آراء

معركة الطف.. من هم أصحابها؟

نقول للمتمسكين بدولة الاسلام دون ايمان وتطبيق: ان وفاة صاحب الدعوة ونقصد محمد بن عبدالله (ص) قد رافقتها أنكفاءات كثيرة في جزيرة العرب، بدءً بحروب الردة وليس انتهاءً بواقعة الطف في كربلاء التي أسست اعمق أقطاب العبودية في امة العرب. ونقول ان دولة محمد التي نشأت في يثرب (المدينة المنورة حالياً) فقدت بريقها بفعل الفقهاء الذين كفروا كل الاسماء ان لم تكن مقرونة بالاسلام منذ البداية.. مخالفة لنصه "لكم دينكم ولي دين".

ونقول: لقد اخترعت دولة المدينة قاعدة جديدة في تعاملها اليومي او السياسي مع الاخرين، هي (النصر او الشهادة) التي بها اغتصبت الحقوق واحتلت الاراضي بلا تهديد ولا اعتداء على اراضي المسلمين او أموالهم من الاخرين. فالفتوح لا تملك تبريرات جحافل جيوشها الا الثروة والسلطة والجنس واستعمار الاخرين. اما الادعاء بنشر رسالة الاسلام للناس للمساواة بين الحقوق والواجبات وتخليصهم من الذل والعبودية، فهو أدعاءلا تدعمه الشواهد المادية ولا الوقائع على الارض، لان هشاشة الايمان بالعقيدة كان من المظاهر القوية الحضور في تاريخ الاسلام منذ البداية.

ونقول: ان الشهادة والشهيد، والايمان والتصديق، ما هي الا نصوصا اسبغوا عليها فعل غياب العقل وانجراره نحو العاطفة الخرافة. وان الجنة ومراتبها التي وعد بها المؤمنون ماهي الا مراتب ومنازل خارج العدل الالهي. ونقول اذا كانت المرأة بكيدها العظيم تُزيل الجبال، وان عالم النساء من اهل النار، فكيف يوعد كل مؤمن بحوريات العين بلا عد ولا حصر، والولدان المخلدون كاللؤلؤ المنثور في الجنة، ألم يكن هذا تناقضاً؟

ونقول: لقد ابتلى اهل العراق بالمحن والمصائب منذ بداية الاسلام، فكانت حرب الجمل، عائشة وعلي، وحرب صفين، علي ومعاوية، وحرب النهروان، علي والخوارج، وفي جميعها قتل من العراقيين الكثير وشرد أكثر، اهذا هو الاسلام، ام عدوان على النفس والناس كما يقول بعض الدارسين.

ونقول: ان علي واولاده ليسوا بعراقيين (حجازيين) لكنهم من العرب المسلمين المخلصين للمبادىء والقيم.. لذا أقمنا لهم اضرحة التقديس والتقدير المسلمون وحدة (هذه أمتكم أمةً واحدة وانا ربكم فأعبدون، الأنبياء92) وهم الغرباء عنا نحن العراقيين.. حتى ولو كانت الكوفة عاصمتهم، واذاكان الحسين قد رفض مبايعة يزيد كحاكم وسلطان من اجل تحقيق العدالة.. فلمَ اتباعهُ الخُلص يبايعون اليوم المحتل وهو من غير دين أهل البيت المسلمين؟ ان وجود أضرحتهم عندنا اليوم نقدسها ونرصعها بالابهة والجلال لهو مشهد يجعل النفوس ترتجي منها الامل في النجاح على الظالمين.. فهل تحقق الأمل الموعود..؟ أم أستغلت لصاح تدمير وحدة العراق والعراقيين.

قرأت كتابا لكاتب مصري اسمه توفيق ابو علم بعنوان الحسين بن علي، يقول الكاتب المصري: "لقد كان مقتل الحسين في العراق بسبب مطالبته بالخلاقة الشرعية للمسلمين، وانتزاعها من يزيد ابن معاوية لانه كان افضل منه، لان الرسول (ص) همس بأذن الحسين معايير الاستقامة يوم ولدته فاطمة الزهراء حتى شب رجلا في ضميره شعورا يفيض ياحاسيس الفضيلة". ثم يسرد الكاتب روايات خيالية لا تصدق حول الحسن والحسين لان المبالغة فيها واضحة والحسين وتاريخه الصحي ليس بحاجة اليها ولا تستند على نص ثبت. والدراسة بلا نص لا نصيب لها من القبول في عقول الباحثين.

