آراء

مهمة غروسي..

(تيتي تيتي مثل مارحتي جيتي!)

كما كان متوقعا هنا في روسيا، من نتائج لزيارة وفد الوكالة الدولية للطاقة النووية، الى محطة الطاقة النووية في زاروبوجيه الأوكرانية، والتي هي اليوم تحت سيطرة القوات الروسية، والتي تتعرض لقصف يومي يستهدف أماكن خطرة تهدد السلام والامن الدوليين، وسط صمت دولي، عن الكوارث التي يمكن ان تحدث جراء القصف العشوائي الاوكراني للمحطة .

فتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية المؤلف من 52 صفحة، والذي يشرح فيه رئيس الوكالة رافائيل غروسي، زيارتهم لمحطة الطاقة النووية في زاروبوجيه الأوكرانية، للفترة من 28 أغسطس ولغاية الخامس من سبتمبر الجاري، قد خلا من أي جواب عن الجهة التي تقوم بقصف المحطة النووية حتى اليوم وتعريض السلم العالمي للخطر،، وأكتفى تقرير الوكالة بالتوصية بأن هناك حاجة ملحة لاتخاذ تدابير وسيطة لتجنب وقوع حادث نووي يمكن أن يحدث بسبب الأعمال العدائية، ويمكن حل المشكلة عن طريق إنشاء منطقة أمان على الفور، وهو ما أثار حفيظة موسكو.

و يُلاحظ أن مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد حددوا عددًا من الأضرار في ZNPP، بما في ذلك في مباني تخزين النفايات النووية، كما تم التأكيد على أن مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على استعداد لبدء المشاورات حول إنشاء منطقة آمنة، ويمكن أن يؤدي القصف المستمر لمحطة الطاقة النووية زاروبوجيه إلى "إطلاق غير محدود للمواد المشعة في البيئة"، وهذا هو السبب في ضرورة قيام روسيا وأوكرانيا تجنب "أي قصف" لأراضي المصنع.

وتطابق التقرير على ما يبدو مع ما اقترحته أوكرانيا في وقت سابق، حول تشكيل منطقة منزوعة السلاح بدعم من الدول الغربية والأمانة العامة للأمم المتحدة، وهو الامر الذي رفضته رفضًا قاطعًا، فوفقا لتقديرها، فإن نقل المحطة تحت السيطرة الدولية سيعني استسلامها الفعلي للجيش الأوكراني وخلق مخاطر إضافية، في الوقت نفسه، يولي الاتحاد الروسي اهتمامًا لتبسيط التوصيات، وترى مصادر في مجلس الاتحاد، انه يجب تحليل استنتاجات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعناية ووضع برنامج عمل محدد.

وبالإضافة إلى زابوروجيه، فقد غطت زيارة وفد الوكالة الدولية محطات تشيرنوبيل وجنوب أوكرانيا وريفني وخميلنيتسكي للطاقة النووية، وإذا كانت الثلاثة الأخيرة "تقع بعيدًا عن خط المواجهة" و "تواصل العمل بأمان وموثوقية منذ بداية الصراع" (الأمور حول محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية هادئة أيضًا)، فإن الوضع مع محطة في زابوروجيه، التي هي تحت سيطرة الاتحاد الروسي منذ مارس 2022، أصبحت حاسمة وتحتاج إلى قرار عاجل، لذلك استبق رئيس الوكالة رافائيل غروسي، الامر بالتصريح مرارًا وتكرارًا على أن مهام المفتشين فنية وليست عسكرية وسياسية، لذا لم يُشر التقرير إلى الجهة التي نفذت القصف، وقدم سبع توصيات بشأن المحطة، على الرغم من مطالبة موسكو ان يتضمن الوفد الدولي خبراء في المقذوفات لتحديد المسئولية عن القصف اليومي للمحطة النووية .

