آراء

ديوان المحاسبة في ليبيا وصلاحياته..نظرة أقرب

كعادة أغلب التقارير السنوية لديوان المحاسبة (وهو هيئة مستقلة ملحقة بالسلطة التشريعية)، أحدث التقرير السنوي الصادر له عن سنة 2021 صدى واسعا تردد عبر كل الوسائط الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي، وبين فئات الشعب، حتى صار حدثا سنوياً شيقا ومدهشا يداعب الفضول ويغري لذة الإكتشاف، في ظل وضع سياسي ضبابي يتسم بالتشظي والإنقسام السياسي والمؤسسي بين سلطتين تنفيذيتين مزدوجتين متنازعتين (حكومة الوحدة الوطنية وحكومةالإستقرار)، وبين سلطتين تشريعيتين متنافستين (مجلس النواب ومجلس الدولة)، وفي ظل تنامي نفوذ الكيانات المدججة بالمال والسلاح في العاصمة طرابلس خصوصاً، مقر عمل ديوان المحاسبة، مما يجعل مهمة ديوان المحاسبة هي مهمة شاقة وشائكة ومعقدة، وفي تقرير ديوان المحاسبة الأخير رغم الإشادة به مبدئيا في جرأته بالكشف عن كل هذه الخروقات الخطيرة والتلاعب بالمال العام في عديد المؤسسات، وخاصة تلك التي شابت حكومة الوحدة الوطنية ومؤسساتها، إلا أنه أخذ على الديوان، عدم شمولية تقييم أداته الرقابية فى تقريره لبعض المؤسسات الأخرى وخاصة في شرق البلاد، وإتهامه من طرف حكومة الوحدة الوطنية، بأن التقرير جاء مسيسا وكيديا وغير دقيق، ويفتقر إلى الحيادية والموضوعية، بل ويذهب البعض إلى إتهام ديوان المحاسبة نفسه بأن أعضاؤه ضالعين في بعض جوانب الفساد بإرتكاب بعض الخروقات المالية، وأيضاً يرى الكثير من الملاحظين بأن ديوان المحاسبة ومايأتي به من تقارير سنوية، أصبحت حدثا معتاداً يكاد أن يتحول الى مجرد مناسبة، والواقع المرير يتضمن أن ليبيا تصعد اكثر في كل عام سلم الفساد، وتصنف من أبرز الدول الفاشلة في العالم .

ورغم محاولة الحكومة المؤقتة في الشرق الليبي في عام 2015 إنشاء ديوان للمحاسبة هناك، إلا أن ديوان المحاسبة في طرابلس، ظل هو   الأساسي نظراً لما يملكه من عراقة وخبرة وكفاءة..ولقد إستمر ديوان المحاسبة في إصدار تقاريره سنوياً منذ عام 2012 عن طريق قيامه بتقييم عمل وأداء إدارات ومؤسسات الدولة من الناحية المالية، ليقوم بإبداء   ملاحظاته على الخروقات والمخالفات والتجاوزات، ومن ثم المطالبة بتسويتها وفقاً لأحكام القانون رقم (19) لسنة2013 بشأن إنشاء ديوان المحاسبة.

وفي ظل هذه الضجة الكبيرة التي أحدثها التقرير السنوي الأخير لديوان المحاسبة عن سنة 2021 أيضًا نتذكر مثل هذه الضجة والتي أحدثها تقرير ديوان المحاسبة عن عام 2017، والذي وثق آنذاك تجاوزات وعمليات تلاعب وهدر كبير للمال العام، مما جعل كل الوسائل الإعلامية تسهب في تحليل الحدث آنذاك ....

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ديوان المحاسبة ملزم فقط بتقديم التقارير السنوية؟ بعد أن يذوب الثلج ويبان المرج، أم أن له صلاحيات أكثر من ذلك؟

الإجابة على هذا السؤال نجدها في المادة رقم (20) من قانون رقم (19)لسنة 2013في شأن إعادة تنظيم ديوان المحاسبة، والتي بها نص يقول: (يجوز للديوان تقديم تقارير مماثلة كلما دعت الضرورة في المسائل التي يرى أنها من الأهمية والخطورة بحيث يقتضي الأمر سرعة النظر فيها). هذا النص الذي يقترب كثيرا من نص المادة (53) من قانون (65) لسنة 1966 بشأن إنشاء ديوان المحاسبة.

أي أن لديوان المحاسبة ممثلا في رئاسته خاصة، صلاحيات تقديم تقارير خاصة أو تقارير دورية أو تقارير أخرى، وليس التقارير السنوية فقط، كلما دعت الضرورة تفادياً لتزايد الإنتهاكات والخروقات المالية، ومحاولة لكبح هذه التجاوزات قبل أن تتفاقم.

***

د.أبوبكر خليفة أبوبكر

 كاتب وأكاديمي ليبي

في المثقف اليوم