هنا يتدخل الاستاذ الدكتور حسين مؤنس رحمه الله الاستاذ القدير في جامعة القاهرة سابقاً فيقول:

"بادىء ذي بدء هل من حق الحسين بن علي ان يطلب الخلافة لنفسه دون الاخرين؟ رغم كونه شابا نقيا عاقلا هادئا، ويقول: ليس هناك من مسوغ الا لكونه ابن علي بن ابي طالب. ويسترسل، هل هذا كان يكفي لترشيحه للخلافة؟ يقول: لا، لانه ما كان بمقدوره ان يكون خليفة لدولة ناشئة قوية مثل دولة الامويين دون مبدأ الشورى المخترق من الامويين، وليس قادرا على تحمل مسئولياتها لقلة خبرته في حكم الدولة مثل يزيد. ويضيف ان الخليفة الاموي كان اقل منه علما واخلاصا وكفاءة، وهو الاخر لا يستحقها.. قول فيه توازن المنطق.

وأنا أقول: ان العاطفة ركبتنا منذ البداية فأضعنا العقل والدراية، لان ما قاله الكاتب أبو علم كلام خالٍ من المنطق والفائدة.. ذلك بأن الدول لاتقاد بالعاطفة ولا بالعشائرية او الانتمائية للرسول بل بالخبرة والكفاءة وحسن التدبر للامور، وان الرسول(ص) لم يوصِ لاحد ولوفعلها لجاز عليه الخروج على آية الشورى وهو غير مخول بالخروج عليها.، فهل كان الحسين من هذا الطراز من الناس؟ وياليت العلماء والباحثين يجيبونا اجابات بعيدة عن الانحيازية والعاطفة الدينية.

وتعليقا على كل الذي كتب اقول: لو ان مسار الدولة فد سار وفق دستور المدينة المغيب عنا اليوم ومبدأ الشورى الحقيقي، لما لحق بنا كل هذا الذي لحق، فلا ردة حدثت ولا خليفة قتل ولا معركة بين المسلمين وقعت ولا مسلما استبيح وشرد ولا من آمة دمرت، وحل بها فقدان التوازن، وضياع الملك، حتى اصبحنا من اكثر امم الارض ضعفا ومهانة وقدرا.

 نعم الدول تبنى وتتقدم بمقاييس حضارية ثابتة، لا بالاشخاص حتى ولو كانوا من احفاد الرسول، فالرسول لم يأتِ بدولة ليرثها الابناء والاحفاد، ولو سار عليها لخرج من مفهوم رسالة التبليغ الكبرى لعامة الناس. ولم يترك لنا نصاً ثابتاً بهذا، لان ليس من حقه ترك مثل هذا النص ابداً.

 وحين اخترقت الرسالة تبعها اختراق كل التفاصيل الاخرى فانبرى وعاظ السلاطين بين مبرر ورافض، لكن الكل يدور في فلك السلطة لا العقيدة والتطبيق، وما من أمة تعرضت للتزوير والتبريراللاشرعي مثلنا في العالم ابداً.، فوقعنا في وهم ما يريدون وحسبناهم كلهم مصلحون.

لقد علمنا الاسلام التاريخي ان الحرية هي لب الحياة، وقد جاء بها النص القرآني , واضحاً يقول الحق: (وقل الحق من بكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر انا اعتدنا للظالمين نارا، الكهف 29). ففرطنا بها، بعد ان اهملها السلف وحولها الى نصوص مقدسة يحرم الافتراب منها، فجعلونا في سجنها الحديدي الذي لا ينفصم.. هنا توقفت مبادىء الدعوة.

وعلمنا ان العدالة هي الاساس (... وأذا قلتم فأعدلوا ولو كان ذا قربى، الانعام152 ) فأبتعدنا عنها ونسيناها.. نصلم نقرأه في الحضارات القديمة.

وعلمنا ان الشورى الحقيقة للناس هي الحكم الصالح (وشاورهم في الامر، آل عمران 159)، فلم نعترف بها.. منذ البداية.

وعلمنا ان محبة الاوطان والتفاني فيها هي النجاح يقول الحق: (ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبون بانفسهم عن نفسه، التوبة 120)، نزلت حين حاصره الروم من الشمال بعد مؤتة.، فتركناها. ولم تعد لها عندنا من وجود. حين جعلنا الوطن غنيمة، وقتله وسرقته رجولة، و، وتشريد اهله وبيع ارضه وعِرضه بطولة، وفتل ابنائه واطفاله ونسائه عزا ًوتفاخرا، حين هجرنا أبناء الوطن دون ذنب جنوه الا التفرقة الطائفية.. لنبني مجدا لسلطة باطلة نجني من ورائها.. قصرأ أو فندقاً عند الماجنين اصحاب اللارجولة.

وعلمنا ان حقوق الناس لا يعتدى عليها، (ان الله لا يحب المعتدين)، فأعتدينا عليها دون مخافة الله والناس وكل الاخرين.. حين فرقنا بين المواطنين في الحقوق.

وعلمنا ان الاخلاص والوفاء هو الهدف، (وأوفوا بعهدالله اذا عاهدتم ولا تنقضوا الآيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا، النحل 91)، فرميناه خلف ظهورنا.

