آراء

من يفكك القنبلة الموقوتة.. مخيم الهول وتأثيره على الأمن القومي العراقي

"انه قنبلة موقوتة اذا انفجرت فإنها لن تؤثر على المنطقة فحسب بل ستتعدى ما هو أبعد من ذلك"، هذا ما قالته جينين بلاسخارت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في العراق، وهي تصف حجم الرعب من مخيم الهول الذي لا يعرف اغلبنا ماذا يجري داخل اسواره ومن يسكنه وكيف يمكن ان يكون قنبلة موقوتة ومن هو المتضرر الأكبر من انفجارها؟

بالتأكيد العراق سيكون المتضرر الأكبر وسيدفع فاتورتها من دماء أبنائه ومن امنه واستقراره، فما تأثير هذا المخيم على الامن القومي العراقي؟ وهل يعتبر تهديدا مباشرا للعراق؟ وكيف يمكن مواجهته والخلاص من اخطاره؟

يقول عضو البرلمان البلجيكي جورج دلماني، الذي زار مخيم "الهول" في كانون الأول/ديسمبر 2020، "يسود داخل المخيّم شعور بأن الحرب لم تنته، وأنه لا بدّ من خلق جيل جديد من المقاتلين الارهابيين".

اذن مخيم الهول ليس الا جامعة إرهابية يتخرج منها دواعش المستقبل ومركز للتأهيل والتدريب على الأنشطة الإرهابية وتعزيز الأيديولوجية المتطرفة ربما بصور أبشع من التي عشناها بعد احتلال داعش لمدينة الموصل، لذلك لابد لنا من تحديد طبيعة التهديد الذي يشكله مخيم الهول للأمن القومي العراقي، فلا يمكن التفكير باستراتيجية للأمن القومي بدون تحديد مصادر التهديد، والبدء بإجراءات امنية متوافقة مع المخاطر أو التهديدات الأمنية الفعلية أو المحتملة وفقا لما نمتلك من موارد وقدرات وامكانيات.

فالتهديد في مفهومه الاستراتيجي، هو وصول تعارض المصالح والغايات القومية إلى مرحلة يتعذر معها إيجاد حل سلمي يوفر للدولة الحد الأدنى من أمنها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري، والامن القومي هو قدرة الدّولة على مواجهة الأخطار التي تهدّدها من الدّاخل والخارج، وفي حالة الحرب والسِّلم على حدٍّ سواء، بمعنى هو مجموعة من القواعد الحركية التي يجب على الدولة ان تحافظ على احترامها وان تفرض على الدول المتعاملة معها مراعاتها لتستطيع ان تضمن لنفسها نوعاً من الحماية الذاتية الوقائية الإقليمية.

 وهذه الحماية الذاتية المتكاملة لا تأت الا عبر الخطط الشاملة والتطبيقات المتجانسة التي تتمكن بها الدولة من خلال منابع قدراتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية على حفظ المواطن والوطن والمصالح الوطنية في السلم والحرب وعلى تنوع مساحات الحقوق والواجبات والمسؤوليات والاهداف في دوائرها الشخصية والجماعية الشعبية والرسمية.

 وعند دراسة المتغيرات المحلية والاقليمية المؤثرة على أمن واستقرار الدولة العراقية، والبحث في آلية تحديد تلك التحديات والتهديدات والمخاطر، لاسيما الوضع في سوريا التي مازالت تعيش آثار الحرب الاهلية الطاحنة، نجد ان الامن القومي العراقي يواجه تهديدات وتحديات من جانب حدوده الغربية، تلك الحدود التي دخل من خلالها الدواعش وعاثوا في العراق فسادا وقتلا ودمارا، ومن ابرز هذه التهديدات والمخاطر اليوم هي قضية مخيم الهول او (القنبلة الموقوتة) التي اشرنا اليها في بداية المقال.

مخيم الهول الذي تشرف عليه قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الكورد في مدينة الحسكة في شمال شرق سوريا، يقع هذا المخيم على بعد أقل من 10 كيلومترات من الحدود العراقية السورية، ويضم اكثر من 56 ألف شخصاً، بينهم حوالي عشرة آلاف من الرعايا الأجانب، وما لا يقل عن 30 ألفاً من حاملي الجنسية العراقية سواء من اتبعوا تنظيم داعش أو عائلاتهم وأطفالهم، وهناك اكثر من 8 آلاف امرأة من زوجات وارامل عناصر الدواعش، كذلك يضم المخيم نحو 7300 طفل من أبناء الارهابيين وفقاً لمنظمة "Save the Children" (أنقذوا الأطفال) ، وتبلغ نسبة النساء والأطفال من بين سكان المخيم ما يقرب من 80 في المائة.

والخطورة تكمن في قيام الامهات الداعشيات شحن اذهان اطفالهن بفكرة الثأر لآبائهم الذين إما قتلوا في المعارك او انهم في السجون السورية او العراقية.

