آراء

العراق أمام مفترق طرق

على مستوى المشهد السياسي والاجتماعي في العراق، ثمة مفارقات عديدة، تحكمت في التجربة السياسية العراقية الجديدة، بعد سقوط صدام حسين واحتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق. ولعل من ابرز هذه المفارقات: إن الشعب العراقي بكل فئاته مكوناته يطمح سريعا للخروج من ربقة الأوضاع السيئة على مختلف المستويات، والدخول في رحاب الدول المستقرة سياسيا واقتصاديا وامنيا. وفي مقابل هذا الطموح العميق في نفوس وعقول أبناء الشعب العراقي، ثمة نخبة سياسية عراقية اقل ما يقال عنها أنها دون مستوى طموحات وتطلعات الشعب العراقي. نخبة سياسية تحكم العراق وتدير مدخراته وشؤونه المختلفة، ولكن بعقلية المعارضة السياسية السلبية وليس بعقلية رجل دولة مركزية في المشرق العربي. لذلك وبعد هذه التجربة يصل الشعب العراقي إلى قناعة سياسية راسخة إن هذا الأداء السياسي والأمني والاقتصادي الذي تقوم به النخبة دون مستوى الطموح ودون مستوى العراق تاريخا وسياسة وموقعا.

ويبدو لي لولا المرجعية الدينية في العراق وبعض تدخلاتها في المشهد العراقي، لما تمكنت النخبة السياسية في العراق من الحكم إلى هذه الفترة من الزمن. فأغلب العناصر الايجابية في التجربة السياسية العراقية الراهنة، لم تصنعها النخبة السياسية، وإنما صنعتها المرجعية الدينية. ويبدو إن صمت الشعب العراقي على أداء هذه الحكومة أو النخبة السياسية يعود إلى شعور الشعب العراقي أو غالبيته أن المرجعية الدينية لازالت داعمة لهذه النخبة. وحينما تبلورت المسافة الفاصلة بين النخبة السياسية والمرجعية الدينية رفع الشعب العراقي صوته عاليا ضد الأداء المخزي لهذه النخبة وطبيعة التداعيات السلبية التي خلقتها خيارات هذه النخبة على راهن العراق بأسره. من هنا فإننا نعتقد إن نزول الشعب العراقي إلى الشارع للمطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي وتحسين وضع الخدمات الأساسية للشعب العراقي بكل فئاته ومكوناته، بمثابة الرافعة الحقيقية لهذه التجربة، فالخروج من مآزق الفشل وتجاوز كل العثرات التي منعت ذاتيا أو موضوعيا النخبة السياسية من انجاز أي شيء يذكر للشعب العراقي. لهذا فإن التعامل الايجابي مع هذه المظاهرات ومطالبها السياسية والاقتصادية والخدمية، هو القادر على صياغة صفحة جديدة في التجربة السياسية العراقية.

وان سعي البعض للالتفاف حول هذه المطالب وإعادة إنتاج ذات الواقع السياسي ينذر بتداعيات خطيرة على راهن ومستقبل كل التجربة السياسية العراقية وفي هذا السياق ندعو المرجعية الدينية في العراق، بكل ثقلها المعنوي والاجتماعي للضغط المتواصل على النخبة السياسية العراقية لتحسين أداءها والخروج من نفق الصراعات الطائفية التي لا تخدم إلا أعداء العراق في الداخل والخارج. وان تراخي الرقابة المرجعية على أداء هذه النخبة السياسية، هو الذي جعل هذه النخبة تعيش منفصلة جوهريا عن حاجات ومتطلبات شعبها بكل شرائحه وفئاته. ومن زاوية سياسية ف لقد أثبتت تجربة المحاصصة الطائفية فشلها الذريع، وأنها أحد الأسباب السياسية التي تغطي إخفاق وفشل النخبة السياسية الجديدة لهذا إننا نعتقد إن هذه التجربة بحاجة على المستوى السياسي إلى النقاط التالية:

1_ إنهاء تجربة المحاصصة الطائفية وذلك عبر تراضي جميع الأطراف على نظام سياسي جديد. سواء كان هذا النظام برلمانيا أو كتلة سياسية عابرة للمناطق والمذاهب هي التي تشكل الحكومة. وان الانعتاق من نظام المحاصصة الطائفية وخضوع الجميع إلى كل الاعتبارات الطائفية. نريد كل مسئول عراقي، أن يكون ممثلا لكل العراق ولجميع العراقيين، وليس لبعضهم. حينما يخرج العراق من نظام المحاصصة الطائفية المقيت، ستتوفر ظروف أفضل للإصلاح السياسي و في العراق.. ويبدو انه لا يمكن لأية نخبة سياسية عراقية، أن تحقق طموحات وتطلعات الشعب العراقي في سياق المحاصصة الطائفية. ولعل احد الأسباب الرئيسة لإخفاق النخبة السياسية العراقية، يعود إلى استناد هذه التجربة على هذا النظام الذي يعلي من شأن الانتماء الطائفي على حساب الانتماء الوطني، الذي يجعل كل مسئول وكأنه يعبر عن حساسية طائفية وليس ممثلا عن الشعب العراقي بكل فئاته ومكوناته.

إن الإصلاح السياسي الذي يتبناه كل رئيس للوزراء جديد، لن يأتي أكله ولن يجد طريقه الصحيح للتطبيق إذا استمر نظام المحاصصة الطائفية. فبوابة الإصلاح السياسي الحقيقي في العراق، هو إلغاء نظام المحاصصة الطائفية، وصياغة نظام سياسي وطني عراقي، بعيدا عن كل أشكال المحاصصة والتوزيع الطائفي. 2_ إن التوترات والحروب الطائفية التي شهدها العراق في الفترة الماضية، ألقت بظلها الثقيل على كل عناصر التجربة السياسية العراقية. وإن استقرار هذه التجربة ونجاحها في الأداء والممارسة السياسية والوطنية، يعود في تقديرنا إلى تبريد التوترات الطائفية والخروج من نفق الاحتراب الطائفي. فالعراق لكل العراقيين، ولا يمكن أن يستقر العراق سياسيا وامنيا بنظام المغالبة الطائفية. بمقدار ما تخرج كل النخبة السياسية العراقية من سجون الطائفية، بذات القدر تتمكن من تحقيق نجاحات سياسية واقتصادية لجميع العراقيين. تريد للعراق أن يصدر نماذج ناجحة للوحدة الوطنية والبناء الوطني على قاعدة أن العراق لجميع العراقيين. ولا نريد للعراق أن يكون نموذجا للاحتراب والاقتتال الطائفي.

وخلاصة القول: إن نزول الشعب العراقي للشارع للمطالبة بالإصلاح، هي رافعة حقيقية لكل النخب السياسية العراقية للخروج من مأزقها، والانطلاق برؤية جديدة لإدارة العراق بعيدا عن المحاصصات الطائفية وبعيدا عن كل أشكال تمزيق الشعب العراقي. فالعراق ينبغي أن يحكم ويدار من الجميع، بدون افتئات على احد من المكونات و التعبيرات. هذا ما نأمله من العراق الحديث، للمساهمة في إخراج المنطقة بأسرها من الحروب الطائفية و المذهبية.  

***

أ.محمد محفوظ

في المثقف اليوم