، كما جاء في كتابة (جغرافية السياسة الروسية) وبدأ في قنوات اليوتيوب والفضائيات لترويج أطروحات القومية المتناغمة مع طموحات الكرملين. وقد ينبهر البعض بحديثه ويعتبرونه مفكرا وفيلسوفا عظيما، وقد يراه البعض مجرد متحدث لبق ماهر وليس أكثر، وقد يرون أنه لا يفعل شيئا سوى مخاطبة الحس الشعبوي مع إعادة تدوير الأفكار السابقة بما يتناسب مع مشروع روسيا في أوكرانيا وصراعها مع العالم. إن الجغرافيا قدر لافكاك منه. صحيح أن التكنولوجيا والأسلحة الحديثة خففت من حدة تأثيرها، إلا أنه مهماتحاول الدول تغيير مصيرها، فإن الآخرين لا يتركونها وشأنها. الأزمة الراهنة مع موسكو ليست سوى حلقة فى سلسلة طويلة من المآسى الأوكرانية.فالجغرافيا من التضاريس كالجبال والأنهار والسهول باقية للأبد، وهى تحدد الحركة بل تصنع التاريخ. روسيا نفسها تعانى من لعنة الجغرافيا،هل يعيد التاريخ نفسه عام 1943م بعد هزيمة القوات "الرايخ الالماني "في معاركها والانسحاب الي جنوب أوكرانيا وهزيمتها هناك؟ هل سوف تصبح لعنة الجغرافيا في جنوب اوكرانيا للروس؟

في حوار صحفي ل (Dw) الالمانية مع الجنرال الأمريكي السابق والذي كان يتولي منصب /قائد القوات الامريكية في اوروبا "بن هودجز"  يقارن الجنرال الأمريكي السابق بن هودجز، بين الماضي والحاضر عن حرب روسيا ضد أوكرانيا هذا الصيف والهجمات المضادة الأوكرانية الناجحة، بما حدث قبل عقود ماضية فوق الأراضي الأوكرانية. في خلال الحرب العالمية الثانية، شهدت مناطق جنوب أوكرانيا على مدار عدة شهور معارك بين قوات "جيش الرايخ" الألماني والجيش الأحمر السوفيتي، وفي النهاية تراجع الألمان عام 1943م إلى الجانب الغربي من نهر "دنيبر" في أوائل نوفمبر من ذاك العام. "قبلها كان الألمان قد هزموا بشكل مدمر في "ستالينجراد "وتجمعوا تحت قيادة المارشال النازي "إريش فون مانشتاين "وكان على القوات الألمانية نشر مئات الآلاف من الجنود لحماية خطوط السكك الحديدية في أوكرانيا وبيلاروسيا فقط"، بحسب ما قال بن هودجز في صحيفه Dw

ويتابع الجنرال الأمريكي: "تتشابه ظروف الماضي مع ما حدث مؤخرا في مطار" ساكي في شبه جزيرة القرم"، التي ضمتها روسيا أو ضربات المدفعية الأوكرانية ضد أكثر من 50 مستودعاً

للذخيرة الروسية ووحدات القيادة في الأراضي التي تحتلها روسيا في أوكرانيا في الأسابيع الأخيرة". وأضاف أن "الروس ليس لديهم حتى ما يكفي من الأشخاص أو المهارات" لحماية أماكن عملياتهم، ضد هجمات أوكرانيا هذا الصيف والهجمات المضادة الأوكرانية الناجحة، بما حدث قبل عقود ماضية فوق الأراضي الأوكرانية. في خلال الحرب العالمية الثانية، وتلعب الارض الاوكرانية الشاسعة كثاني اكبر مساحة في أوروبا وتصبح الجغرافيا (قدر لا فكاك منهذ) التى أخضعتها عبر تاريخها للغزو للإمبراطوريات (النمساوية و المجرية ثم العثمانية والروسية والاتحاد السوفيتى وصولا إلى روسيا حاليا صحيح أن التكنولوجيا والأسلحة الحديثة خففت من حدة تأثيرها، إلا أنه مهماتحاول الدول تغيير مصيرها، فإن الآخرين لا يتركونها وشأنها. الأزمة الراهنة مع موسكو ليست سوى حلقة فى سلسلة طويلة من المآسى الأوكرانية. التضاريس كالجبال والأنهار والسهول باقية للأبد، وهى تحدد الحركة بل تصنع التاريخ. روسيا نفسها تعانى من لعنة الجغرافيا، عبر تاريخها الطويل لذلك جزيرة القرم تمثل طوق النجاة للعنة الجغرافيا لروسيا للوصول الي العالم لقد يبدو ظاهريا أن مسار الحرب في أوكرانيا قد وصل إلى طريق مسدود، فإن أوكرانيا تستخدم الوقت "لبناء قوات حتى تصبح جاهزة، وحتى يتم تدريبها، وحتي يكون لديها قوة ضاربة بما يكفي". ومن الواضح وفقا لتطورات المعركة على الأرض أن قوات بوتين المسلحة في أوكرانيا وصلت إلى "نقطة الذروة" وأن جيش الكرملين وصل إلى نقطة "لم يعد عندها بإمكانه شن هجوم"، كما أن الجيش الروسي لا يملك الموارد ولا القدرة ولا القوات اللازمة لشن هجوم كبير آخر، لذلك فإن كل ضربة ناجحة على مستودع ذخيرة، أو مركز قيادة، تؤدي إلى سحب الجيش الروسي لنقاط إمداداته العسكرية أكثر فأكثر، وهو ما "يجعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة لروسيا، لأن الشاحنات التي تحتوي على الذخيرة يجب أن تستمر في التحرك". ويؤكد الخبير الأمريكي أنه إذا كانت القوة الضاربة للجيش الأوكراني كبيرة بما يكفي وضعفت البنية التحتية الروسية بما فيه الكفاية، فإن أوكرانيا ستكون قادرة على شن "هجوم مضاد كبير" لاستعادة أراضيها قبل نهاية العام الحالي .وكان نواب من الديمقراطيين والجمهوريين في واشنطن قد أشاروا إلى دعمهم لهذه الخطوة في نهاية يوليو/ الماضي، لكن في منتص الشهر الجاري ، أوضح وزير الدفاع الأوكراني (أوليكسي ريسنيكوف) أن واشنطن لم تزود بلاده بعد بصواريخ ATACMS. وكانت هناك شكوك أن الولايات المتحدة سلمت شحنة من هذه الصواريخ لكييف، وذلك بعد القصف الناجح للأهداف .هل ستلجأ روسيا للسلاح النووي في حالة توازن القوة علي ارض المعركة !!

***

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب مصري وباحث في علم الجغرافيا السياسية

 

في المثقف اليوم