آراء

هل الدستور هو سبب الازمات؟

ما تحتاجه الديموقراطية هو المقومات المادية والمعنوية المتوفرة لدى الشعب وفي مقدمتها الوعي اللازم لاتباع وسائل تطبيق الديموقراطية كمفهوم الذي لم يفهمه الا من خلال الممارسه وتصحيح المسار الذي اتبعه الاخرين واخطأ فيه، اي انها عملية دائمة مستمرة ومتتالية ومنذ بداياتها ابان التاريخ القديم في يونان لم تكن الديموقراطية نظرية غير ممارسة بعيدة عن الواقع يوما، بل بدات بممارستها منذ انبثاقها والاعتماد عليها وباشكال وتطبيقات مختلفة وتم تعديلها او تطويرها حقا بمرور الايام. لننظر الى ديموقراطية بريطانيا وكبف وصلت الى ماهي عليه اليوم بعيدا عن الدستور واعتمادا على وثيقة افرزت سلبيات العملية وايجابياته وتم تعديلها من خلال تكرار ممارساتها وتم تصحيح الخطا اينما وجد في مسار العملية. كان العمل على تطوير العملية والسير الى الامام دائما ما عدا ما اصابها من العثرات هنا وهناك سواء كانت هذه العملية في وسط صغير او كبير الى ان وصلت الديموقراطية الممارسة اليوم في اكثر بقاع العالم وكل حسب ظروفه وما يمتلك من البنى التحتية والفوقية.

اليوم نرى ما يتبعه العراق في ممارسة هذه العملية التي تحتاج الى ارضية مسالمة ومجتمع مدرك لتجنب افرازات الخطا الذي يمكن ارتكابه من خلال تطبيق هذه العملية، اي بوجود مجتمع مسؤول ومثقف ويتمته بانتماء عام للدولة ولديه القدرة على تحديد المسار وتوجيهه لدرء الاخطار التي يمكن ان يواجهها هذا المجتمع. ويمكن ان يدرك ان العملية في هذا اليلد فتية ليس للمجتمع العراقي والشرقي قاطبة اي تجربة واضحة ومناسبة بشكل كامل للعملية في اي بلد في الشرق الاوسط خلال تاريحه الطويل. اي النقص الموجود في كيفية ممارسة العملية ومقوماتها ومتطلباتها على ارض الواقع سواء كانت البنية الفوقية او ما يمكن ان يمتلكه المجتمع ابان مخاض سير العملية وتكرارها وبيان الاصح من الافرازات الايجابية والسلبيه منها مناسبة او متقاطعة معها.

العقلية العراقية وما كان يحمله النموذج المتمكن القادر فكريا من الصفات الخاصة التي يحمله في فكره وكيانه في هذا البلد وما يؤمن به من الثقافة الخاصة به هي التي كتب الدستور ووافق عليه المجتمع دون ان يعلم مضمونه اكثرية المجتمع العاقي لا بل لم يعلم الاكثرية المطلقة من الشعب فحوى تلك المواد وما يبرز منها وما العلة التي تكمن في تطبيق مضامينها يوما، واليوم يلمس المجتمه خطورة كل كلمة ادرجت في هذا الكتيب وتبعاتها على الارض وتاثيرها على مصالح الجميع.

بشكل عام لا عيب في الدستور بقدر العيب الموجود في تطبيقه ونظرة الجميع اليه وفق انتمائاتهم ومصالحهك واهدافهم. لا عيب في الدستورمقارنة بقدر مدى امتلاك الشعب الوعي الدستوري والقانوني المفروض وجوده لدى الجميع من اجل التعامل معه خلال ممارسة الديموقراطية التي يجب ان يؤمن به كل فرد.

