آراء

ليبيا وسط دوامة المبعوثين الأممين والمتدخلين الدوليين

كان يمكن أن يكون هذا التقارب بين الأطراف الدولية الإقليمية المتصارعة والمتدخلة في القضية الليبية مفيداً لليبيا والليبيين، ويمهد نحو إنجاز تسوية حقيقية للأزمة الليبية تمهد لإستقرار حقيقي ملموس ويؤدي إلى إعادة بناء الدولة الليبية إقتصاديا وسياسياً وأمنيا ...

لكن ذلك لم يحدث، حتى أن الإنقسام والتشظي إتسعت تصدعاته أكثر فأكثر، حيث نشأت تحالفات مفاجئة بين أعداء الأمس، مع تحالفات خفية بين أعداء ظاهرين، وتفرق في الصف الواحد، حتى فقد الليبيين توازنهم بين حكومتين تتنازعان الشرعية وعلى شفا حرب حقيقية بعد مناوشات مسلحة شديدة الوطأة وسط العاصمة خلفت ضحايا من المدنيين الأبرياء، وأجسام سياسية منزوعة الشرعية تثقل كواهل الليبين وتربض على صدورهم كوابيس لاتريد أن تبرح ليلهم الطويل، ومليشيات مدججة بالمال والسلاح ترهن مصيرهم ومقدراتهم، تكبر وتتغذى من قوتهم، وتصنع من فشل الدولة نجاحها، ومن رسوب النخب تميزها وتعاظم نفوذها..

فإلى أين تتجه الأوضاع في ليبيا؟ فهانحن نشهد اليوم تعيين المبعوث الأممي الجديد الثامن للأمم المتحدة في ليبيا" عبدالله باتيلي"، وهو الإفريقي السنغالي هذه المرة، فهل سينجح فيما أخفق فيه الأردني ثم البريطاني ثم اللبناني حتى وصول الالماني ثم اللبناني الآخر وبعده التشيكي ثم الأمريكية؟، خصوصاً حينما تتداول الأنباء عن ضحالة خبرة"عبدالله باتيلي "في الشأن الليبي وحداثة خدمته في أروقة الأمم المتحدة ! ومابالك والقضية الليبية يمكن وصفها بأنها ككرة النار الضخمة المشتعلة، والتي إن لم تحرق المقترب منها، فلن يستطيع إستيعاب ألسنتها ودخانها المتصاعد، لإن هناك من يلقي إليها بالمزيد من الحطب والمواد المشتعلة خلسة وجهرا، ويقال أيضاً أن من شروط نجاح المبعوث الأممي الجديد، إذا أراد أن يمهد لتأسيس حل جذري للأزمة الليبية المتفاقمة، ينبغي عليه أن يجري تغييرا على أعضاء البعثة الأممية في ليبيا، والتي طالها الفساد وبيع الذمم ..

أم أن الأمر لا يتعلق في الواقع بهوية المبعوث الأممي السابع أو الثامن أو التاسع الخ.. أو مدى قدراته ومهنيته، بقدر مايتعلق الأمر بنفوذ القوى الدولية المهيمنة على العالم والمتدخلة في ليبيا وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وأن هذه القوى هي من تقرر مآل الأوضاع في ليبيا؟ بل وتملي على كل المبعوثين الأممين ماتريده، ولديها الكلمة الفصل حول من أين تبدأ المسارات وأين تنتهي، سواءا سلما أو حربا؟ لأنها في الواقع هي المسيطرة والقابضة على زمام السياقات السياسية والاقتصادية والأمنية في ليبيا، دوليا عبر الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدول التي تدور في فلكها، وداخليا عبر سفرائها وأجهزة مخابراتها وعملائها المحليين المندسين في النخب والمؤسسات السيادية والأجسام السياسية والكيانات المسلحة.

والوضع كذلك فإن خلاص الليبيين لن يكون إلا بأيديهم وإرادتهم وتكاتفهم، عبر نضال سلمي شامل، تكون أدواته إجتماعية على نحو أساسي، وبإستعمال الوسائل والوسائط التقنية المتاحة،والهدف ابتداءا تجسيد  مصالحة حقيقية وعميقة وشاملة بين كل المكونات بدون إقصاء، لغرض ترميم الصفوف وتوحيد الرؤى، مصالحة تمحى فيها كل التصنيفات المجحفة والمقصية، بين من مع ومن ضد، ليكون الكل تحت مظلة الوطن، من أجل رفعة ونهضة هذا الوطن.

***

د. أبوبكر خليفة أبوبكر

كاتب وأكاديمي ليبي

 

في المثقف اليوم