آراء

هل جاء الدين من أجل القداسة أم من أجل العدالة؟

ماذا يقصد بالدين؟ وماذا يقصد بالقداسة؟ الدين هو الطاعة، والقداسة هي كل ما بين الدنيوي عدم، وهي البعيدة عن الدناءة في نظر الأنسان والدين معا؟ فمن أين جاءت الكلمة، وكيف تلقفتها مرجعيات الدين لتصبح عنوانا مبهما لها دون الأخرين؟. لابل زادوا عليها ليسمون أنفسهم بمقدسي الأسرار التي لا يعرفها الا هم؟. ولربما لا يعرفها حتى الخالق العظيم حين قالوا (ان الله قدس سرنا فرفعوا الشعار المبهم (قدس الله سرهم) اي ان الله هو الذي يقدس أسرارهم،. فهل هذا يصح وينطبق على مرجعيات الدين وتابعيهم؟

بهذه الصيغ الوهمية جعلوا من انفسهم اداة لتحريك البشر نيابة عن الله، فهم محاطون بالقداسة وكلماتهم لا يدخلها الشك، فهم الذين يقررون الاعياد وميقات رمضان واختلاف مراسيم الصلاة بين المسلمين، وحقوقهم فوق حقوق البشر، لانهم من اهل المعرفة والعرفان كما يدعون، لذا من حقهم أمتلاك الدولة باعتبارها ملكا سائبا لا صاحب له،. فهو ملكهم بلا منازع، وهكذا سرقوا الوطن والانسان، دون رادع من دين أو ضمير.

هم المقدسون فوق الناس، لا يحق للمواطن العادي حوارهم، مع ان النبي كان يحاوره المشركون، مقدسون يتكلمون بالاشارة وعمائمهم الملونة التي يرهبون بها الناس، ولا احد راد لقضائهم لدرجة انهم حين ظهر المرجع في العراق منذ عشرين سنة بعد 2003 البغيض، لم يظهر مرة واحدة ليكلم الناس او حتى يبارك لهم صيامهم وصلاتهم واعيادهم، رافق ظهوره المبهم الوكلاء الاغنياء الاثرياء من اموال الوطن والشعب وهم مقدسون مثله لا احد له حق مناقشتهم بأي أمر يقولون،. كما قالوا في مهديهم المنتظر وسفرائه المختفون معه لا احد له حق السئوال عنهم بل طاعتهم دون حدود، ونحن نقول: مجرد اوهام زرعوها في افكار الناس دون سند ساعدهم المنهج الدراسي العقيم في التأصيل.

لكن الغريب ان هؤلاء المقدسون لايؤيدهم المقدس الاعلى الذي سموه (الله) ففي كتبه السماوية انه جل وعلا يرفض التقديس ولا يقبلها صفة للبشر. سوى ماجاء في سورة طه بالمقدس طوى (وطوى هو اسم الوادي الذي نزل به موسى النبي بعد خروجه من مصر على عهد الفرعون الكبير).

يقول القرآن الكريم وهو اخر كتب السماء المنزلة في سورة البقرة الآية 174 ما نصه :" ان الذين يكتمون ما انزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا ما ياكلون في بطونهم الا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم". اذن هم الذين أختلفوا في الكتاب وليس الناس، لذا هم في شاق شديد.

وعلى هذا الاساس هم فهموا التراث فهما سلبياً وتعسفيا في الحكم عليه بعد ان وضعوه تحت جدلية ساذجة بنفي صورته الصادقة فلا ندري كيف وضعوه خلف ظهرانيهم وبالتالي فارائهم جعلته شكل مثالي من جهة وتابع لهم من جهة اخرى في حين ان العقل يحكم ان لا يجتمع على صدقٍ نقيضان.

