آراء

المثقف بين قمع الماضي وانفلات الحاضر

لاشك ان في كثير من الأزمان نتيجة للأوضاع السياسية التي كانت قد مرت بالبلد كان المثقفون بين رحى هيمنة ومغامرة السياسيين الطامحين إلى تسلم السلطة والجاه وبالتالي السيطرة على خيرات البلاد ووارداته لتسخيره لمنافعهم الشخصية وتسببت فيها ضغوطا على الطبقة المثقفة العراقية اجبرتها على الهجرة بسبب تلك الظروف نتيجة قلة الوعي السياسي لدى رجال السلطة في تلك الاوقات و" أن للمثقف العراقي تعريفًا ينبثق من مشكلات اجتماعية لها طابعها المحلي المشبع بتعرجات الزمن واشتباك القضايا والأفكار، وسرعة التحولات التي أدت إلى انتكاسات اجتماعية، أثرت ليس على المثقف؛ الشريحة الإنسانية الناضجة والواعية، بل على مجمل الحياة الاجتماعية، وبكلياتها الاقتصادية والتعليمية والثقافية بحيث لم يعد في مجتمعنا أي مفهوم عن الاقتصاد أو الثقافة أو السياسة ثابتًا يمكن أن يصف لنا بوضوح ما يحدث" على الرغم من كل المعاناة فقد اهتم الكثير منهم بالشأن العام وملاحقة قضايا الناس ومحاولة معالجتها وفي المرحلة الراهنة تعقدت أحوال المثقف العراقي واشتد أوار محنته ربما أكثر من ذي قبل. فبعد أن تكسرت العقب الحديدية التي كانت تكبل عقله وانفتحت أمامه قنوات الإعلام من فضائيات تلفزيونية وصحف وضعته في خضم انفلات يوهمه بحريته في التعبير والنقد والتحليل، صار يواجه مخاطر تهدد وجوده أكثر حتى من قبل. صار يواجه الموت العاجل لمجرد كونه مثقفاً، بينما انشغلت فئة اخرى بقضاياها الشخصية واختارت التملق للسلطة،

ولا يزال يعاني العديد منهم بشكل شعوري أو لا شعوري من عقدة الماضي واجترار النصوص والأحداث والمواقف بشكل سلبي ولم ينسلخ من مناخ ذلك الواقع المرير ولم يكن يرغب الابتعاد عنه وهو قابع فيه. ونقل ما يمكن الحديث عنه حول الواقع العراقي المعاصر بكل اشكاله في المجالس والمنتديات التي كان يشارك فيها والحديث عن الماضي بحلوه ومره وتوقع الآتي والأعداد له وهو لا يزال تحت مظلة القمع والبؤس اذا لم يكن يميل الى اي جهة من الجهات التي تشارك في العملية السياسية الحالية وان المثقفين مغيبون وليس لهم دور فاعل ربما لأنهم لايمتلكون الادوات ولأن اغلب الوسائل الاعلامية تابعة للأحزاب، لكنهم قادرون على تصدير آرائهم المتفاعلة مع المجتمع عبر وسائل أخرى غير مسيسة لو أرادوا ذلك "، مشيرا الى ان المثقف العراقي واجه صعوبات كبيرة خلال سنوات الحروب والحصار والصراع الطائفي واضطر فيها الى التخلي عن قلمه او التخلي عن كتبه لقاء لقمة العيش فيما هرب آخرون خوفا على حياتهم الى خارج العراق او ان لم يكون تحت مظلة احدها في الداخل ورغم الصعوبة التي مرت بهذه الشريحة التي تمثل الوعي والثقافة ومن الحاجات المهمة والتي تغذي المجتمع تجربة وانتاجاً ولكنها استفادة من كل تلك المعاناة وقدمت الثقافة العراقية الاصيلة الى العالم بكل فخر ورغم ذلك "نجد المثقف العراقي يتجاوز محنه اليومية، ليصوب اهتمامه الى التجديد والتحديث، ومنذ بداية الحداثة وحتى اليوم، يتموقع المثقف العراقي في الميادين المتقدمة للثقافة العربية، والشواهد كثيرة على حراك جديد يجعل المثقف العراقي في دور ريادي متميز"..

" أن للمثقف العراقي تعريفًا ينبثق من مشكلات اجتماعية لها طابعها المحلي المشبع بتعرجات الزمن واشتباك القضايا والأفكار، وسرعة التحولات التي أدت إلى انتكاسات اجتماعية، أثرت ليس على المثقف؛ الشريحة الإنسانية الناضجة والواعية، بل على مجمل الحياة الاجتماعية، وبكلياتها الاقتصادية والتعليمية والثقافية بحيث لم يعد في مجتمعنا أي مفهوم عن الاقتصاد أو الثقافة أو السياسة ثابتًا يمكن أن يصف لنا بوضوح ما يحدث"، مما أجبره على النزول الى الشارع بعد أن غادر الابراج وتفاعل مع المواطنين البسطاء الذين ينظرون إليهم بعين الريبة بسبب كثرة أزماتهم ويطلبون الحل من السياسي والمسؤول ولايجدون الحل لدى المثقف لأنه كان يرفع صوته على مدى عقود سابقة ويؤشر الخلل والنقاط السلبية، لكنه يواجه مسؤولا لايهتم ولايأخذ كلامه على محمل الجد، خاصة وان المثقف لايملك سلطة سياسية او مالية او قاعدة تنظيمية جماهيرية ليحدث التغيير ولا يجد غير الكتابة سبيلا لطرح آرائهم ليصطدم بالانفلات والفوضى التي تهدد حياته، لكنه لم يقف عند هذه النقطة وقال كلمته من في الكثير من المناسبات مطالبا الجهات التشريعية والتنفيذية بإصلاح مواطن الخلل في البلد .

ان المبدع عندما لايجد من يوليه اهمية ويوفر له ضمانات الكرامة والتقدير والرعاية فان الاحباط يرافقه الى النهاية، إلا اذا وجد الفرصة وتعلق بها واستثمارها بطريقة ما يتغير حاله الى الاحسن، وتكون البيئة المحيطة به عاملا مضافا يمكنه من تحقيق ابداعه وانتشاره وتأكيد تأثيره في الحياة والمجتمع، وينبه الناس لقيمته ودوره كصانع ومغير ومؤثر لايمكن تجاهله .

***

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

 

في المثقف اليوم