آراء

لماذا تقلق مناورات فوستوك 2022 أمريكا؟

رغم كل التحديات التي تشهدها روسيا من العالم الغربي والحلف الانغلوسكسوني، وانشغالها في عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانا، بدأت مناورات القيادة والأركان الإستراتيجية SKSHU) ) فوستوك 2022، كما هو مخطط لها، في 1 سبتمبر،، تحت قيادة رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة للاتحاد الروسي فاليري غيراسيموف، في سبعة نطاقات من المنطقة العسكرية الشرقية - بوردوني، جورياتشي كليوتشي، كنياز فولكونسكي، لاجونوي، سيرجيفسكي، تيليمبا، أوسبينوفسكي، وكذلك في المياه والمناطق الساحلية في بحر أوخوتسك وبحر اليابان، وأقامة حفل الافتتاح في ملعب سيرجيفسكي للتدريب في إقليم بريمورسكي، وتستمر سبعة أيام، في الوقت الذي أظهرت اليابان والعديد من دول الناتو، ولا سيما الولايات المتحدة، توترها وقلقها العميق، ليست في التكوين الكمي للمشاركين، وعددهم الإجمالي، ولكن أيضا في تكوينهم الدولي .

  وتأتي إجراءات القوات المشاركة في تدريبات فوستوك 2022 منسجمة مع اتفاقية بناء الثقة في المجال العسكري في المنطقة الحدودية لعام 1996 بين روسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان والصين، وستمارس الوحدات العسكرية خلالها، وبمشاركة أكثر من 50 ألف عسكري من 14 دولة في العالم، ما بين قيادات هيئات ركن وغرف عمليات مشتركة ووحدات عسكرية، ومراقبون من دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي ومنظمة شنغهاي للتعاون وأذربيجان والجزائر وأرمينيا وبيلاروسيا والهند وكازاخستان وقيرغيزستان والصين ولاوس ومنغوليا ونيكاراغوا وسوريا وطاجيكستان إجراءات مشتركة، والتدريب العملي على الأعمال الدفاعية والهجومية مع التطوير العملي للأعمال الدفاعية والهجومية في سبع نطاقات للدفاع الجوي، وفي المجموع، ستشارك أكثر من 5 آلاف وحدة من الأسلحة والمعدات العسكرية في المناورات، بما في ذلك 140 طائرة و 60 سفينة حربية وقوارب وسفن دعم .

  وتساعد التدريبات كجزء من تحالف الدول على تطوير فهم مشترك لتنظيم تدريب القوات، وقيادتها وتفاعلها على المستويين العملياتي والتكتيكي، وتقوية الصداقة والصداقة الحميمة بين الجنود، ووفقا لنائب وزير الدفاع في الاتحاد الروسي ألكسندر فومين، خلال إحاطة للملحقين العسكريين الأجانب حول إجراءات إجراء التدريبات، أكد إنها ذات طبيعة دفاعية وليست موجهة ضد دول معينة أو تحالفات عسكرية، وكان الاتجاه ذو الأولوية في تطوير مفهوم التمرين هو الدراسة المرحلية لخيارات إجراءات القوات (القوات) من أجل ضمان الأمن العسكري للاتحاد الروسي وحلفائه في منطقة المسؤولية بالمنطقة العسكرية الشرقية وأضاف فومين إن التدريبات ليست موجهة ضد أي دول محددة أو تحالفات عسكرية وهي دفاعية بحتة، والهدف منها هو تطوير أداء القوات المسلحة لضمان أمن روسيا وحلفائها في المنطقة الشرقية وليست موجهة ضد بلد أو تحالفات عسكرية معينة، وإن القوات ستعود من التدريبات إلى قواعدها الدائمة بحلول نهاية سبتمبر.

  وستشارك 5000 وحدة من الأسلحة والمعدات، بما في ذلك الطيران والبحرية، في تمرينات القيادة والأركان الاستراتيجية فوستوك 2022 في بريموري، وستعمل الدول المشاركة على معالجة قضايا الأمن العسكري في المنطقة الشرقية في المناطق السبعة المخصصة للتدريب، وجزء من تجمعات قوات التحالف، ستتم ممارسة إجراءات مشتركة من قبل المجموعات التنفيذية لهيئات القيادة والتحكم والوحدات العسكرية والمراقبين من دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) ومنظمة شنغهاي للتعاون (SCO) وشركاء آخرين من روسيا، ستشارك في التدريبات هيئات القيادة والسيطرة العسكرية وقوات قوات الدفاع الجوي، وهي جزء من القوات المحمولة جواً التابعة للقوات المسلحة RF وطيران النقل العسكري بعيد المدى التابعين للقوات الجوية الروسية.