نعود هنا للدين فنقول: هو اسم جنس جاء من الانقياد للعدالة الآلهية المطلقة كما في قوله "مالك يوم الدين" اي يوم الحكم والمحاسبة للبشرعما عملوا قبل الموت. فكلمة الدين محددة في طاعة الله وحكمه وهو الذي حدد له قوانين الوجود. اما ان الدين محدد بالعبادات فهذا مرفوض كما عند مؤسسة الدين، فلو فهمته بشموليته المطلقة هي واتباعها لما تجرؤوا على الحقوق العامة واستغلوها لصالحهم دون الناس كما في الوطن العربي اليوم،

أما كلمة الاسلام فمعناها الكلي هو تخلص المسلم قناعة من النقائص والعيوب، وقد فشل الدين في تحقيق هذا الهدف تماما، المسلمون اليوم هم اكثر اهل ارض تجاوزا على النص في التطبيق، فلا يغريك ايها المواطن كثرة مساجدهم واوقات صلاتهم وحجهم للبيت الحرام، كلها مظهرية يخفون فيها تجاوزهم العامد لقواعد الاسلام الحقيقة، وهنا يعني انهم يفهمون الاسلام استسلاما للرغبات المادية دون قيد او شرط، اذن هم والاسلام على طرفي نقيض.

فيديننا الاسلامي مركبات تحوي صفتين أساسيتين هما:المتناقضات في "الاستقامة والحنيفية"، وعلى ثلاث مركبات الزامية التطبيق وهي :"الحق والأخلاق والتشريع المؤدي الى العبادات والاعراف والالتزام بها دون قيد، تنفذها التقوى وهي الوقاية من الانزلاقات الدنيوية كحب السلطة والمال الحرام والجنس دون قانون،

وهذا ما فشل فيه المسلمون جميعا في التطبيق، وحتى يتجاوزوا الممنوع شرعا أتجهوا للمذهبية التي فسرت الدين تفسيرا احاديا مكنتهم من الخروج على النص للتبرير، وألا لوان الحاكم المسلم حقا كان ملتزما بالتشريع الديني عن قناعة المنطق، هل كان بأمكانه التجاوز على النص لصالحه منذ بداية التشريع والى اليوم، بعد ان جعل النص الديني ثابتا لايتغير وفق الصيرورة التاريخية لينفرد بالقانون دون عامة الناس،. فأصبحت الاوطان بشعوبها ملكا لهم دون الناس،

ان اخطر ما نعانيه اليوم في الوطن الاسلامي الصوري هو محاولاتهم الدائمة باسم الدين الى تطويع النص الديني المقدس لصالحهم وطرائق وسائلهم في السيطرة على الموارد الوطنية دون رقيب او حسيب، ومرجعياتهم الدينية الغنية بالمال تتفرج على الخطأ واذا اشارات او تشير اشارات ميتة لذلك الخطأ ذرا للتراب في عيون المسلمين، حتى اعلنوها حربا عشوائية لا تبقي ولاتذر بوجه المسملمين وكل المواطنين الاخرين، تنفيدا ورغبة لنزواتهم ونزعاتهم الملتوية، حتى أشاعوا بين الناس الفساد العام للاخلاق والتحريف والتزوير في كل ما هو صحيح من مذاهب السلف والخلف غير متورعين ولا وجلين من احكامهم وضلالاتهم تلك،.

ونحن نقول لهم، انتم منقسمون على أنفسكم والبيت المنقسم على نفسه مهدد بالزوال. لا تتبجحون بالكلمات الرنانة المعادة ولا بالايات التي تزجوها خطئا ولا بالاحاديث التي ترونها كذبا وزرا، انتم يا حكام الوطن جميعا دون تمييز اعداء الله والشعب انتم اليوم مالكم والله من ثبات، ولا عزم، ولا صبر على الشدائد، حتى اصبحتم لغوزا محيرة في نفوس كارهيكم من المسلمين والمواطنين، أنتم الظالمون الاقدر على تبرير الظلم والاسرع في الخيانة الوطنية، ونتحداكم الف مرة ان خرجتم الى الشارع وتحدثتم مع المواطنين، وهذا سبب واضح في بطلان حكمكم،

قال الامام علي (ع) قبل الاعتداء عليه في مجلس الكوفة عنما اعترض عليه اصحابه بالخروج فجرا لاداء الصلاة لان الخوارج كانوا يترصون به الدوائر، يا ابا الحسن لا تخرج الاعداء يدبرون لك أمرأ.

فرد الامام الجليل عليهم قوله المشهور: "ان من يحكم الناس عليه ان يكون بيهم والا بطل حكمه عليهم"، لك السلام يا ابا الحسن عُد اليوم لترى من يدعون باصحابك كيف يحكمون الناس بالباطل والحكم الرجيم. لك الله يا وطن العراقيين.

***

د. عبد الجبار العبيدي

في المثقف اليوم