لا عيب في الدستور بقدر فقدان المقومات الاساسية ووحود ما يمنع تطبيقه من العوامل المطلوب ايجادها في مسارها، اي العيب في الوسط او خارج الدستور والارضية والعقل الذي يمارسه والذي يمكن ان يجد ويرى ويحلل ويفسر مواده وفق مزاجه واعتمادا على اصغر متطلباته الحياتية ومستندا على تربيته النابعة من بيئته المعلومة لدى الجميع، لا عيب في الدستور بقدر ما يحمله الفرد العراقي من الهويات الفرعية التي يعتمد عليها اكثر من الهوية العامة وما يجب ان يكون عليه من الانتماء الوطنية. فبهذه الصفات والسمات الموجودة، فهل من المعقول ان نرى التطبيق المثالي للدستور والديموقراطية في مجتمع يقر ويعمل كقطيع معتمدا على اوامر ما يعلو عليه ويامره من الموجود على راس الهوية الفرعية التي يؤمن بها اكثر من القانون والدستور الذي كتب له.

اذا الخطأ ليس في الدستور وما به، ان الخطا الكبير والعائق الاكبر يفرز من الخطأ الموجود في نوايا وعقلية وتوجهات وافكارالممارسين له. هذا تاريخ العراق وما مر به وما يملكه شعوبه (اذا صح التعبير) اي اذا لم نعتبره مجموعات متفرقة متشظية وفق العرق والعشيرة والقبيلة والدين والمذهب واعتبرناه شعبا موحدا وهذا توجه خيالي ونظرة غير واقعية، فهل من المتوقع ان يعبٌر الفرد بشكل صحيح عن فكره ومعتقداته ونظرته الى الحياة بامر فزاعة اخرى مسيطرة على كيانه فكرا وجسما. اي الخلل الكبير الموجود وما لا يدركه المتمرسين للسياسة وفق مصالح شخصية وحزبية ودينية وعرقية ومذهبية او ما يدركونه جيدا حقاو هم غافلون عنه او يتغاضون عما لا يجيير مع ما يهمهم. اما الدستور الموجود يمكن ان يُطبق بشكل صحيح ومفيد ان كانت الارضية والواقع والموجود يريد الخير للجيمع اولا ومن ثم ينظر الى بلده ككيان واحد موحد ولا يمكن هذا الا بما يفرضه عليه نظرته لبلده وصحة انتمائه العام لوطنه او ايمانه الكامل العميق بانه وطنه ويكون الايمان من عمق كيانه وليس مفروضا عليه وسطحي القول والفعل، اما اليوم فلم نر ذلك ابدا وهذا لها اسباب ذاتية وموضوعية ومن حقه عدم الايمان بهذا الانتماء نتيجة غدر التاريخ له وكل ما موجود في تفكيره هو استغلال الدستور لهدف سواء مرحلي كان ام بعيد المدى وفق العقلية التي تدير البلد والجميع على العلم بمن يدير العراق بعد سقوط الدكتاتورية.

وعليه لا يمكن ان يُصحح المسار من قبل من انحرف وغير توجه المسار وفق اهدافه، وما هو الحل اذا؟

انه ليس حل وافي شافي ولا استصال للمشاكل والازمات باي شكل كان ومن قبل اي كان وانما توجد حلول متجرءة يمكن اعتمادها مرحليا لحين العمل على انهاء الخلل جذريا وبعقول متميزة بشكل نهائي من خلال عملية قيصرية او يتاثير الزمن على ممارسة العملية الذي يكون كفيلا ان كانت الطريق خالية من المؤامرات وهذا محال. فيمكن ان نؤمن بان القوى العراقية يمكن ان يدرسوا الحال وان كانت وفق مصالحهم فقط، ويجب ان يبقوا بعيدا عن اتهام الدستور بما يحصل، ففي هذه الحالة يمكم ان يجدوا الحل الجزئي لمرحلة معينة او اتباغ الترقيع للخلاص مما افرز من المشاكل المرحلية الحزئية ومن ثم انتظار الانعطافة التي يمكن ان يمر بها العراق وتاريخه المليء بها. وبها يمكن ان تجرف العوازل والعوائق والمسببات الخطرة التي تراكمت امام مسار الديموقراطية والعملية السياسية بمجملها لاسباب داخلية وخارجية ومن ثم يمكن ان يُستهل البناء الصحيح فوقيا وتحتيا وهذا ما يحتاج لوقت طويل جدا، وبغير هذا لا يمكن ان نجد البديل المناسب السريع ان اردنا الحل المناسب العلمي بعيدا عن الترقيعات المطلوبة حاليا.

***

عماد علي

في المثقف اليوم