فهذا المخيم تحول الى مساحة من الرعب المؤجل كونه في الواقع شبه معسكر للإرهاب واتجهت الكثير من الأنظار الى وضعه الشاذ وخطورته وتهديده للأمن والسلم في المنطقة، لكن يبدو ان التهديد المباشر سيكون باتجاه العراق، وسنكون بمواجهة مأساة حقيقية اذا لم نقدم على خطوات جادة وسريعة لتفكيك هذا المخيم "الذي بات بيئة خصبة ومركزاً ايديولوجياً لتلقين الفكر المتطرف لأبناء الدواعش ونسائهم، محاولة منهم في انشاء جيل جديد" حسب راي جنين بلاسخارت.

ان مشكلة "الهول" الكبيرة هي بقاء الجهاديات الأجنبيات او ما يطلق عليهن (المهاجرات) اللواتي يقمن بأنشطة مختلفة منها جمع التبرعات المالية من خارج المخيم واستمرار كسب المناصرين والداعمين للجماعات الإرهابية من خلال حسابات بأسماء مستعارة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وتتضاعف خطورة هؤلاء النسوة في ظل عدم توفر دعمٍ مالي وأمني كافٍ لقوات سوريا الديموقراطية التي تسيطر بالكامل على هذا المخيم.

وقد شهد مخيم الهول 24 حادثة قتل نصفها في شهري أيار /مايو وحزيران/ يونيو2022، جميعها نفذت او تم التخطيط لها من قبل نساء داعش، حيث شهد المخيم مقتل موظفي منظمات دولية ومحلية، وكذلك تم قتل حاولن الخروج من خانة التطرف والتشدد ودفعن حياتهن ثمنا لهذه المواقف واسطة ما يُعرف بوحدات الحسبة.

وتحاول مستشارية الامن القومي بذل ما في وسعها لمعالجة هذه المشكلة التي لا يمتلك العراق القدرة على معالجتها منفردا بدون مساعدة ودعم المجتمع الدولي، لذلك دعا مستشار الامن القومي قاسم الأعرجي المجتمع الدولي إلى "عمل جاد وحقيقي لتفكيك المخيم ونقل كل الإرهابيين ومحاكمتهم حتى تكون المنطقة آمنة ونظيفة"، مؤكدا أن "هذا الموضوع يشكل تهديدا للأمن القومي العراقي وان العراق لن يرضى بدلك"، وأضاف الاعرجي: "كل يوم يطول البقاء يعني يوما من الكراهية والحقد وتمويل الإرهاب".

وترى مستشارية الامن القومي العراقية في تقديرها للموقف في مخيم الهول " ان داعش يفتقر للقيادات والقيادات في السجون، كما حدث خلال الهجوم على سجن غويران في محافظة الحسكة في يناير الماضي، عندما اقتحم العشرات من المسلحين المبنى"، وتتوقع المستشارية ان يشهد المخيم حالة اقتحام وإخراج سكانه لاعادة تنظيم صفوفهم مجددا كما حصل في حوادث سابقة في سوريا والعراق.

ورغم ما يشكله هذا المخيم من تهديد مباشر للأمن القومي العراقي الا ان هناك حالات إنسانية يجب الوقوف عندها، فمعالجة الوضع الإنساني للعائلات في مُخيَّم الهول في سوريا، ومنع تنظيم داعش من اختراق مُخيّمات النازحين، ونشر فكره الإرهابيّ، وإعادة تنظيم صُفوفه هي جزء من الاستراتيجية الأمنية العراقية التي يجب اتخاذها والالتزام بها لتفكيك هذه القنبلة الموقوتة على حدودنا الغربية.

كما أن قوات سورية الديموقراطية المسؤولة عن مخيّم "الهول" تسمح لسكانه السوريين بالعودة إلى مناطقهم، إن لم يثبت ارتكابهم لأي جرائم، كما أنها لا ترفض إعادة العراقيين المقيمين في المخيم، وقد تم نقل اعداد منهم الى مخيم الجدعة في الموصل من قبل مستشارية الامن القومي العراقية لغرض إعادة تأهيلهم ثم اعادتهم الى مناطق سكناهم الاصلية.

وبالفعل اعتمد العراق برامج إعادة الاندماج والتأهيل، حيث تمت إعادة ما يقارب (500) عائلة عراقيَّة، إلى مُخيَّم الجدعة في مُحافظة نينوى وأغلبهم من النساء والأطفال، لكن مازالت دول العالم وبالخصوص الدول الغربية مترددة في اتخاذ خطوات فاعلة للتعامل مع هذا الملف.

لذلك دعا العراق عبر وزير خارجيته فؤاد حسين الدول كافة للتعاون بشكل فوريّ مع العراق، تنفيذاً لالتزاماتها في تسلّم رعاياها من عوائل الإرهابيِّين المُحتجَزين في العراق، أو من المُقاتِلين الذين لم تُسجَّل بحقهم أحكام قضائيّة جنائيّة، بسبب مُشارَكتهم في الأعمال الإرهابيّة، لكن هل يستطيع العراق ان يفكك القنبلة الموقوتة بمجرد الدعوات للدول ام ان الامر يحتاج الى جدية اكبر وعمل أوسع لاسيما ان الصغار يكبرون والأفكار تتجذر والايديولوجيات تتعمق والمشاكل تتعقد والأزمات تتجذر، فأما تنفجر علينا قنبلة إرهاب جديدة او ننجح في نزع فتيل كارثة قادمة والكرة في ملعبنا.

***

نورهان علاء

 

في المثقف اليوم