وتتضمن التوصيات إنشاء منطقة أمان نووي حول ZNPP من خلال وقف قصف المحطة وضواحيها، والوكالة مستعدة لبدء المشاورات بشأن هذه المسألة دون تأخير، والقيام بإزالة جميع المركبات من مناطق NPP، حيث قد تتداخل مع تشغيل أنظمة السلامة - يجب تشغيل أنظمة الحماية المادية على النحو المصمم، و استعادة جو العمل المناسب في ZNPP من خلال تقديم الدعم للموظفين وأسرهم – و يتعرض الموظفون الأوكرانيون لضغوط مستمرة في ظروف القتال وهذا يمكن أن يؤدي إلى أخطاء بشرية، و يجب على الموظفين أداء وظائفهم دون التعرض للتهديد أو الضغط، وتقع مسؤولية السلامة النووية على عاتق المشغل، Energoatom الأوكراني، لذلك يجب أن يكون قادرًا على القيام بواجباته.

وكذلك من ضمن التوصيات، استعادة وضمان أمن إمدادات الطاقة، ولهذا، من الضروري أيضًا وقف الأعمال العدائية، وإنشاء ممرات نقل آمنة لضمان سلاسل التوريد الفعالة لإصلاح الأضرار في الوقت المناسب والحفاظ على ZNPP قيد التشغيل، وعمل آليات للاستجابة في حالة وقوع حادث - لذلك من الضروري إجراء تدريب منتظم للموظفين وإنشاء سلاسل قرارات واضحة وتزويد الموظفين بوسائل الاتصال المناسبة، وأخيرا تزويد المحطة والمنظمات الخارجية بوسائل اتصال إضافية موثوقة (الإنترنت، اتصالات الأقمار الصناعية) .

وعلى مبدأ صمت دهرا ونطق كفرا، أكد رافائيل غروسي، أنه لا أحد مهتم بمواصلة القصف، ولهذا السبب من المهم جدًا إنشاء منطقة أمنية حول ZNPP، و"بصفتي دبلوماسيًا، يمكنني أن أتخيل أن جانبًا أو آخر سيقدم دعمًا أو ضد نزع السلاح، وكيفية القيام بذلك وما إلى ذلك، لكن هذه ليست ولايتي، ولايتي هي المطالبة بالأمن النووي، هذا أمر بالغ الأهمية، نحن نلعب بالنار".

والملاحظ من التوصيات السبعة، ان جميعها تصب لصالح الجانب الاوكراني وتتجاهل المطالب الروسية، فمثلا يمكن أن تسبب النقطة الأولى من التوصيات الكثير من الجدل حقًا، فقد طرحت أوكرانيا فكرة المنطقة منزوعة السلاح، وأيدتها الولايات المتحدة ومكتب الأمين العام للأمم المتحدة، وروسيا رفضت بشكل قاطع هذا الاقتراح، لأن مثل هذا المقترح و كما ذكر فلاديمير تشيزوف، الممثل الدائم للاتحاد الروسي لدى الاتحاد الأوروبي، "لن يؤدي نزع السلاح من هذه المنطقة إلا إلى مخاطر إضافية وتهديد لأمان محطة الطاقة النووية".

ويرى الروس في تقرير فريق خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بأنه عام للغاية وغير محدد وصياغته مبسطة للغاية، لكن بحسب الخبراء الروس فانه لا ينبغي إهمال هذه الاستنتاجات، ومن الضروري مناقشة ذلك بالتفصيل في إطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية نفسها وفي إطار الأمم المتحدة، ومن الضروري تجسيد جميع المقترحات، والإشارة بالتفصيل إلى برنامج عمل من شأنه أن يمنع وقوع المأساة في محطة الطاقة النووية ويجبر الجانب الأوكراني على اتخاذ موقف متحفظ، وهناك الكثير من العمل في المستقبل.

و اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نيويورك، عُقد بناءً على طلب الاتحاد الروسي، في غضون ذلك، قدم رافائيل غروسي تقرير الوكالة، وحظيت مقترحاته بدعم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وكخطوة أولى، يجب أن تلتزم القوات الروسية والأوكرانية بعدم القيام بأي نشاط عسكري فيما يتعلق بالمحطة أو من أراضي المحطة وقال الدبلوماسي "يجب ألا تكون محطة زابوروجيه ومحطاتها أهدافا أو منصة للعمليات العسكرية"، موضحا خيار "محيط منزوع السلاح"، وهو على القوات الروسية أن تسحب أفرادها العسكريين ومعداتها خارجها، بينما لا ينبغي للقوات الأوكرانية أن تدخله.

الخطاب الدولي في مجلس الامن، لم يناسب فاسيلي نيبينزيا، الممثل الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، الذي شكر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية وأعرب عن أسفه لأن المنظمات الدولية لم تلوم أوكرانيا على القصف، ووصف فكرة المنطقة منزوعة السلاح بأنها فكرة تافهة، والتأكيد على انه اذا كانت زاروبوجيه منزوعة السلاح، فإن الجانب الأوكراني سيحتل (الإقليم ) على الفور، وقال " نحن نحمي ونضمن سلامة المحطة، وانه لا توجد معدات عسكرية في المحطة، فقط الوجود المادي لأولئك الذين يحرسون المحطة"، وأكد الدبلوماسي أنه لا توجد مدفعية ثقيلة في المحطة، ورغم ذلك فإن موسكو ما زالت تنتظر تفاصيل محددة بشأن اقتراح إنشاء منطقة منزوعة السلاح حول محطة زابوروجيه النووية، وأشار نيبينزيا إلى أن روسيا لا تستخدم محطة زابوروجيه النووية كقاعدة عسكرية.

ويعرب الخبراء الروس عن اعتقادهم أن فرص التوصل إلى اتفاق بشأن نزع السلاح منخفضة، ويشيرون الى معارضة روسيا وبشدة عبارة" منطقة منزوعة السلاح "، ويستخدم تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية صياغة مختلفة، و تبعا لذلك، وبحسب ديمتري ستيفانوفيتش، الباحث في مركز الأمن الدولي في IMEMO RAS، المؤسس المشارك لـ مشروع Vatfor، فإن الخيارات المقبولة للطرفين ممكنة، وعلى سبيل المثال، يمكن فهم "منطقة الأمان" على أنها مساحة معينة لا يُقبل فيها ما يسمى بـ "واردة" و "صادرة" من MLRS (أنظمة إطلاق صواريخ متعددة) والمدفعية، في الوقت نفسه، لا تزال مسألة وجود القوات المسلحة الروسية في المحطة قائمة، والتي تنتقدها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعناية، ووفقًا للخبير، من الممكن أن يتم تنظيم وجود أفراد عسكريين روسيين بطريقة تجعل التأثير على الأنشطة العادية لأفراد ZNPP ضئيلًا، بينما سيظل أمن المنشأة كافياً.

وفي عالم مثالي، سيكون من الممكن الاتفاق، وكما يؤكد الخبراء، انه يمكن لروسيا نقل معداتها بعيدًا عن أراضي محطة الطاقة النووية، ويمكن لأوكرانيا أن تتعهد بالتخلي عن محاولات احتلال هذه المنطقة، ولكن بما أنه لا توجد ثقة، فمن الصعب افتراض أنه سيتم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، وبالتالي، يبقى القول بأن الجبل قد ولد فأرًا: مثل الهياكل الدولية الأخرى المصممة أن لا تكون محايدة في تقييم الوضع في أوكرانيا (على سبيل المثال، الأمم المتحدة)، فإن الوكالة التي يقودها رافائيل غروسي وضعت رأسها في الرمال حتى لا يسيء إلى سلطات كييف والقيمين الغربيين.

***

بقلم : الدكتور كريم المظفر

 

في المثقف اليوم