آراء

أستراليا: الجمهورية "حتمية تاريخية"

أستراليا اليوم عالقة بين سندان الملكيين ومطرقة الجمهوريين وقد احيا وفاة الملكة اليزبيث النقاش مجدداً، وكما هو معروف فقد فشل الإستفتاء الذي جرى في العام 1999 لتحويل أستراليا الى جمهورية بسبب طبيعة السؤال الذي وضعه رئيس الوزراء يومذاك جان هاورد (احرار) والمؤيد بقوة لبقاء استراليا تحت التاج البريطاني، فحوّل النقاش من مسالة تحويل أستراليا الى جمهورية الى نقاش حول كيفية انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب او من قبل مجلس النواب، مما شوش الفكرة المبسطة التي كانت تتطلب السؤال هل تقبل او تقبلين تحويل أستراليا الى جمهورية نعم أم لا.

نشير الى أن حركة الجمهورية الأسترالية هي حركة عابرة للأحزاب، ولا تنقسم على خط الصراع السياسي الحزبي أحرار او عمال، فهناك شخصيات مهمة من حزب الأحرار تؤيد تحويل أستراليا الى جمهورية، على سبيل المثال لا الحصر رئيسا الوزراء الأسبقين مالكوم فريزر ومالكوم تيرنبول (أحرار) كانا مع تحويل أستراليا الى جمهورية، وتيرنبول كان في العام 1999 رئيس الحركة الجمهورية، وزير الخزينة الأسبق في حكومة هاورد بيتر كوستيلو كان من مؤيدي تحويل أستراليا الى جمهورية، والوزير اندرو روب الذي شغل عدة مناصب وزارية في عهد هاورد كان من أكثر المتحمسين لتحويل أستراليا الى جمهورية. وهناك قول مأثور لتيرنبول عندما سئل عن الموضوع وهل سيعيد أحياء النقاش أثناء توليه منصب رئاسة الوزراء قال ليس قبل وفاة الملكة فنحن (اليزابثيون) نسبة الى الملكة اليزابيث ولسنا ملكيين. ولا بد من أن نشير الى أن حزب الخضر ثالث أكبر الأحزاب الأسترالية يؤيد وبقوة تحويل أستراليا الى جمهورية.

أما من جهة حزب العمال فإن الحزب يتنبى سياسية تحويل أستراليا الى جمهورية كسياسة رسمية، ولكن هناك سياسيين عمال لا يعتقدون بأهمية الموضوع وان التزموا بسياسة الحزب.

 في العام 2017 أعاد زعيم المعارضة الفيدرالية العمالي بيل شورتن إحياء النقاش حول تحويل أستراليا إلى جمهورية، وقال إنه في حال فوز العمال في الإنتخابات الفيدرالية القادمة (جرت عام2019) سوف يطرح الموضوع لإستفتاء عام خلال فترة الحكم الأولى واضاف أن عملية التصويت ستكون على مرحلتين حيث سيطرح على الشعب في المرحلة الاولى سؤال بسيط ومباشر تكون الإجابة عليه بنعم أم لا، والسؤال هو، هل أنت/ أنتِ على أستعداد لدعم تحويل أستراليا إلى جمهورية ويكون على رأسها أسترالي؟ وفي حال فوز الإستفتاء سيتمّ تحديد كيفية إختيار الرئيس في المرحلة الثانية. وغمز شورتن من قناة رئيس الوزراء مالكوم تيرنبول بأننا أستراليون ولسنا اليزابيثون.

في العام 1999 قال رئيس الوزراء انطوني البانيزي ان الجمهورية الأسترالية " حتمية تاريخية" وكان البانيزي عند تشكيل الحكومة بعد فوزه بانتخابات أيار الماضي قد أعطى دفعاً للنقاش لتحويل أستراليا الى جمهورية وقد عيّن الوزير مات ثيستلثويت كمساعد وزير لتحويل أستراليا إلى جمهورية. هذا التعيين يعتبر تطور مهم منذ فشل إستفتاء عام 1999 ولكن البانيزي إستبعد إجراء الإستفتاء خلال فترة الحكم الأولى لهذه الحكومة.

