آراء

باسم الكربلائي الشّيرازيّ.. الرِّزق الكريه

عندما تنعدم عاطفة الانتماء للأرض لا يهم إنْ كان الرِّزق بإثارة الفتنة، وبعدها لتأت الدِّماء، فأمثال باسم الكربلائي، المُنشد الحُسيني، ليس لديهم شعورٌ بالمسؤولية تجاه بلدٍ وشعب مبتلى بالكوارث والأحزان، فهو كمَن قال: «لا كوفة أمي ولا بصرة أبي/ ولا أنا يثنيني عن الرّحلة الكسل»(ابن أعثم، كتاب الفتوح). فمَن تصبح تجارته آلام العراقيين فلتُحرق الكوفة والبصرة. ينتمي الكربلائي إلى جماعة الشّيرازيَّة، التي ليست مهمتها غير تحطيم السّلم الاجتماعيّ، وقيادة شباب الشِّيعة، بتوظيف الحُسين، إلى الخرافة واللهو بعقولهم.

ظهر الكربلائي، بأحدث دموياته، التي يُشعرنا بها أنه فوق القانون، عندما ينشد: «شيل اسم الصَّحابة سميهم عصابة»(2022/9/11)، شاركه موسيقي لبناني، يظهر معه في بوستر لترويج البضاعة مع تعليق: «يجمعنا حُب الحُسين»(صحيفة النَّهار، العدد: (2021/6/23)، وما يجمعهما بالحقيقة إلا الرّزق الكريه، فلا المنشد ولا الموسيقي يعرفان شيئاً عن الحُسين. في زمن لم تبق الكلمة بحدود المنبر الذي يلتف حوله المئة أو المئتان، الآن بلحظة تنتقل الفتنة إلى جهات الأرض الأربع.

حصل بالأمس وعانى الشِّيعة، خارج بلاد الصّفويَّة بأصفهان، قبل منع السَّب مِن قبل نادر شاه(قُتل: 1747)، مما اضطر فقهاء الشِّيعة من خارجها للشَّكوى: «أي أهل المنابر والمحاريب، إنكم تسبون بأصفهان، ونحن نعاني مِن ذلك العذاب في الحرمين الشِّريفين»(التَّنكابني، قصص العلماء). يبدو أن التَّاريخ يعيد نفسه بهذه الملهاة، ويراد للعِراق أن يكون أصفهان قبل أربعة قرون، أولئك كانوا بالطَّائفية يطلبون تثبيت المُلك، وهؤلاء يزيدون ثرواتهم بالتلاعب بالعقول والرّقاب.

أمَّا الصَّحابة، الذين تطرق إليهم الشَّاعر الذي أنشد له الكربلائي، فقد تزوج الحُسين ووالده منهم، وتزوجوا منهما، وأبرز بناتهم قالت يوم قُتل علي بن أبي طالب(40هج): «لتصنع العرب ما شاءت فليس لها أحدٌ ينهاها»(الصَّفدي، الوافي بالوفيات). سمّي بأسماء الصَّحابة أخوة الحُسين، فأبناء عليّ وأشقاء العباس: عمر وأبو بكر وعثمان، وأبناء الحسن: طلحة وأبو بكر وعمر(ابن عنبة، عمدة الطالب). ولو كانت «العصابة»، حسب منطق بزار الطَّائفية، يعرفون، وعليٌّ يعرف، أن سيأتي الزَّمن الذي تستخدم أسماؤهم فيه بضاعةً ما دخلوا العراق، ليعلو فوق قانونها أمثال الشّيرازية ومنشدهم.

لستُ عاتباً على هؤلاء، فهم أصحاب تجارة، لكن ماذا عن دستور وقوانين العِراق ووزارته وقضاته، جاء في الدُّستور(2005): «يحظر كلُّ كيان، أو نهج يتبنى العنصريَّة، أو الإرهاب أو التَّكفير أو التَّطهير الطَّائفيّ، أو يُحرض أو يُمهد أو يُمجد أو يروج له». أما عن القانون السَّاري يُعاقب بالسِّجن مع الغرامة: «مَن أهان علناً رمزاً أو شخصاً، هو موضع تقديس أو تمجيد أو احترام لدى طائفة دينية»(قانون العقوبات 1969 المادة 372). فمِن غير سُنَّة العراق بعربهم وكردهم وتركمانهم، هناك سُنَّة العالم وعددهم يربو على المليار، يُجلون الصَّحابة، فهل مِن مصلحة الشِّيعة ما يحصل؟! فإذا كانت «القاعدة» و«داعش» فجرتا وعبثتا بالدِّماء، فهذا الخطاب يُقدم عذراً لهما، بل ويدفع إلى التّعاطف معهم مِن قِبل الملايين، ولكن هناك مَن يرى إرهاب العراقيين حياة له، كي يُشرع وجوده على رقابهم بعذر حمايتهم.

أقول: ماذا بقي للعراق مِن أمل، والكربلائي فوق القانون، وماذا بقي للبنان وميشال المسيحي الموسيقي يكون لمنشد الشّيرازيَّة ملحناً؟! الموسيقى التي اعتبرها إخوان الصفا(العاشر الميلادي) وسيلةً لتنقية النُّفوس، وتخفيفاً من تداعيات الحروب والكوارث(رسالتهم: الموسيقى)، يأتي الذي تعلمها بباريس ليسترزق بها رزقاً كريهاً بكربلاء؟

***

د. رشيد الخيون - كاتب عراقي

 

في المثقف اليوم