  وخلال قرعة الحلقات التكتيكية، سيتم وضع خيارات مختلفة للإجراءات العملية المشتركة للوحدات العسكرية للقوات المسلحة RF والدول الشريكة، وسيكون الموقع الرئيسي هو موقع  اختبار Sergeevsky، حيث يتمثل أحد الأهداف الرئيسية لمركز قيادة القيادة والسيطرة في تحسين مهارات القادة والأركان في إدارة مجموعات القوات متعددة الأنواع والتحالف في صد العدوان في الاتجاه الشرقي وفي منطقة البحر الشرق الأقصى، كما تهدف التدريبات إلى زيادة التوافق ومستوى التفاعل في حل المهام المشتركة من قبل مجموعات التحالف من القوات للحفاظ على السلام وحماية المصالح وضمان الأمن العسكري في المنطقة الشرقية.

  وتم تصميم المناورات لاختبار مستوى استعداد هيئات القيادة والسيطرة العسكرية في تنظيم تخطيط العمليات في المناطق الساحلية، والدعم الشامل والسيطرة على تجمعات القوات في سياق العمليات العسكرية، وكجزء من التمرين، وستمارس أساطيل روسيا والصين عمليات مشتركة في بحر اليابان، ويعمل أسطول المحيط الهادئ (التابع للاتحاد الروسي )، بالاشتراك مع بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني، على إقامة تفاعل في الأجزاء الشمالية والوسطى من بحر اليابان في المنطقة البحرية للشرق الأقصى من أجل تقديم المساعدة، والقوات البرية في اتجاه الساحل وكذلك للدفاع عن الاتصالات البحرية ومجالات النشاط الاقتصادي البحري، وأن الإجراءات العملية للقوات البحرية ذات الأغراض العامة ستتم في المياه والمناطق الساحلية لبحر اليابان وبحر أوخوتسك، وقد أرسلت الصين إلى المناورات على وجه الخصوص دبابات، ومركبات قتال مشاة، وطائرات هليكوبتر هجومية من طراز Z-19 ومدمرة "نانتشانغ" من النوع 055 ومقاتلات J-10، وأكثر من 2000 عسكري صيني، وأكثر من 300 مركبة، و21 طائرة عسكرية وطائرة هليكوبتر

 ومثل هكذا مناورات روسية وفي هذا الوقت بالذات، لابد انها تثير حفيظة الولايات المتحدة، التي اعتبرت مناورات فوستوك 2022 بمشاركة الهند والصين بمثابة تحدي بوتين للغرب، وأعربت عن قلقها بشأن تركيبة المشاركين في المناورات، وهو ما قالته السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارين جان بيير، من إن الولايات المتحدة قلقة بشأن أي دولة تشارك في التدريبات مع الاتحاد الروسي عندما تجري روسيا عملية خاصة في أوكرانيا، وأضافت "لكن، بالطبع، أي دولة مشاركة ستتخذ قراراتها"، وردت الصين على تصريحات السكرتير الصحفي للبيت الأبيض وقالت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية، إن الصين لها الحق في أن تقرر بشكل مستقل أين ومتى ومع من تجري التدريبات، كما أنها لا تحتاج إلى تعليمات من واشنطن في هذا الصدد.

 وإن بوتين ووفقا لصحيفة " بلومبيرغ " بهذه الطريقة يتصدى لمحاولات الولايات المتحدة وحلفائها لعزل موسكو بسبب الصراع في أوكرانيا، ويشار إلى أن الهند لم تنحاز إلى أي طرف في الأزمة الأوكرانية، على الرغم من ضغوط الغرب، وتشير الصحيفة إلى أن هذا يرجع إلى الشراكة الوثيقة بين موسكو ونيودلهي، في حين وصفت صحيفة ديلي إكسبريس البريطانية تدريبات فوستوك 2022 بأنها دليل على العلاقات الدفاعية الوثيقة بين روسيا والصين و "تهديد مشؤوم" للدول الغربية.