أظهر البانيزي المتحمس لتحويل أستراليا الى جمهورية وقطع أخر خيط يربط أستراليا بماضيها الإستعماري بعد وفاة الملكة اليزابث الثانية أنه سياسي محنك ويعرف من أين تؤكل الكتف السياسية، فاندفع في اتخاذ إجراءات لم يقدم عليها البريطانيون أنفسهم وكأنه ملكي أكثر من الملكيين، فقد علق البانيزي جلسات البرلمان الأسترالي لمدة 15 يوماً، وأعلن يوم 22 أيلول يوم عطلة رسمية لمرة واحدة رغم معارضة قطاع الأعمال لأن ذلك سيكلف البلاد أكثر من مليار ونصف المليار دولار. وعندما سئل البانيزي عن مسألة إعادة أحياء النقاش حول تحويل أستراليا الى جمهورية رفض الإجابة عن السؤال وقال اننا في فترة حداد وان الأمر ليس من اولوياتي حالياً. وقد أيدت رئيسة الوزراء السابقة جوليا غيلاد(عمال) والمؤيدة بقوة لتحويل أستراليا الى جمهورية مقاربة البانيزي وقد رحّب المعلقون والأعلاميون المحافظون بقرارات البانيزي على الرغم من معارضتهم الشرسة للحكومة.

إذن، البانيزي يقارب الحتمية التاريخية التي تحدث عنها عام 1999 بروية وعين سياسية ثاقبة وتموضع سياسي استراتيجي وتكتيكي، فحتى لا يتهم بأنه خرق البروتوكول والعرف كما فعل سلفه سكوت موريسن عندما عين نفسه وزيراً رديفاً في أكثر من وزارة بالسر. تموضع البانزي هذا سوف يعطيه دفعاً معنوياً وسياسياً عندما يحين طرح موضوع تحويل أستراليا الى جمهورية في حال فاز العمال في الانتخابات الفيدرالية القادمة كونه جرد خصومه الملكيين من ذخيرة الهجوم السياسي وسيستعمل قراراته هذه كحجة على خصومه وضدهم خصوصاً وان فيليب بينويل الرئيس الوطني للرابطة الملكية الأسترالية والتي تدافع عن بقاء أستراليا تابعة للتاج البريطاني ولا تعتقد بضرورة التغير يقول:" إن الرابطة بالمرصاد وعلى أستعداد لمواجهة كل ما سيقدم عليه الجمهوريون".

أخيراً، إن أستراليا بحاجة الى القطع مع ماضيها الإستعماري، والتصالح مع ماضيها وتثبيت الهوية الأسترالية التي تأخذ شكلها من أعمدتها الديمغرافية الثلاث السكان الأصليين (الابوريجنال) الأستراليين المتحدرين من الخلفية الأنكلوسكسونية، والمهاجرين الجدد من الإثنيات المختلفة والذين يشكلون قرابة الربع من السكان لوالدين مولودين في الخارج وقرابة 48% لأحد الوالدين المولودين في الخارج.

ويبقى على الحكومة ان تدرك كيفية مقاربة حملتها لإقناع الناخبين من خلال حملة توعية وطنية والتعلم من فشل تجربة عام 1999 لتعطي فكرة عن مدى ترسخ الديمقراطية الأسترالية وعدم الخوف من الفطام عن التاج البريطاني لأننا بلغنا سن الرشد. واعتقد ان الأرقام مشجعة ففي عام 2017، قال 44 في المائة إنهم يؤيدون الانتقال إلى جمهورية، و 30 في المائة عارضوا ذلك، و 26 في المائة غير متأكدين. في عام 2021، كان 48 في المائة يؤيدون، و 28 في المائة يعارضون، و 25 في المائة غير متأكدين.

***

عباس علي مراد    

 

في المثقف اليوم