آراء

ما أشبه اليوم بالبارحة

ونحن نتابع خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حفل توقيع اتفاقيات قبول مناطق جديدة في الاتحاد الروسي "دونيتسك ولوغانسك و زاروبوجيه و خيرسون"، تذكرنا تلك العبارات التي تمنها خطاب الرئيس بوتين ي ميونخ في مؤتمر الامن الدولي، والذي أطلق عليه الخبراء الدوليون ب" عقيدة بوتين "، تلك العقيدة التي تؤكد بداية تدمير الهيمنة الأمريكية.

يسمي الخبراء بالفعل خطاب الرئيس "عقيدة بوتين"، وهو رد على تصرفات الدولة المهيمنة البالية، الولايات المتحدة، الغاضبة بسبب العصيان والتحديات التي تواجه خطابها، وباعتباره عتبة مهمة عندما يكون لأداء روسيا، وسياستها الخارجية، وسياستها الأمنية صيغة سياسية معينة، وكل هذا سوف يتم تلوينه بالقيم والمعاني والروايات، وبالنسبة للصقور والروسوفوبيا، هذا شيء مزعج للغاية، وأن مجموعة البلدان النامية التي سئمت من هيمنة الولايات المتحدة وأقمارها الصناعية ستكون بمثابة نسمة من الهواء النقي وأن "كلمات بوتين هي علامات تفتح صفحة جديدة تمامًا في تشكيل نظام عالمي جديد، تشكيل عالم متعدد الأقطاب".

ولا يختلف اثنان في أن خطاب بوتين بالتأكيد سيكون له نفس التأثير على الغرب مثل خطابه الشهير في ميونيخ عام 2007، عندما تحدى الرئيس الروسي الهيمنة الأمريكية لأول مرة، ولقد تم اتخاذ خطوة نحو تحرير العالم من الهيمنة الغربية، والفرق و انه في السابق لم يكن لديهم " كبش الفداء " لمواجهة روسيا، أما اليوم فقد وجدو ا ط المهرج زيزو " للقياد بدور المناوب، فالكلمات التي قالها الرئيس الروسي في الاحتفال، والتي كان لها سياق واضح مناهض للاستعمار، كانت تهدف إلى فهم أن أفعال الغرب باعتبارها أعمال توسع وعدوان استعماري، وأن روسيا لن تتصالح أبدًا مع هيمنة الغرب، والقواعد التي يضعها الغرب بطريقة تطوعية .

وفي الواقع، ومن وجهة نظر المراقبين فإن بوتين أطلق "حركة تحرير جديدة"، تمامًا كما في الستينيات من القرن الماضي، ويشير العالم السياسي، بافيل دانلين، مدير مركز التحليل السياسي، الى تلك الحركات حررت الحركة دول إفريقيا وآسيا من الهيمنة الاستعمارية المباشرة للغرب، لذلك لدينا الآن بداية حركة مناهضة للاستعمار يجب أن تحرر العالم من الهيمنة الاستعمارية غير المباشرة - أنظمة الضبط والرشوة و إلى "الابتزاز والتهديدات وأشياء أخرى".

إنهم ببساطة يطاردون روسيا كونها دولة كبيرة ضخمة في العالم بأراضيها وثرواتها الطبيعية ومواردها، ووفقًا لبوتين، فإن الغرب "مستعد للتغلب على كل شيء" من أجل الحفاظ على النظام الاستعماري الجديد الذي يسمح له بالتطفل، في الواقع، وعلى نهب العالم على حساب قوة الدولار والإمكانيات التكنولوجية و الجشع تحديدًا، بقصد الحفاظ على قوتهم غير المحدودة، وأن هناك أسبابًا حقيقية للحرب الهجينة التي يشنها" الغرب الجماعي "ضد روسيا، فإنهم لا يريدون لها الحرية، لكنهم يريدون رؤيتها كمستعمرة، وما فعلوه هو وضع أمم بأكملها على المخدرات، وتعمدوا إبادة مجموعات عرقية بأكملها من أجل الأرض والموارد، وقاموا بمطاردة حقيقية لأناس مثل الحيوانات، وهذا ضد طبيعة الإنسان ذاتها، والحقيقة والحرية والعدالة.