وعلمنا ان الثروة هي ثروة الجميع تقسم بينهم بالتساوي (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم، التوبة، 34)، فسلبانها لانفسنا بعيدا عن اصحابها الشرعيين.

وعلمنا ان على الخليفة او الحاكم ان لايستند على فتاوى رجال الدين ولا يخولهم حق الفتوى ولا يميزهم بلباس معين كما فعل رجال العهد القديم، بل بالقرأن الكريم يحكم وينفذ، فلم يُطبق ما امرالله به الا ما كان يتطابق مع هواه ورأي رجال الدين. الذين يذكرونا بطاعة الحاكم وعدم الخروج عليه، على قاعدة (من خرج عن السلطان شبراً مات ميتة جاهلية). فجعلونا خانعين. وهاهم القادة المنهزمين، خائفين مذعورين، من الشرقيين والتمبل وكل الطامعين.

وعلمنا ان الجيش والسلاح هو للدفاع عن الامة، لكننا جعلناه لنا لنتحصن به لقتال المواطنين، ألم تستخدم دولة الامويين والعباسيين، وكل اصحاب السلطة جيش المسلمين لقتال المناوئين والثائرين الخارجين على دولهم والتابعين، ألم يستبيح يزيد الاول المدينة وعلاوي الفلوجة والنجف، والمالكي البصرة، وجعلهم اسرى عند الحاكمين. وفسروا كل من يعارض فهو خارج عن التشريع والمشرعين، ومادروا ان الفضيلة تنبع من القناعة الداخلية والشعورالدفين والضمير الحي الصادق، لا من التخويف والقسوة والتهديد والوعيد الذي لا ينتج عنه الا المخادعة والرذيلة والكذب على الاخرين.

وعلمنا ان القتل بدون ذنب محرم حرامة التحريم (من قتل نفساً بغير نفسٍ او فسادٍ في الارض فكأنما قتل الناس جميعاٍ، المائدة 32).، فكيف ونحن نصفي كل المعارضين.. وحتى العلماء والمفكرين.

وعلمنا تقد ير العلماء ومكانتهم عند رب العالمين(انما يخشى الله من عباده العلماء، فاطر28). ونحن نقتلهم ولا من معين. بعد ان اهملهم التراث واغدق العطاء على الشعراء المادحين والفقهاء الموالين وحول العلم الحقيقي الى علم دين. واصبحت اليوم الراقصات والمغنيات احسن من العالم الرصين. انها مهزلة عهود المسلمين..

ولم يبق لنا اليوم من شيء، سوى أننا اصبحنا صفر اليدين، في قصورنا السوداءكالفئران الخائفة المرتعشة من مصيدة الصائدين نستكين، نأكل ونشرب ونلعب القمار على موائد المتزلفين، وليس لدينا الا ان نستجدي الاخرين. فأين انتم يا قادة الاسلام الميامين، فهل نبقى من المنتظرين..

ولكن فات على المؤرخين ان يكونوا منصفين حين كتبوا غير بالحق مبالين، لانه مادروا ولا قرأ وا ان الحسين الذي يستخسرالبعض الاحتفال به_- بغض الظر عن الشعائر التي لاتروق له او التصرفات المجافية للشرع من اتباعه - هو الذي قوض بفكره وبثورته اركان الدولتين الاموية والعباسية. صحيح ان يزيد بن معاوية استطاع ان يحكم وينتصر عليه ويقتله مع من كانوا معه، لكنه لم يستطع ابدا ان يقتلع مبادئه من رؤوس الناس. فظلت تسري في المخلصين كالهشيم حتى ابادت الامويين والعباسيين ً.. فأين من يدعون به اليوم من مبادئه في التطبيق.

بقيت في نفسي نقطة لا بد من ذكرها هو ان التغيير الاخير بعد 2003 الذي رفع شعار الثورة الحسينية العظيمة لم يقفِ بوعده لها، ولم يطبق شعارها، ولم يحسن ادارتها، فظل لاهيا بما أفرزته عليه اراء الاخرين الطامعين بسلطتها، فلو استغلت المبادىء الحسنينبة قولا وتطبيقا لاصبحت الدولة لا مثيل لها، فنأمل التعامل مع مبادئها لا مع نظرياتها والا سنخسرها فعلينا حذرها؟

لا.. لا تتجاسروا على اهل البيت واصحاب الرسول ومبادئهم الشريفة فهم آوتاد الارض وهم كانوا ولا زالوا وسيبقون في صدور الناس أهيب من الاسد، لا لانهم منه، لكنهم ماخانوا أمانة، ولا تقاعسوا عن واجب، ولاتهاونوا في وطن؟ فسلام على المخلصين للمبادىء والاوطان وعلى كل المجاهدين الصادقين. ولعنوا من خانوا المبادئ... خدمة للأخرين.

***

د.عبد الجبار العبيدي

 

في المثقف اليوم