  أما اليابان فقد شدد هيروكازو ماتسونو أمين عام مجلس وزراء اليابان، على إن حكومة بلاده تتابع بقلق موضوع مناورات القيادات والأركان الاستراتيجية "فوستوك-2022" التي سيقوم بها الجيش الروسي، وأضاف ماتسونو، وإن إجراء تدريبات في منطقة تضم أربع جزر شمالية (التسمية اليابانية لجزر الكوريل الجنوبية)، دعتنا الى الاعراب عبر القنوات الدبلوماسية عن احتجاجنا للجانب الروسي، لأن هذا لا يتوافق مع "موقفنا حول هذه الجزر، كما طالبنا بشدة باستبعاد الجزر الشمالية الأربع من منطقة المناورات"، ووفقا له، تشعر اليابان بقلق بشأن إجراء مناورات "فوستوك- 2022 "، بينما تتواصل العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وهي تواصل مراقبة تصرفات الجيش الروسي، مؤكدا في الوقت نفسه أن اليابان "تعتزم إبداء رد الفعل المناسب، بما في ذلك جمع المعلومات ذات العلاقة".

 وتأتي مناورات فوستوك -2022، متزامنة مع مناورات يابانية-أمريكية مشتركة بدأت الأحد في مدينة ياماتو بمحافظة كوماموتو بجزيرة كيوشو، ووفقا لوسائل الاعلام اليابانية، أن هذه التدريبات ستترافق برمايات مدفعية وصاروخية، ووفقا لمعطياتها، يشارك في التدريبات حوالي 1400 عنصر من قوات الدفاع الذاتي البرية اليابانية ونحو 700 من عناصر الجيش الأمريكي، وستستمر هذه المناورات حتى يوم 9 سبتمبر، وتم يوم الأحد، عرض أمام الصحفيين عمليات رمي تدريبية شارك فيها حوالي 150 عسكريا من البلدين، وخلالها تم تدريب العناصر على استهداف مواقع وأهداف على مسافة 2 كلم تقريبا من أنظمة الصواريخ الأمريكية المضادة للدبابات Javelin، ووفقا للقناة، كانت هذه المرة الأولى التي يتم فيها استخدام هذا النوع من القذائف المضادة للدروع في اليابان.

 المناورات في المفهوم العسكري العام تهدف إلى زيادة التوافق ومستوى التفاعل في حل المهام المشتركة من قبل مجموعات قوات التحالف للحفاظ على السلام وحماية المصالح وضمان الأمن العسكري في المنطقة الشرقية، لكن مناورات فوستوك 2022 تُظهر انعكاسًا للعملية التاريخية للمواجهة بين الغرب والشرق، حيث يتم تكليف روسيا، بصفتها العالم الأوسط بينهما، بالوظيفة الجيوستراتيجية للتنظيم، وان الغرض من مثل هذه التدريبات ليس تخويف شخص ما، بل إظهار حلفائه أنهم لم يظلوا معزولين، والبحث عن خيارات للتعاون المشترك مع دول مختلفة، لإثبات أنهم ليسوا أقمارًا صناعية لقوة عظمى، ولكنهم شركاء يمكنهم ضمان أمنهم وحل المشكلات الداخلية سلمياً .

  وفيما يتعلق بالمشاركة في مناورات الدول التي لديها مستويات مختلفة من التوتر مع بعضها البعض، على سبيل المثال، الهند والصين أو أذربيجان وأرمينيا، بالنسبة لهم، أولاً وقبل كل شيء، هذه فرصة لإظهار أنفسهم ورؤية الناس، وليس من خلال الرؤية بل من خلال الشراكة، وعلى عكس مناورات 2019، توسعت الآن فوستوك 2022 بشكل كبير مع تمثيل جيوش الدول الأجنبية، ومن بين المشاركين الجزائر وأذربيجان وأرمينيا وبيلاروسيا والهند وكازاخستان وقيرغيزستان والصين ولاوس ومنغوليا ونيكاراغوا وسوريا وطاجيكستان، وهذا بالفعل نوع من تحالف القوى الذي لا ينحاز صراحة إلى جانب روسيا، لكنه يشير إلى موقف موالي فيما يتعلق بموسكو بمساعدتها في التدريبات.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

في المثقف اليوم