وفي الواقع، تم تخصيص جزء كبير من خطاب بوتين لأصول الصراع في أوكرانيا، الذي بدأ كل شيء في عام 1991، عندما تمكن الغرب من تدمير الاتحاد السوفيتي، وكانت الولايات المتحدة تأمل في تدمير روسيا أيضًا، لكنها ( أي روسيا ) "قاومت"، والان فإن الأمريكيين تطاردهم حقيقة وجود مثل هذه الدولة الضخمة في العالم، فالولايات المتحدة لا تحتاج إلى روسيا على الإطلاق، لذلك وبحسب قول بوتين " نحن بحاجة لها.. وسنحمي قيمنا ووطننا الأم ".

ولأول مرة، قال بوتين مباشرة إن التخريب على خطوط أنابيب الغاز نورد ستريم كان مفيدًا على وجه التحديد للأنغلو ساكسون، وهذا ما لم يمكن الغرب من قوله، رغم قناعته الاكيدة بأن لا مصلحة لروسيا في ذلك، ولكن " حكم القوي على الضعيف "، جعلتهم " يناورون بكلماتهم وتصريحاتهم، دون تحديد الجهة المسئولة عن التخريب بشجاعة، وباتوا الان في حيرة من أمرهم خصوصا إن تنظيم انفجارات على خطوط أنابيب الغاز الدولية التي تمتد على طول قاع بحر البلطيق، في الواقع تعني تدمير البنية التحتية للطاقة الأوروبية، ووفقا للرئيس بوتين، فأن الولايات المتحدة تريد أن تجعل العالم بأسره مستعمرة لها، لكنهم فشلوا لاستعمار روسيا.

سكان المناطق الأربعة بالتأكيد "اتخذوا خيارًا واضحًا" خلال الاستفتاءات التي أجريت في الفترة من 23 إلى 27 سبتمبر، ووفقًا للنتائج الرسمية للجان الانتخابات، أن 99.23 ٪ من المواطنين صوتوا للانضمام إلى الاتحاد الروسي في جمهورية دونيتسك، و 98.42 ٪ في لوغانسك، و 87.05 ٪ في منطقة خيرسون، و 93.11 ٪ في منطقة زابوروجيه، و المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة التي تشير إلى مبدأ المساواة في الحقوق وتقرير المصير للشعوب، تمنح الجمعية الفيدرالية الروسية الحق في دعم المطالب الشعبية في هذه المناطق، ووفقا للقوانين الدستورية المتعلقة بتبني وتشكيل أربع مناطق جديدة في روسيا، وأربعة رعايا جديدة للاتحاد الروسي، "لأن هذه هي إرادة الملايين من الناس"، وهذا بالنسبة للروس حق غير قابل للتصرف للناس، وهو قائم على الوحدة التاريخية، التي باسمها انتصرت أجيال الأسلاف، أولئك الذين، من أصول روسيا القديمة، بنوا ودافعوا عن روسيا لقرون وقاتلوا حتى الموت هنا خلال الحرب الوطنية العظمى.

وخاطب بوتين الشعب الأوكراني عدة مرات، مؤكدًا أنه ليس عدوًا لروسيا، وللسلطات الأوكرانية، و إن روسيا تريد أن تعيش بسلام مع جيرانها، ودعا نظام كييف إلى وقف إطلاق النار فوراً، وجميع الأعمال العدائية والعودة إلى طاولة المفاوضات، وان روسيا مستعدة لذلك، ولن يناقش اختيار الناس في دونيتسك ولوغانسك وزابوروجيه و خيرسون، لقد تم ذلك، " ولن تخونه روسيا "، ولكن وبرأي الرئيس الروسي فإن كييف لم تسمع كلماته، ولهذا السبب اتخذ شعب دونباس وزابوروجيه و خيرسون خيارهم، ”اختيار محدد، وهذه هي إرادة الملايين من الناس" وشدد على أن هذا هو حقهم غير القابل للتصرف، وهو حق مكرس في المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة.

إن روسيا فخورة بأنها في القرن العشرين هي التي قادت الحركة المناهضة للاستعمار، والتي أتاحت فرصًا للعديد من الشعوب للتطور، وإن أحد أسباب رهاب روسيا منذ قرون، كما قالها الرئيس بوتين، هي الخبث غير المقنع لهذه النخب الغربية تجاه روسيا، وهو بالتحديد أنها لم تسمح للسرقة خلال فترة الفتوحات الاستعمارية.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

في المثقف اليوم